الرئيسية - كــتب - رواية يوم الحشيش
رواية يوم الحشيش
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تظل رواية ” يوم الحشيش” للكاتب محمد الخوبري واحدة من أبرز الروايات اليمنية التي مازال صداها يتردد رغم كم الإصدارات الروائية التي شهدتها البلد منذ العام 2009م ففي روايته يوم الحشيش والتي صدرت عن دار عبادي يتناول المؤلف وبكثير من الألم والحزن المغلف بالسخرية ما يحدث للمجتمع اليمني كجزء من المجتمع العربي – من تعرضه لحالة شديدة من التخديرة التي أفقدته القدرة على التمييز وابقته أسير المؤثر الذي رمز له بالحشيش بل وغيبته وغيبت كل المجتمع عن حاجاته الأساسية! برلْو بطل القصة هنا شخص من قلب المجتمع بسيط واسمه برلْو ضابط ..”كان قد تنقل إلى وحدات عسكرية كثيرة…من لواء الثورة إلى لواء العروبة ومنه إلى اللواء العاشر ثم سلاح المشاة ….حتى انتهى به الأمر سائقا في وزارة الداخلية صـ9″ ثمة ملاحظة تبرز خلط المؤلف بين وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.. “ليس لديه ما يخاف عليه فهو غير متزوج ولديه من الحكايات ما هو أفظع ويتملك قناعة راسخة أكدتها لتجربة إن شرف المرأة في داخلها وليس في عطاء الوجه أو الشرشف ص86” مع ذلك ليس برلْو شخصا عديم الرحمة كما سيتضح لاحقا في الرواية إذ نكتشف أن هذا الشخص ربطته علاقة حب بإنسانة تدعى (كريمة) أبان حصار السبعين يوما في صنعاء “زرعت في قلبه الأمل والحنان الذي ضاع والفردوس الذي فقده في طفولته ص 87….” لكن تقع الكارثة..وتختفي كريمة وأسرتها من حياته ..لقد انتقلت إلى دار أخرى ..ويبدأ برلو رحلة بحث طويلة عنها ..رحلة بحث مغلفة بالمؤثر الخارجي المرمز له في الرواية بالحشيش! شيخ السائقين يخرج برلْو مع قائده في سيارات محروسة بعناية لإتلاف حشيش مصادر وإحراقه..يعبر عن سخطه من سوء أوضاعه فيتكلم بصوت عال ” كل هذا الزيطة والحركة والحراسة من أجل حشيش للدواب لو باعوه داخل صنعاء للرعية كان أفضل. : اترك المشطانة هذا حشيش مخدر وقيمته باشيء الفلاني : قلنا هكذا قلت مشطانة : قل لي ما تشتي بالضبط : اشتي التبق لو ما اوقع واو ص15″ يرفض القائد ..ويصلون مكان الإحراق اي الإتلاف..يغضب برلْو من هذا الحشيش الذي يحترق ويذهب سدى فيقرر سرقة القليل منه “هيأ نفسه بمهارة والتقط باكتا بسرعة ودسه خلف حزامه وغطاه بقميصه دون أن يلحظه أحد وترك أزرار حاكيته مفتوحة ..في تلك اللحظة انسحب متأففا من رائحة الحشيش نزل من فوق السيارة وطلب من احد زملائه أن يحل محله ص18” بعد الإحراق هنا تصل الرواية إلى ذروة جمالياتها فعندما انتشرت رائحة الحشيش المحترق في سماء صنعاء..”تغيرت تضاريس المكان انتعش خيالهم واتضحت الأشياء ¿…تحولت الحصورة إلى حجر والحجر إلى جبل..والسماء هبطت وأخذت تسير بين الجبال والجبال والعمارات الكبيرة كانت تتمايل فوق بيوت المدينة ص26″ يصاب الناس بحالة التخدير التام وبمعنى آخر يدخل المجتمع في حالة من شديد من اللا وعي المنتشي ..يتداخل الواقعي بغير الواقعي يتصارع شابان على فتاة كانت تسير..يتدخل ثالث ” الأمر بسيط وحل المشكلة عندي : كيف : من وصل إليها قبل الثاني هي من نصيبه ص 28! رجل يدعي انه أم رجل آخر ..أحدهم يصرخ يا غارتاه أنقذوني يشتي يستولي على الخاتم واسمي مكتوب عليه..احدهم يوقف امرأة مارة ..يسأله رخصة..يتعرض للاستهجان أي رخصة..يرد رخصة نفاس..أحدهم يقف أمام نصب ويدعي بأنه الجندي المجهول.. احدهم ينكر على المرآة أن له وجها “أنا منكر أن هذا وجهي : أين نمت يا حاج” : الظاهر اني تبادلت مع صاحبي هو قام من النوم قبلي تقول شله وترك لي هذا الوجه (الصباحة) ص74″ أحدهم وهو شاب من حملة الإعلام يْسال عن سبب دفع صخرة كبيرة تشبه صخرة سيزيف..ماذا تفعلون فيرد الا تعرف يا صاحب المشكلة ان الحجر السوداء ثقيلة وقد سدت الطريق ص76″ في دلالة إلى أن العقل الجمعي للمجتمع كله غاب تماما وسط نشوة المخدر – قد يكون القات رمزا لهذا المخدر أيضا- تبذل جهودا كبيرة ولكن في الفراغ.. الناس أصبحوا سعداء ومنتشون من اثر التخديرة وغائبون عن الحياة الواقعية الحقيقية! “شاهدوا وسط الشارع موكبا حاشدا يغنون ويمرحون ..اتجه يحي نحو الموكب القادم نحوهم ز.اصوات الطبول والزغاريد ترتفع ببهجة ومرح…كانت الفرحة موسومة على وجوه النساء وهن يضربن بالدفوف والرجال يرددون تواشيح الزفاف الصنعاني ص40” لغة ممكنة يرصد الخوبري بلدا ينهار بلغة تحمل الكثير من السخرية المغمسة بطعم الألم..ولكنه لا يفتأ أن يسخر كعادته محذرا القارئ بان لا يأخذ أمر ما يحدث لأبطال الرواية على محمل الجد. “هذا يوم المرح والتأمل والضحك والتنفس بحرية وإطلاق الخيال من اسر القلق اليومي والشكوى والهموم ..يوم ليس فيه حساب أو عقاب هو يوم للحرية يتساوى فيه الناس الضحك والمرح وهو ايضا دعوة للقارئ ليشارك بخياله وفكره وبالأسلوب الذي يراه مناسبا لإثراء هذا النص صـ9 إقصاء يعبر المؤلف محمد الخوبري من خلال شخصيات روايته عن ضيقه من اللاجئين الصوماليين في اليمن وخاصة في صنعاء : ايوا والحلا بطري نكع فوق مخلوس : ايش تقول انا مس مخلوس سوف ثياب فيه.صـ92 ويزيد سخرية من هؤلاء اللاجئين بالتعليق مثلا ” ضرب صومالي ما يفلتلك إلا بعد ثلاثة أيام والتهمة حالية ص94″ متجاهلاٍ ربما عن غير قصد ان الصومال كانت تأوي في عاصمتها ومدنها خلال أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم وهي الفترة التي شهدت فيه البلاد قحطا شديدا ما يزيد عن المائة الألف يمني.. لقد كانت الصومال وحتى منتصف الثمانيات حاضنة لليمنيين عملوا فيه وتزوجوا وأنجبوا ولم يسخر منهم احد لكن القصة في اليمن مختلفة! قلب حاني لبرلْو بطل الرواية والذي يبدأ حالة التحشيش ومنا تنتشر رائحة الحشيش وتعم سماء البلد له قلب حاني رغم كل الجفاف المائل أمامه ومن حوله…فهو يعيش على ذكرى كريمة يعمل سائقا لدى احدهم ..يوصل زوجة من يعمل عنده سائقا ..يقضي لها حاجياتها.. مشاويرها..يكتشف أنها ستذهب لدى عمر إخوة كريمة ..يتنبه ..لا سم كريمة يظن أنها كريمة حبيبيته التي اختفت ..ويبحث عنها ..رحلة بحث طويلة مغمسة بطعم الحشيش وكوابيسه! ختاميات تجربة رائعة خاضها الخوبري في رواية يوم الحشيش وهي بحق تمثل إضافة للسرد اليمني رغم بعض الملاحظات الطفيفة التي يدركها المؤلف ببساطة ويتسامح عنها القارئ !