الرئيسية - كــتب - يحكى أن…سيكون..!
يحكى أن…سيكون..!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

بشيء من التأمل وبكثير من المراجعة المتأنية تخطو القاصة أسماء المصري في عوالم الإصدار السردي بثبات وكدلالة على ما أشرت صدرت لها قبل أيام مجموعة قصصية بعنوان(يْحكي أن سيكون)..محتوية على عدد كبير من القصص القصيرة التي يجدر بنا التوقف عند بعضها توقف الفاحص المحلل لا توقف القارئ العابر.! بقايا ..ندوة أول ما يلفت اهتمام قارئى المجموعة..قصة “بقايا ..ندوة” والتي تحتاج لأكثر من قراءة مستقلة كونها تفتح دهاليز تؤد إلى قضايا متعددة..أهمها قضية استبعاد القائمين على الشأن الثقافي بشقيه الرسمي والأهلي للفئات المهمشة والممنوعة من الشرب ولو من بقايا نبع المعرفة! لقد أدانت أسماء المصري وبكثير من الحزن تلك العقليات المستبدة التي تتخذ من الثقافة جلبابا لتحقق أهدافا شخصية لها..طالبت بالثورة على قيامهم باستبعاد الطامح للمعرفة بدعوة ان من يعمل في مهن دنيا حسب وجهة نظر المسئول “مكنس” لا يحق شيء! (ماذا ¿!..أنت!! ..هل جننت ¿¿ ..هذه ندوة على درجة عالية من الأهمية لقد دعا لانعقادها مسئولون على أعلى المستويات و ستحضرها شخصيات بارزة ووجهاء ومثقفون و…) ويبدو واضحا أن هذا المتغطرس الذي يدعي الثقافة ويعمل على نشرها يتفضل في الأخير على الطامح للمعرفة بالتزود بالثقافة تفضلاٍ وليس ضرورة ! (التفت نحوي وقد شممت رائحة المكر من كلماته : حسناٍ ..بإمكانك البقاء قرب الباب كي تستمع و.و تنفذ ما سآمرك به أثناء الندوة أيضاٍ.) بقايا معرفة! وفي تأكيد على أن تلك العقليات انما تستخدم الثقافة كسلم لتحقيق مآرب شخصية كشفت أسماء المصري المكمن ففي الندوة نجد الحاضرين منشغلين بقضايا جانبية هامشية تتجلى في تبادلهم قصاصات ورقية..عند مغادرة الحضور يعتري بطل القصة ” المكنس ” الفضول ويقرر جمع القصاصات التي رماها الحضور جانبا وكانت المفاجئة صاعقة ومحزنة في ان معا! (تنقِلت سريعاٍ بين المقاعد ألتقط ما تبقى من وريقات ..ثم قرأتها جميعاٍ : (لماذا أغلقت هاتفك ¿! لا تصغ إلى هذا المنسق الغبي ودعنا نواصل حديثنا !) ..(سألقاك بعد الندوة في مقهى المدينة..) ..(لكم أشعر بالضجر !) ..(لقد اقترب موعد الخياط علينا أن ننهض الآن!) ..(الصبر يا صديقي ..أنا لم أحضر إلى هنا من أجل الندوة لقد حضرت للقاء المسؤول لمصلحة أقضيها معه) يمكننا ان نفهم الكثير من واقعنا الثقافي من خلال أبعاد هذه القصة وما تخفيه من هموم ثانوية للمعنيين لا تمت بصلة لهموم الواقع ومتطلباته التي ينشدها المجتمع في فئةُ اقل ما يقال عن اغلبها انهم فئة انتهازية ومصلحية لا هم لها سوى الجري وراء الفْتات ..وهذا ما نكتشفه بسهولة من ثنايا القصة. ان عنونتها للقصة بـ”بقايا ندوة” لخير دال على ما يعتري كثير من كواليس الفعاليات الثقافية من زيف وخداع وإدانة تفضح وبعلانية بان تلك الندوة لم تكن في الحقيقة سوى بقايا ندوة..قصاصات تكشف عن ضحالة فكر القائمين عليها ! إرهاب قصة كلنا أبطال..تتبع حاذق آخر لما تشهده اليمن من عمليات إرهابية ولكن بأسلوب سردي ابتدأ بالغموض وتتدرج رويدا رويدا إلى نهاية مفجعة! يكشف لسان بطل القصة في المطلع عن سبب ذهابه إلى عوالم الإرهاب الجهنمية (اليوم معركة أخرى…هنا لا مكان للضعفاء ..و أنا لست بضعيف ..نفد الصبر فلا جدوى من التنديد والاستنكار ..مرارة الانكسارات السابقة تكدر عيشي تفرقني عن مضجعي تنغص عليِ حلو اللحظات.) ويوجد – مع خلطه بين كلمة إيجاد وخلق- الف سبب وألف مبرر للانتماء الى ذلك العالم الدموي (أدري ..لقد تمت برمجتنا ” مشاورات ..مفاوضات ..معاهدات ..اتفاقيات…” بينما لا ترى أعيننا سوى التجاوزات الاختراقات الانتهاكات..وكل ما هو آتُ..آت.) قد تكون المبررات صحيحة من وجهه نظر الإرهابي لكنها من وجهه نظر عقلانية ليست سببا لان تؤد إلى التطرف ومنه إلى الدموية. (إصبعي منذ سنوات على هذا الزناد ..سأبذل كل ما في يدي ..سأستنفذ كل ذخيرتي ..سيبقى سلاحي متجهاٍ إلى الأمام ..وهامتي مرفوعةٍ إلى الأعلى ..أنا مستعد الآن فلتبدأ المعركة.) وبدأت معركة تدمير الإرهابي للمجتمع واستولى الفكر الدموي على عقله ووقع فعليا عقده مع الشيطان.. (اندفعت نحو الحصن ..أْسقط كل من تسول له نفسه اعتراض طريقي ميتاٍ ..وعند مدخل الحصن حظيت باستقبال حار من أحد الجنود لكن طلقة واحدة أشاحت عني وجهه الكريه) تذكار مؤلم يذكرنا ذلك السطر بأحداث العرضي والتي راح ضحيتها العشرات من المواطنين والجنود… (واصلت التوغل إلى الداخل ..رصاصاتي تمهد لي الطريق على جثثُ ودماء والممتع في الأمر ألا مكان هنا للمحادثات ..أو المفاوضات ..أو قوانين الشرعية الدولية ..أو مفاهيم حقوق الإنسان ..ولا دعوى لضبط النفس أو نداءُ للتحلي بالصبر والعقلانية فلا صوت هنا يعلو فوق صوت الرصاص ..والسياسة المهيمنة على الموقف (يا غالب..يا مغلوب !).) وقام الإرهابي بتدمير الحصن –رمز للوطن- تدميرا (وانتهت المعركة !) لكن النهاية لم تجعل البطل ينسى ان يقدم اعتذاره (..وأعدت جهاز التحكم إلى ولدي الذي ظلِ ينتظر ـ بتذمْر ـ انتهائي من العبث بلعبته الفضائية !) أسئلة هل بدونا أمام لعبة من العاب الفضاء أم أمام حقيقة من الحقائق المعاشة في اليمن…¿ قد تكون الإجابة التلقائية نحن أمام حقيقة وقد تكون الإجابة غير التلقائية نحن نعيش في الحالتين. تذكارات تذكرني تلك القصة بحكاية أخرى للقاص عبد الرحمن غيلان..شخص متطرف سِأل شابا: ألا تحلم بمضاجعة الحوريات حين تداهمك بكارتهن كل نهده¿ رد الشاب المتوثب صحة وفتوة بخجل شديد : «ومن أين لي بهذا وأنا الفقير الملتزم بديني وتعاليمه»¿ قال الشيخ الجبان : إذن اتبعني .من هنا ..ومن هذين الأمرين الخطيرين ..الفقر والجنس بدأت رحلة التوهان والإنفعال والتعبئة الخاطئة ..ثم الانكسار والندم للبعض ..والخسران الأليم موتاٍ وأشلاءٍ لغالبية الشباب المغرر بهم . دوماٍ يعتقد مدعو الوصاية على ديننا الحنيف أن الرغبة هي مفتاح الوصول لكل شيء حتى الموت..و يسعون لتنفيذ ذلك بأبشع صوره ..حين يختصرون الجنة ومتعة خلودها في أشلاء لا تضيف للإسلام شيئاٍ بل ترهقه تعقيداٍ وتشويهاٍ ونكالاٍ بأجمل ما فيه . أنا إرهابي اذاٍ فمن هم الإرهابيون الحقيقيين..إنهم من يربون أبنائهم على ثقافة العنف…أنهم ببساطة شديدة نحن! ممنوع الهدوء لو كان عنوان القصة الثالثة في المجموعة (ما زلت صغيرا) هو ممنوع الهدوء لكانت أقرب إلى مضمون القصة الساخر والمتشكك من واقعنا الضحل! عماد ابن الخامسة الذي يحل محل ابيه في البيت عند سفره -وهو منصب أكبر من قدراته العمرية والعقلية- يقوم بتوجيه من أمه الغاضبة بمهمة صعبة تتمثل في شراء احتياجات للبيت من بقالة تقع على الشارع العمومي.. ” ترى ..هل ستدرك أمي أني ما زلتْ صغيراٍ “..هذه الجملة التي ختمت بها القاصة أسماء المصري قصتها (مازلت صغيرا) ليس سوى المفتتح لمشكلات ستقع لعماد بدأت مع خروجه لشارع يجهل دروبه وأزقة تحمل مخاطر جمة! (مضى ” عماد ” ببطء متجاوزاٍ الحي ونسبة القلق ترتفع لديه مع كل خطوة إنه يجهل الشارع العمومي خاصةٍ في ظل الحصار الذي تفرضه أمه عليه بعدم تجاوز حدود الحارة أثناء اللعب إنه يقترب من الزحام الذي لم يره بعد الضوضاء !) براءة تصطدم وقبل أن يصل عماد إلى البقالة يصطدم بالناس ..الزحام..ويضيع ماله ويعود خائبا..يقف بالقرب من بيته حائرا..(وقف عماد متبلداٍ ينظر إلى الرجل الذي ( ذهب مع النقود) ثم إلى يده الفارغة وهو يتذكر جيداٍ تهديدات أمه و إنذاراتها له) من الختام بدأنا يْحكى أن…سيكون..! مجموعة قصصية ذكية ز.تحمل بين طياتها رسائل سياسية واجتماعية واقتصادية في بعضها ..كم نحن وفي أيامنا هذه في اشد الحاجة إليها!