الرئيسية - كــتب - “إيبولا” أمير تاج السر
“إيبولا” أمير تاج السر
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

محمد الغربي عمران –

قرأت عدة أعمال للروائي السوداني أمير تاج السر.. من تلك الأعمال: صيد الحضرمية.. مهر الصياح.. توترات القبطي.. العطر الفرنسي. ورواية صائد اليرقات ..وقد اشتهرت روايات تاج السر بعد صعود إحدى رواياته إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر مؤخرا. أحدث أعماله الروائية(إيبولا) الصادرة من دار الساقي 2012 والتي تقع في 142 صفحة توزعت على 16 قسماٍ. “إيبولا” اسم فيروس انطلق من قلب إفريقيا أخذ اسمه من اسم نهر صغير في الكنغو.. حيث تقبع قرية صغيرة بدأ القاتل بالانتشار منها مهددا العالم بالفناء.. وخطورته أنه ينتشر بالملامسة والزفير وممارسة الحب والتقبيل. فتاك يقضي على الفرد في غضون أيام من إصابته.. حيث يفجر جسد المصاب ويمزقه بجروح في أنحاء جسمه لينزف دمه وتصعد روحه على الفور. وإيبولا هو أسم الرواية التي تدور أحداثها في مدينة(انزارا) الحدودية في أقصى جنوب السودان.. حيث تقع بالقرب من حدود كينيا الكنغو يوغندا.. في هذا المكان من العالم وهو يمثل عمق إفريقيا اختار تاج السر شخصية المكان في روايته.. بكل ما فيها من غرائبية في المعتقدات والعادات .. إضافة إلى حضور أوربي على شكل إرساليات تبشيرية وإغاثات. (لويس نوا) عامل في مصنع نسيج بمدينة أنزارا الجنوب سودانية. متزوج من بائعة ماء متجولة (تينا)تقوده خيانته لزوجته أن يعبر الحدود إلى كنشاسا عاصمة الكنغو حيث عشيقته الين. ليزورها بين فترة وأخرى. وتبدأ أحداث الرواية بالقاتل إيبولا الذي يختطفها من لويس عشيقته الكنشاسية. حينها يهرع من مدينته الحدودية لزور قبر الين ..وهناك كان القاتل إيبولا يتربص به في دم فتاة بائعة هوى أنغولية (كانيني) ليسكن شرايينه عائدا إلى انزارا في شوق مفاجئ لمعاشرة زوجته (تينا) التي كان قد هجرها لأكثر من سنتين.. وفي كوخها الصغير يقهقه إيبولا وقد أنتقل من لويس إلى تينا.. يقبل في اليوم التالي عاملة الحنة وهي مخمورة لينتقل القاتل من فمه إلى فمها.. يصافح أثنين من زملاء مصنع النسيج ليتناسخ القاتل في سكان المدينة ويعمل فيهم تقطيع وإبادة. إلى هنا وشرحي لم يوف الرواية حقها. ولا قدرة الكاتب في اختيار ذلك الوسط الغارق في بدائيته .. ولا بداية ذلك القاتل إيبولا من تلك المجاهل..ولا أنسنته وهو يصفه بالقاتل الذكي.. المترصد لضحاياه.. المنفذ لخطط الانتشار السريع.. مالك شهوة الموت والفناء. الكاتب يمتلك قدرة على جمع خيوط أكثر من شخصية بكل مهارة.. تلك الشخصيات المتباينة في مجتمع تحكمه علاقة قلقة من الصراع والاستغلال.. صاحب مصنع النسيج جيمس رياك في أنزارا بماضيه المتمرد على السلطة وقدرته على إدارة ذلك المصنع الصغير باستغلال فقر السكن وجشع لا يوصف.. إلى الساحر جمادي احمد بحيلة التقليدية.. إلى المغني الكيني انامي او فيانو .. والعازف الكنغولي روادي مونتي.. إلى تلك الفتاة اللقيطة دارينا التي كان يتوكأ عليها روادي الأعمى. لقد نسج تاج السر عمله إيبولا بخيال المبدع المقتدر.. موظفا ذلك الحدث الكارثي بكل تفاصيل مأساته التي روعت العالم في ذلك التاريخ والذي أباد مئات الآلاف قبل اكتشاف ما يوقفه من اجتياح العالم.. خالقا مجتمع لا يشبه أي مجتمع نعرفه.. مسلطا الضوء على تلك العلاقات في أجواء من الرعب . إن استخدام الكاتب لأسلوب التهكم والسخرية في سرده لأحداث الرواية المتلاحق.. جعل القارئ يبحر في صفحات العمل بإحساس يختلف عن تلك الأعمال التي يتناولها الكتاب بلغة جامدة. وتلك الحوارات التي دارت بين شخوص الرواية .. حوارات منفلتة في ظروف بعيدة عن عالمنا .. ظروف من القسوة ..ما أظهر ثقافة ومعتقدات مجتمع خليط من الوثنية والمسيحية واللا دينية وإسلامية. إيبولا عمل روائي فيه من الخيال ما يجعل القارئ يحلق في جزئ من عالم يظن لحظة قراءته بأنه افتراضي.. لكن تلك الآهات المؤلمة التي تتولد من أحشاء تتمزق لتسال الدماء من أجساد المصابين .. أفواه جافة وأمعاء مزقها القاتل إيبولا تعيد القارئ إلى عالم إفريقيا عالم الاستغلال وإهمال المتسلطين لشعوبهم. كم هو هذا العمل الروائي متقن فنيا وموضوعيا. في نهاية إيبولا صور لنا الكاتب رؤية سكان المدينة وهم يتابعون تحليق عدة مروحيات .. مستبشرين بالنجدة لنقل من تبقى على قيد الحياة إلى خارج منطقة الوباء.. لتهبط تلك الطائرات بداخل مجمع لسكن الأوربيون العملين في الإغاثة والتبشير.. وقف من تبقى من سكان أنزارا وقد حلقت الطائرات مخلفة أيبولا يلتهم أولئك البؤساء. كانت النهاية رائعة وهو يدين ما يسمى بالعالم المتحضر الذي كثيرا ما تكشف الأحداث عوراته وقبحه. إلا أن الكاتب أضاف صفحتين بعد النهاية كان فيها صوت الكاتب قد ارتفع بأسلوب مباشر وواعظ.. على عكس أسلوبه طوال صفحات الرواية التي امتاز بلغة راقية وسلسلة. إلا أن الصفحتين لا تقلل من هذا العمل الروائي الرائع.