الرئيسية - كــتب - مشمش الرابع عشر.. رواية حاضرنا!
مشمش الرابع عشر.. رواية حاضرنا!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

( مشمش الرابع عشر)م2010 رواية صادرة عن مكتبة الآداب بالقاهرة..وبداية بعنوانها الذي يوحي بعدة معان ويمنح القارئ أكثر من معنى.. وهي من الصفات التي تطلق على حكام الشعوب من الأسر المالكة وكلمة مشمش تشير إلى فاكهة تشتهر بموسمها القصير إذ تزهر وتنتج أشجارها لتملأ الأسواق وكأنها لن تنتهي لتفاجئك بأن موسمها أنقضى في أقل من شهر على عكس العديد من الفواكه التي يستمر موسمها أشهر. فمشمش إذا نقيض الاستمرارية وهنا مفارقة بين معاني مفردات العنوان.. إلا إذا أولنا ما يعنيه الكاتب بالكثرة.. كما هي أشكال لوحة غلاف الرواية وقد تناسخ الشكل الواحد إلى أكثر من شكل ولم يكتفي بل أنها تناسخت إلى تلك الخلفية الباهتة للوحة. إذا يمكننا القول أن العنوان والغلاف يوحي لنا بسخرية شديدة لما ترسب في أعماقنا من معرفة لتلك الأسر التي كانت تتوارث استعباد الشعوب وتملكها.. وما يلفت هو ذلك الأسلوب حين ينطلق الكاتب من الحاضر ليغوص بالقارئ إلى زمن ماض. وكأنه وضع للرواية نقطة صفر يتسلسل السرد صاعدا نحو الأعلى.. لينخفض عابرا إلى نقطة الصفر نحو الماضي. وهكذا من بداية الرواية يسير بنا عرفات في خط تصاعدي ليهبط ثم يعود صاعدا وهكذا يتمثل لنا أسلوب الرسم البياني. أو ما يقارب المتاهة الافعوانية الممتعة. “أهلا يامشمش” تهوي بعزيز بك تلك الكلمتين نحو أعماق الماضي السحيق.. يفتش عمن يكون صاحب ذلك الصوت¿من يكون له المعرفة بماضي أيامه¿وكأن خطراٍ يداهمه يفتش في ملامح الرجل مضطرباٍ في نواحي المقهى. هنا يقف القارئ مشدودا لذلك العالم الذي فتح له الكاتب بابه.. يريد أن يتعرف إلى مشمش.. ولماذا مشمش بالذات.. إيقاع “أهلا يامشمش” دون أي مقدمات أو ألقاب. ترن في أذني كقارئ لتلك الكلمات وكأني أنا مشمش.. وقد وطن القارئ ذلك الرنين بحرفيه ودراية لشد رحال وعي القارئ للبحث عما بعد. مفتاح قلق عزيز بك وباب اشتهاء القارئ للمزيد من معرفة خبايا وأمور صنعت ذلك المشمش. ثم صفاء ذلك الكائن الغامض.. حين لم يكتفي الكاتب بمشمش. ليزيدنا تلهفا وماذا بعد¿ متلاعبا بتعدد أصوات الرواة من الراوي العليم إلى ..صوت عزيز بك وهو يحكي عن ماض كان فيه تابع لمتبوع في صراع لا ينتهي بين تماسيح الفساد .. ذلك الغول الذي يلتهم الشركات والوكالات.. بزرع ألأتباع.. وعناصر الولاء. والتكالب على المال العام.. ليمهد الطرق التي تجعل مقدرات وإمكانيات الدولة تتدفق إلى أرصدة خاصة دون ثغرات. وما يلفت أيضا تسلسل تلك التواريخ عكس مسار الزمن التصاعدي ما يجعل القارئ يبحث عن أجوبة.. محاولا الربط بينها وبين الأحداث المتتالية. مشمش الرابع عشر عمل يغوص في مفاصل عفن الأنظمة العربية.. والنظام ليس فقط مؤسسة الرئاسة.. بل ذلك النظام الذي يمر بالمصالح والمؤسسة الوطنية ليصل إلى الفراش وبواب العمارة.. أمر آخر تلك الشخصيات التي تتوالد بشكل متتاليات .. وشخصيات تموت سرديا.. ما جعلني كقارئ أعيش زخم مشاهد الرواية وإيقاع مجتمعها.. كمن يشاهد نهر الشارع المتدفق نهر الحياة المتجدد بشخصيات غير ثابتة.. وكما هي التجمعات البشرية دوما غير ثابتة.. وسنة الحياة التي تجسدها الرواية المتغيرة. أسماء وأسماء: إدريس.. نجاح.. بسطويسي.. عشماوي.. عبد الدائم.. صفوت..السمادوني.. مهدي الشافعي.. فتحبي بدوي نادرابو الفضل.. ماهر عسران ..سمير.. ايمن.. وأسماء كثيرة. شخصيات :سعد بك غول.. عزيز ماسح جوخ مرمطون.. صراع وزحف على مناصب إدارية..تكالب. ولآت.. تحفز.خيانات.. مال وجنس وعلاقات الشهوة المدمرة. الحوار في مشمش جعل القارئ يغوص في أغوار شخصيات العمل .. يتعرف إلى ثقافاتها أسلوب تفكيرها .. نوازعها.. قدرتها على التلون. استطاع الكاتب أن يقدم لنا في روايته غموض روح السرد الجميل.. غموض يدفع القارئ إلى تفكيكه بالمزيد من القراءة التأملية لأفراد مجتمعاتنا.. فتلك الشخصيات لا تخص مصر بل هي شخصيات إنسانية وجزء من نسيج كل مجتمع إنساني.. خاصة مجتمعاتنا العربية. وبذلك لم يكن الحوار تقليدي بل كاشف وفاضح للنفوس بسلبياتها وإيجابياتها. كقارئ شعرت بصدق ذلك السرد من بداية”أهلا مشمش” أو أن الكاتب ناسج محترف .. إلى تلك المعرفة وهو يقدم لنا تفاصيل دقيقة عن التراتب الإداري في الشركات والمؤسسات.. وأنواع مكائن العمل وخطوط الإنتاج.. بل أنه برز بقدرته على إغواء القارئ بفنياته المتجددة من أولى صفحات الرواية وحتى حديث عزيز بيك لنفسه لحظات قدوم الرئيس الجديد لمجلس إدارة الشركة ومن حوله من حاشيته الجديدة “نظر عزيز إلى الرجلين قال لنفسه: إن كلا منهما كان مشمش لسعد آخر يوجد في القاهرة” ثم رفع صوته يسألهما بعد أن أختلط عليه الأمر ويريد معرفة أي منهما المدير الجديد “من منكما مشمش الخامس عشر¿”.