الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - كــتب - كمثل ظل لسعيد موفقي..نصوص مغايرة
كمثل ظل لسعيد موفقي..نصوص مغايرة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

في أواخر 2013م التقيت والسارد الناقد الجزائري السعيد موفقي في مسقط.. حيث شارك كل منا ضمن وفد اتحاده في اجتماعات المكتب الدائم للإتحاد العام للكتاب العرب. ومثل تلك الملتقيات التي يلتقي فيها أدباء من مختلف الأقطار العربية..تمثل فرصة للتعارف وتبادل الإصدارات وتكوين صداقات أدبية واسعة.. وقد أهداني الأستاذ السعيد أحد إصداراته “كمثل ظله” القصصية التي اشتملت على ثلاثة وأربعين نصا تنوع بين القصة القصيرة والقصيرة جدا وفن الشذرة. إصدارات دار الأوطان في الجزائر 2011 . قرأت تلك النصوص وأعترف بتأخري في الكتابة عنها بعد أن قرأته قبل عدة أشهر وشدني أسلوب الكاتب وتلك الأفكار التي عالجتها نصوصه.. بعد القراءة تمنيت لو أحصل على المزيد من النتاج السردي الجزائري.. فقليلة هي الأسماء التي قرأن لها.. وكم نتمنى أن تغير دور النشر من سياستها لتخصص حيز من إصدارتها لتلك الأسماء المغمورة..وعدم التركيز على الأسماء المشهورة فقط. وأعود إلى “كمثل ظله”وبداية من عنوان الغلاف الذي استعاره الكاتب من أحد نصوصه الداخلية..والتي توزعت على النحو التالي: خمسة عناوين بمفردة واحدة..اثنان وعشرون عنواناٍ تكون كل منها من مفردتين.. ثمانية من ثلاث مفردات.. تسعة عناوين من أربع.. ونصين جاءت بخمس مفردات لكل عنوان.وهذا التنوع لم يأت من فراغ.. وإن كنت دوما أميل للإيجاز في العنوان.. لكن القارئ سيدرك أهمية تلك العاوين الطويلة.. والضرورة التي فرضت على الكاتب ذلك.. حيث وأنه قد حاول في أكثر من نص توظيف مفردات النحو والصراف واستخدمها بشكل تجريبي نجح فيما قدمه.. بل وأجزم بأن تمكنه من ذلك قد ظهر بصورة جلية حيث أخرج تلك النصوص بشكل متماسك محافظا على العمود الحكائي حتى نهاية النص. ومن المعروف أن العنوان يمثل أهم عتبات النص.. ومن خلاله يصطاد الكاتب قراء محتملين. ولذلك نجد بعض الأعمال الجيدة ظلمها كتابها في عناوينها المباشرة ..أو البعيدة عن جوهر النص.. والكثير من الأعمال العادية يكون للعنوان دور في رواجها بين القراء. وهنا نجد أن موفقي قد وفق في أختار عنوان إضمامته “كمثل ظله” كعتبة تحتمل أكثر من معنى.. وهكذا هي العناوين الداخلية التي جاءت جاذبة ومنها ما يثير الانتباه .. ونستعرض بعضها: رذاذ سعالها.. من دفتره.. بعض من هدوئها.. خمس قبلات.. هاجس حذائها.. ومن على شاكلتها.. عتبات المدينة.. تعانين من فقد شهية السعادة.. كلب المدينة.. حروف فاتنة.. عطر جارتها.. أمام بابها. إلى آخر تلك العناوين التي تثير في نفس القارئ أكثر من سؤال لإبهامها.. وهكذا هو العنوان المعبر عن محتوى النص من ناحية وفي الوقت نفس جاذب ولافت للقارئ بعمق مدلوله والتباسه.. ما يدفع القارئ لاكتشاف ما بعد تلك العناوين. وما يزيد تلك النصوص تميز الكاتب في إجادته في اختيار مواضيع وأفكار عالجتها نصوصه.. إضافة إلى ذلك الأسلوب الفني الذي البسه لأفكاره ما جعلنا نتابع تلك النصوص المشوقة والمثيرة.. وما الإبداع إلا روح الدهشة .. ونعرف أن نجاح النص يرتكز على عدة عناصر منها: الفكرة .. أو الجوهر.. الصياغة المتقنة.. اللغة… وكثيرا ما نجد نصوصا لبعض الكتاب تعالج أفكارا مكررة إلا أن الكاتب يقدمها بصيغة وأسلوب مشوق.. وبذلك يعوض تكرار الفكرة بجودة الأسلوب.. وهناك من يختارون أفكرا لم تطرق من قبل .. أو أن متناولاتها قليلة.. وبذلك يحقق الكاتب كسبا بين القراء..خاصة إذا ما البس الفكرة ثوبا فيه من الإدهاش الكثير. وتعتبر نصوص السعيد ذات أفكار جديدة. وفي جل نصوص موفقي تحضر المرأة.. لكنها ليست تلك المرأة الضحية كما تعودنا في أدبنا العربي .. بل هي المرأة المشاركة في العاطفة وفي مناحي الحياة المرأة التي تعيش نزواتها وشطحاتها.. وإذا ما استعراضنا بعض النصوص .. منها: عطر جارتها.. تعد خطواتها.. ومن على شاكلتها.. مصممة أزياء.. هاجس حذاءها.. كتفاصيل حذاءها.. تقتني أثرا.. ودوما امرأة موفقي هي امرأة المدينة كائن الشوارع والتسكع. أمر آخر تلك النصوص التي جعل منها الكاتب ملعبا لأنسنة أدوات النحو والصرف.. ليجد القارئ نفسه أمام أسلوب جديد لتمازج الكلمة والكائن البشري.. وذلك أسلوب تجريبي.. إذ قليلا ما نقرأ نص أو نصين سرديين لكاتب غامر بكتابة أنسنة أدوات اللغة .. لكننا هنا أمام عدد من النصوص التي يمتلك الكتابة قدرة خاصة على استخدامها ومنها : ميثاق شرف .. من دفتره.. مجاز مرسل وعلاقاته الحالية.. حروف فاتنة.. ألف أللاثنين وضمير الشأن.. جزم حروف العلة /نص ملتبس… وغيرها من النصوص التي وظف فيها الكاتب مفردات اللغة وأدواتها بشكل بديع ومشوق. أمر آخر قل أن تجد نصن من نصوص السعيد دون عتبة أو استشهاد.. بل أن بعض النصوص يحمل عتبته ضمن متنه ليوهم القارئ بأنه ضمن نسيج النص.. لكن سريعا ما يدرك بأنها رغم اتصالها هي في الوقت نفسه منفصلة ومن تلك النصوص: عطر جارتها.. كلب المدينة.. تعد خطواتها.. ومن على شاكلتها..حديث الصباح والمساء.. قهوة وكاوكاو.. مصممة أزياء.. طعام وشراب.. للبيع والكمية محدودة.. لزوجة.. هاجس حذاءها.. اللعب بالنار.. من دفتره.. معلم متعامد غير متجانس.. رذاذ سعالها القديم.. كمثل ظله.. وغيرها من النصوص التي قد تأتي بعض عتباتها في كلمة.. وقد تكون صدرا .. وبعضها يتجاوز الخمسة أسطر. وسنتناول بعضاها: “عطر جارتها” ونص عتبته:إهداء:على التي انخرطت في موسم الكتابة.. وأرادت تبييض أموالها بحرف الائتمان.. وعطر جارتها كدسته في ملابسها المتسخة..وبقي عهرها يفوح. جاءت هذه العتبة كإهداء.. يقرأها القارئ كنص مكتمل.. ويمكنه أن يراه ضمن نص القصة. العتبة الثانية لنص بعنوان” كلب المدينة” ونصها:ورواية تقول لازال طريدا. وقد جاءت هذه العتبة في جملة لا تتجاوز الخمس كلمات.. وعتبة نص ثالث بعنوان”حديث الصباح والمساء” ونص العتبة : إيقاع. عتبة من مفردة واحدة . وهكذا نجد تلك العتبات مختلفة من نص إلى آخر. تلتقي جميعها في أنها متصلة بالنص ومنفصلة كما ذكرنا سابقا.. كما أنها أكثر تكثيفا وإيجاز.. تحمل مضمونا عميقا.. يتلاشى الزمان والمكان.. كما تندر ذكر الشخصيات فيه. جل النصوص تبعث في القارئ نهم التساؤل .. كما أن بعضها يدعو القاري لأن يشارك الكاتب في استكمال تلك الفجوات الإبداعية ليكتمل التأويل باستبطان النص خاصة مع القارئ ذا الذائقة العالية. ما يتخيل نص موازي متخيل يخص كل قارئ حسب وعيه بالقص.. وكثيرا ما ينتهي النص بما يشبه السؤال .. دافعا بالقارئ إلى البحث عن إجابات ممكنة. ومن تلك النصوص”معلم متعامد غير متجانس” ونص” رذاذ سعالها القديم” وكما ذكرنا سابقا فان الإضمامة تنوعت نصوصها بين النص القصير والقصير جدا.. والشذرة . ومن فن الشذرة النصوص التالية “أي تشابه في الأسماء أو الأماكن غير مقصود” ونص “نشر في كل الجرائد والمجلات:لا أحب الشهرة” وغيرها. وقليلا من الكتاب خاصة في مجال السرد من يصنع بصمته شكلا أو مضمونا.. وكما يرى القارئ العزيز أن كاتبنا أستطاع أن يبرز ذلك التميز بأكثر من أسلوب.. فتلك العتبات التي يستهل بها نصوصه أحد تميزه .. وتوظيف اللغة وتحويل أدواتها إلى ما يشبه الشخصيات الفاعلة.. أو بالأصح انسنتها في نصوص عديدة تشير إلى تميزه واقتداره في هذا المنحى. إضافة إلى تلك المرأة التي تأثث شخصيات نصوص الإضمامة لتبدوا المدينة هي المرأة أو أن المرأة هي المدينة…. سمات أتمنى من النقاد الوقوف عليها عند تحليل نصوص موفقي. وإظهار ما تحمله تلك النصوص من إيحاءات.. خاصة وأن بعضها من العمق ما يحتاج إلى أكثر من قراءة لتحليل مضامينها الهادفة اجتماعيا وسياسيا.. وكذلك فن الترميز الذي أجادة الكاتبة بكل اقتدار.كما أن الجوانب الفنية لهذه الإضمامة متعددة.. وتحتاج إلى تركيز نقدي منهجي.