الرئيسية - محليات - حصاد الضباب في مناخة
حصاد الضباب في مناخة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

نبيل نعمان –

من نافل القول ان اليمن من أفقر دول العالم مائياٍ وان قضية المياه ستكون إحدى ابرز المعضلات التي ستواجه الجميع في المستقبل القريب وهناك العديد من التحذيرات من هكذا وضع تقترب منه البلاد ويهدد بالكثير من المشاكل البيئية والاجتماعية والاقتصادية ما لم يتم تدارك الأمور اليوم وفي أسرع وقت . كل قطرة ماء في اليمن تعني حياة .. قول ليس فيه أي مبالغة وعلى الجميع استشعار هذه المسؤولية الكبرى والعمل الآن وبكل الامكانيات المتاحة لضمان المستقبل المائي لهذا البلد كونه العمود الفقري لأي نهضة ولا بد من تكاتف الجهود وتقديم الحلول المبتكرة مهما كانت صغيرة لتوفير قطرات الماء سواء بحصاد مياه الامطار أو بترشيد استخدام المياه الجوفية ومنع حفر الآبار أو حتى بمشاريع وبرامج مبتكرة مثل حصاد الضباب كما هو جار في منطقة مناخه بمحافظة صنعاء والذي تنفذه المؤسسة الوطنية لإدارة مساقط المياه والخدمات بالتعاون مع برنامج حوكوة المياه للمنطقة العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي . ما هو حصاد مياه الضباب ¿ هو إحدى الوسائل البديلة لتوفير المياه للاستخدامات البشرية وتستند هذه التقنية المبتكرة على حقيقة أنه يمكن أن تجمع المياه من الضباب عندما تتوفر الظروف الملائمة لحدوث تكثيف. و يحمل الضباب في جعبته أكثر مما قد يعتقد المرء فعلى سبيل المثال يحتوي الضباب على مئات اللترات من المياه ومعظمها مياه عالية النقاء ويمكن استخدامها في الشرب. و يمكن تجميع هذه المياه باستخدام شباك مصنوعة خصيصا لهذا الغرض وهي عبارة عن شبكات بسيطة مستطيلة الشكل مصنوعة من مادة النايلون, مدعومة بأعمدة من الطرفين موجهة عموديا على اتجاه الرياح السائدة, قد تصمم هذه الشبكة إما كوحدة واحدة – بسيطة التصميم والتركيب- أو بطريقة أكثر تعقيداٍ حيث تصمم كسلسلة من الشبكات مرتبطة مع بعضها البعض ويتغير عدد ومساحة الوحدات المستخدمة في تصميم الشبكة بحسب الطبيعة الطبوغرافية للمنطقة وبحسب جودة المواد المستخدمة في صناعة الشبكة. والضباب هو سحاب يغشى الأرض كالدخان وهو عبارة عن بخار ماء يشبه الندى وقطرات المياه في الضباب صغيرة جدا إذ يصل قطر الواحدة منها إلى أقل من واحد على الألف متر مكعب ومعدل السقوط لا يتعدى الخمسة سنتيمترات في الثانية. ويعتبر الضباب أحد مصادر الحصول على المياه ..فهو كتلة من بخار الماء المتبخر إلى قطرات ماء صغيرة فوق سطح الأرض على ارتفاعات متفاوتة. وهذه القطرات تتكثف على الأجسام عند ملامستها لها. ويمكن استغلال هذه الخاصية لتوفير مصدر بديل للمياه في المناطق التي يكثر بها الضباب وتبرز أهمية تقنية حصاد الضباب في المناطق الساحلية والجافة مثل بلادنا حيث يتكون هناك الضباب بكثرة ويمكن القول أن جمع الضباب يعمل بكفاءة عالية في المناطق الساحلية ومن الممكن أيضا أن يعمل في المناطق الجبلية في حال توافر أنواع معينة من السحب على ارتفاعات محددة أيضا وخير مثال على ذلك منطقة الدراسة في جبل العوي بمديرية مناخة. وهنا يمكننا الإشارة إلى محاكاة بين هذا الابتكار القديم والإرث التاريخي وما يقوم به المزارعون منذ أمد طويل في بعض مناطق مناخه من استخدام نظم الري التقليدية المسمى بالحفر الدائري لزراعة البن المبنية من الحجارة بأشكال هندسية بديعة والتي تعمل كحاصد ضباب ومخزن للمياه يعمل بكفاءة عالية وهناك العديد من النماذج الشاخصة حتى اليوم في سفوح جبل العوي والمغاربة وبني خطاب وغيرها كتقانة لحصاد الضباب ابتكرها الأجداد لتكون شاهدا حيا على مهارة المزارع اليمني في تغلبه على إشكاليات ندرة المياه. اشراك المجتمع المحلي : يعد المجتمع المحلي صاحب المصلحة الأساسية في تنفيذ هذه المشروعات لذلك كانت هناك شراكة حقيقية بين المؤسسة الوطنية لإدارة مساقط المياه وجمعية النماء التنموية لمنتجي البن وجمعية الداعي الفاطمي من خلال عقد وثيقة شراكة وتعاون لتنفيذ المشروع وقد كان لتلك الجمعيات حضور ومشاركة فاعلة في كافة مراحل التخطيط والتنفيذ والإدارة والأهم من ذلك اكتساب المجتمعات المحلية الخبرة اللازمة عن النظام الذي يعتمدون عليه لتلبية حاجاتهم من المياه مما عزز تنامي الشعور بالمسؤولية الجماعية لدى المجتمع بأن هذا المشروع لهم وأن نجاحه يعتمد على تعاونهم وتفاعلهم . وتشير المؤسسة إلى انه قبل البدء في تنفيذ المشروع عملت على دراسة المناطق التي يمكن ان تقام عليها حصاد الضباب من خلال فريق خبراء مختصين في التحقق من إمكانية استخراج المياه من الضباب والعوامل التي قد تؤثر بشكل فعال وأساسي في حجم المياه المستخرجة من الضباب واستمرارية العمل ونجاحه في تزويد المستخدمين بالماء والاستفادة منها والتحقق من انتشار وتكرار حدوث الضباب وتعتمد بشكل أساسي على دراسة مستوى موقع المنطقة واتجاه سير الضباب ومحتوى مياه الضباب وتصميم نظام لجمع مياه الضباب.

فكرة حصاد الضباب في مناخه : اعتمدت فكرة حصاد الضباب في مديرية مناخة كمحاكاة لنظام الحفر الصخرية التي تتمتع بها المنطقة ومنذ الأزمنة الماضية والتي لا يعرف تاريخ انشائها ولكن بحسب المشاهدات واستطلاع آراء المزارعين فإن هذا النظام قديم جدا ولا يعرف تاريخ الشروع به وهو نظام يستخدم لزراعة البن فقط وخاصة في المرتفعات والسفوح والمدرجات الزراعية التي تواجه الضباب وتحظى بنصيب وافر منه في اغلب ايام السنة.

شحة المياه وتلوثها: تعد منطقة المغاربة العليا في مناخه من أكثر المناطق شحه في المياه خاصة مياه الشرب إذ يعتمد الأهالي على مياه البرك المغلقة والبرك المفتوحة والقليل جدا من الغيول التي تجف مع مطلع الشتاء لذلك كانت لمشروع حصاد الضباب أهمية كبيرة لتوفير مياه الشرب لتلك القرى المرتفعة والحصول على مياه نقية خاصة في فصل الشتاء الذي تتعاظم فيه كميات الضباب مما شجع المؤسسة للقيام بدراسة جدوى المشروع وتنفيذ المرحلة التجريبية.

دروس وقصص نجاح: وما أن بدأ تشييد وحدات الضباب من قبل الفريق الاستشاري حتى بدأ الناس بين من يسخر من الفكرة ومن يشكك في نجاحها وذهب البعض للاجتماع في مقيل ساخر ينتظرون بزوغ الفجر والصباح ليتمتع بنكتة مضحكة من فكرة مجنونة ولكن كانت المفاجئة مذهلة فما إن بدأ نصب الوحدة في ساعات الصباح الاولى واخذت موقعها بدأت تنهمر قطرات المياه من الشبك وتتصبب بشكل خيوط تتجمع نحو خزان التجميع وبدا الحاضرون في فرحة وذهول من الخير القادم الضباب الذي كان المزارعون يترقبونه بنوع من الخوف على محاصيلهم إلى فأل خير لمياه شرب يمكن الحصول عليها لتلبي احتياجاتهم. وعلى لسان احد الفلاحين يطلب من الفريق الهندسي تبني طريقة تطرد عنهم الضباب كإنشاء مراوح عملاقة تعيد الضباب إلى السماء لتفادي نوبات البرد والصقيع الذي يسمى باللهجة المحلية (العماء) ولكن بعد نجاح التجربة كانت قد تغيرت تلك الفكرة عن الضباب. ونتيجة لوجود كميات كبيرة ومشجعة من الضباب ولفترة طويلة والحاجة الماسة للمياه تم اقتراح نموذج عملي كبير لجمع المياه نموذج عملي وإرشادي بنفس الوقت للمواطنين في خمس مناطق مختلفة وإخضاعها للمقارنة لمدة عام كامل ويتم خلال هذه الفترة التسجيل اليومي لكمية المياه من خلال استمارات جمع المياه اليومي وتحليل النتائج وعمل المقارنة في المناطق المختلفة ونشر الفكرة في المنطقة كون المنطقة بأشد الحاجة إلى المياه . وقام فريق استشاري بتنفيذ الوحدات على الارض في المناطق المحددة وبالتعاون مع المواطنين في المنطقة تم تنفيذ 5 وحدات اربع وحدات في منطقة جبل العوي ووحدة في قرية الصعود شرق حراز. واستغرقت عملية التنفيذ قرابة أسبوع كامل شمل ذلك التركيب و التدريب و التوعية لمجموعة من المواطنين على كيفية التركيب واختيار5 منهم للقيام بعملية التسجيل اليومي لكمية المياه المجمعة وتم تصميم نموذج جمع البيانات والمتابعة والرصد والصيانة الدورية وآلية تخزين المياه المحصودة. النتائج المحققة : النتائج الأولية التي تم الحصول عليها أثناء وبعد التركيب في منطقة جبل العوي تشير إلى وجود غيوم محملة بكميات كبيرة من المياه نتيجة لقرب المنطقة من السهل التهامي خاصة السفوح الغربية حيث تعتبر السفوح الغربية لمديرية مناخة من أكثر المناطق تواجدا للضباب (الغيوم). وقد دلت النتائج و القراءات على أن الكميات المجمعة تتفاوت من يوم لآخر بحسب كمية الضباب وقد كانت اصغر قراءة تم تسجيلها اقل من لتر واحد وأعلى قراءة سجلت تجاوزت الـ 40 لتراٍ لفترة ضباب استمرت بشكل متلاحق خلال 24 ساعة . ويتواجد الضباب بالمنطقة في اغلب الأوقات من بعد الساعة الثالثة عصراٍ وقد يستمر حتى ساعات الصباح مع العلم أن موسم الضباب الحقيقي خلال فترة الشتاء وهو الموسم الذي تشح فيه المياه وتختفي في العيون وتسود المنطقة فترة جفاف عصيبة. وتضع المؤسسة عدد من المقترحات منها تطوير التجربة وتعميمها على المناطق المجاورة و المناطق الاخرى التي ينتشر فيها الضباب كجبل سمارة بمحافظة إب ومرتفعات حجة ومرتفعات ريمة ومرتفعات المحويت ومرتفعات حوف بمحافظة المهرة وسقطرى ومرتفعات جبال التربة بالحجرية محافظة تعز ومرتفعات ارف بمحافظة لحج ومتابعة النتائج وتحليلها بالطرق العلمية بشكل مستمر والصيانة الدورية للوحدات من قبل الجمعيات المعنية والأهالي ومواصلة تنفيد عملية إرشادية في المنطقة ( برامج إرشادية ) حول عملية جمع المياه من الضباب وكيفية الحصول على المياه بأقل التكاليف وبالوسائل المحلية المتوفرة . كما تقترح مساعدة الأشخاص المتبنين للفكرة بالمعلومات المتوفرة وإخضاع التجربة لمدة عام كامل وتحليل النتائج ونشرها بشكل نهائي والبحث عن تمويلات لتنفيذ مشروع إنتاجي في المنطقة بشكل أوسع بالشراكة مع المجتمعات المحلية. فهل ستكون هذه التجربة والنموذج الرائد لتجميع قطرات الماء حتى وإن كانت من الضباب إحدى الوسائل لمواجهة شحة المياه في اليمن .. ربما وربما أيضاٍ تكون هناك ابتكارات أخرى .. وكما يقال المعاناة تولد الإبداع .. وقد أبدع آباؤنا وأجدادنا ذلك من قبل .. والشواهد كثيرة بطول اليمن وعرضها.