الرئيسية - كــتب - طلال قاسم : كل شخصية من شخصيات “الواحد ” حملت بعض سماتي
طلال قاسم : كل شخصية من شخصيات “الواحد ” حملت بعض سماتي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من أجواء الرواية : “شيء ما يشعرني بالخواء من الداخل وكأني أكثر فراغاٍ حتى من بالونة, أحياناٍ أشعر أني موجود لأتم نقصاٍ ما أو لأسحب خيطاٍ خفياٍ حتى يستحيل العالم إلى عدم أو يصبح له وجهاٍ آخراٍ مختلفاٍ , وكأنما أسدل الستار عليه وينتهي العرض . كل ذلك الذي أشعر به وكأنه آت من حلم بعيد, من حلم ليس لي . *** ” ما هي أخبار العالم الهستيري الذي تصارعه كل يوم ¿ ” وجه مارت كلامه للدكتور كارتر . ” هو شخص يدعى جاك , من عائلة بريطانية , تفاجأت عائلته في صباح يوم الاثنين بأنه تحول إلى شخص آخر تماماٍ , ويدعي أنه شخص عربي من اليمن , ويطلق على نفسه اسم إبراهيم , ويدعي أشياء كثيرة لا تنتمي بشيء إلى عائلته البريطانية أو حتى إلى بريطانيا , وقد عاينته اليوم في الصباح وكان يبدو غريباٍ فعلاٍ من الجلسة الأولى ” .” طلال قاسم ” روائي عميق النظرة خصب الخيال يسكنه قلق معرفي شاسع يشكل إبداعيا كل ما يستحضره وما يتمناه أن يكون حاول الإجابة عن أسئلة كونية فكانت رائعته ” الواحد ” الرواية التي تِتنامي أحداثها وتتصارع شخصياتها بتخييل مواز يفضي بالقارئ إلى تخييلات القلق المعرفي والوجودي المْتخيِل بقصد الوصْول إلى ذْرى المعرفة عبر وسائط التشويق والإثارة وإثارة المسكوت عنه .. التقى المؤلف الناقد عبدالرقيب الوصابي فكانت هذه الإشراقات ..

• عامان من الجهد والمثابرة كان حصيلتهما رائعتك ” الواحد” ما الذي كنت تصنعه قبل اجتياح عوالم الدهشة والقلق المعرفي الذي فاجئتنا بها صفحات روايتك الأولى¿ – قبل ذلك كان هنالك عالم من الفضول والكتابة كنت أعيشه وأمارسه في حياتي منذ اللحظات الأولى التي وعيت فيها على نفسي ككاتب وإنسان يجره الفضول والبحث نحو كل ما يحمل إثارة البحث عن الإجابة بكل أشكالها الأدبية والعلمية كانت لي كتاباتي في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية وابحوثاتي المتواضعة حول أمور مختلفة متعلقة بالنفس والفلسفة الإنسانية بشكل خاص. • تمثل روايتك موقفاٍ فكرياٍ ومعرفياٍ مغايراٍ هل كان البناء الروائي هو الوعاء الأنسب لتسريب مواقفك ورؤاك المختلفة أم لأسباب أخرى¿ – الرواية في واقع الأمر هي خلق لكل ما يستحضرنا أو يمثلنا أو نتمناه أن يكون في الرواية حاولت إسقاط اهتماماتي وأفكاري سوى تلك المستقاة من علوم النفس أو تلك التساؤلات الفلسفية الموجودة في حياتنا الرواية اليوم أصبحت هي الوعاء الأدبي والفكري الأفضل لتقديم الأفكار والمعلومات أو لطرح وتوسيع أفق التساؤلات والخبرات الإنسانية بشكل تشويقي وخلاق يدفع القارئ لتلقي كل ذلك وفق سياق قصصي وروائي ومتداخل مع انسجام واستيعاب واقعي وهو في حالة الحضور والتخيل والاندماج مع الأحداث بكل ما يصاحبها من أفكار ورؤى ومواقف كان هذه هو هدفي الأول من توجهي لكتابة الرواية لكني سرعان ما ادركت ان الرواية عالم آسر وواسع مليء بالخلق والحضور جرني إلى اعتناقه فالرواية جعلتني انظر إلى الحياة بنظرة مختلفة جداٍ نظرة تتجاوز الأبعاد النسبية التي كنت اؤمن بوجودها ومحدوديتها. • تراكمك الثقافي والمعرفي ناهيك عن قلق الإبداع الذي يسكنك يؤهلك لأن تكون في قلب المشهد الثقافي فلماذا تؤثر البقاء في الظل¿! – بنظري لا أحد يريد البقاء في الظل, وخاصة حين يكون لديه فكرة ما يريد أن يشاركها الأخرين فيها وقدبقيت في الظل لوقت ما لأني كنت منشغلاٍ بالبحث عن أجوبة مناسبة لأسئلة حيرتني ومنعتني من الحضور بشكل أو بآخر, وها أنا أحاول اليوم الحضور بروايتي الأولى ” الواحد” وبأعمالي القادمة التي من خلالها أتمنى أن يكون لي ذلك التواجد الذي يصلني بالقارئ أولاٍ وقبل كل شيء. • وضعت مساراٍ واضحاٍ لكل شخصية من شخصيات روايتك حتى غدا حضور كل شخصية في سياقها الطبيعي كيف تمكنت من خلق كل هذه الشخصيات وبأبعادها المختلفة¿ – إن كنت قد نجحت فعلاٍ كما قلت فربما ما ساعدني في ذلك هو أني أثناء كتابة الرواية حاولت أن أكون قارئاٍ قبل أن أكون كاتباٍ أي اني كتبتها بروح القارئ الذي بداخلي, ذلك الذي يرفض أن تتزعزع الشخصيات مع سياقاتها ذلك القارئ الذي يريد أن يقرأ رواية تحمل في طياتها بعض الواقعية البنائية. • تظهر أحداث الرواية ومشاهدها وعياٍ عميقاٍ وخبرة ناضجة منحتك القدرة على استبطان أغوار النفس البشرية وقراءة أنساقها المضمرة إلى أي مدىٍ يحتاج الروائي للقراءات النفسية¿ – بالتأكيد يمثل البعد النفسي أحد الأبعاد الجوهرية للرواية فالرواية تقوم أساساٍ على بعد أو محور إنساني بحت في غالب الحال فحين تكتب رواية لا يمكنك تجاهل الأشخاص الذين تحاول نفخ الروح الواقعية والإنسانية فيهم وتعاملهم على أساس أنهم كائنات من ورق بلا خلفية وأعماق نفسية تمكنك من خلق واقع متكامل ومتماسك وهكذا لا بد من الإلمام بالقراءات النفسية التي أنت بصدد خلق وتكوين الشخصيات وسلوكياتهم وردات فعلهم وحيواتهم على أساسها. • هل مارست المحو بعد الانتهاء من صياغة روايتك ” الواحد ” باعتبار أن المبدع بعدد ما يمزق لا بعدد ما ينشر¿ – أي عمل روائي أو حتى سردي لا بد له من حالات محو لتتم الصورة المكتملة أو المراجعة المكتملة لما قد يسقط بلا معنى في حالة غزارتك الإنتاجية أو الكتابية الأولى نعم مارست الكثير من المحو عبر شهور متعددة وربما لو قرأت روايتي اليوم لرأيت فيها ما يستحق المحو أو التعديل وهكذا لا تتوقف رغبة المحو عند الكاتب في كل مرة يعيد قراءة عمله لانه في حالة ملاحظة دائمة حريصة بأن تكون الصياغة افضل أو أكثر كمالاٍ.. • تجري أحداث روايتك في فضاء مكاني مجاور هل استعارة الفضاء المكاني يأتي كحاجة ملحة تتلائم مع طبيعة التفكير المختلف أو الضرورة الكتابية¿ أم أن ثمة أسباب أخرى تكمن وراء ذلك¿ – في الحقيقة كان هناك أسباب كثيرة لاستعارة الفضاء المكاني للرواية والواقع في مدينة ” لندن ” منها ما سسببه أن الواقع اليمني أو البيئة اليمنية بمعطياتها الواقعية المحدودة لم تمكنني من خلق سياقات أحداث الرواية بتفاصيلها المتشابكة والواسعة والتي تخدم فكرة وحبكة الرواية. • أي شخصية من شخصيات روايتك ” الواحد ” تشبهك وتحمل جيناتك المعرفية والكتابية¿ – باستطاعتك أن تقول أن كل شخصية من شخصيات الرواية حملت بعض سماتي أو إسقاطات شخصيتي عليها بشكل أو بآخر لكن كانت شخصية ” سام ” هي الأقرب إلي في أحيان كثيرة. • تغذية الزمن يجعلني أتساءل عن طبيعة الزمن في روايتك كما يبدو لي ثمة أكثر من زمن يتحكم في مسار بناء الرواية اليس كذلك¿ – بشكل عام في روايتي هناك أزمان متعددة كان أهمها هو زمن الحلم الذي كان المحور الذي تداخلت حبكة الرواية أو ارتكزت عليه والذي خلق بدوره أزمنة أخرى تداخلت على المستوى اللاوعي كنتيجة لذلك ثم زمن البداية أو الصحو والذي أتى في أواخر الفصول الختامية. • كيف تقيم المشهد الثقافي اليمني عامة¿ وماذا عن أزمة الرواية اليمنية التي ينبغي تجاوزها لتحقيق قفزة إبداعية طويلة¿ – من وجهة نظري أن المشهد الثقافي اليمني يشكل حضوراٍ لا بأس به خاصة في الآونة الأخيرة رغم ارتباطه بشكل كبير بالواقع السياسي بشكل خاص والتأثيرات السياسية التي كانت هي صاحبة الحظ الأوفر باعتبارها المحرض الأكبر للتيار الثقافي والأدبي في اليمن أما عن الرواية فقد لاحظت أن هنالك قدوماٍ مبشراِ بالأمل للرواية اليمنية من خلال هذا الحضور الغزير للراوئيين اليمنيين القدامى منهم والجدد لكن المشكلة أن هذا الحضور رغم قوته وغزارته يبدو صامتاٍ على المستوى العربي والعالمي ربما كانت الأسباب في ذلك هي قلة دعم الروائيين على المستويات المعنوية والمادية والموضوعية فالمبدع أو الكاتب في هذا الوطن يظل محشوراٍ في زوايا ضيقة من واقعه الواسع بالظروف والمقاومات المعيشية والحياتية التي تجعله بعيداٍ عما نستطيع أن نسميه حضوراٍ يليق به كمبدع أو كأديب وظهور أعماله بالمقابل أما اذا تحدثنا عن كيفية تحقيق تلك القفزة للرواية اليمنية فبنظري ذلك يأتي نتيجة للدعم وتوفير تلك البيئة التي تمكن الروائي والرواية اليمنية من إيجاد مساحة خلاقة لتطورها وازدهارها وانتشارها كما أني اعتقد أن على الرواية اليمنية أن تحاول تجاوز الموضوع اليمني الخاص فقط وتحاول التحليق في الموضوع الإنساني العام أو العالمي أيضاٍ الذي يسمح لها بالتنفس والتحليق داخل الفضاءات الابتكارية الواسعة وسع الحياة وتنوعها فالرواية تحتاج إلى مقومات ومعطيات متعددة وغزيرة لتتنامى وتتنامى فنونها وحبكاتها وادوارها وخيالاتها المتجاوزة. • ما الذي تخفيه أدراج الروائي طلال قاسم بمعنى ماذا عن مشاريعك الكتابية القادمة¿ – حالياٍ أنا في صدد كتابة رواية ثانية ومجموعة قصصية شبه جاهزة وكتاب قريب إلى كونه دراسة تتحدث عن تطور المرأة في ذهنية الرجل تاريخياٍ. • خيالك الخصب برأيك متى اكتشفت هذه الملكة وما ابرز الوسائط التي جعلتك بهذا المتسع من الخيال أو جعلتك أنت أنت اليوم¿ – بالنسبة للكتابة بشكل عام فأنا شخص وجد أن الكتابة هي طريقه الأمثل للتنفس منذ اللحظات الأولى التي وعى فيها الكثير من الأفكار والتساؤلات التي تمارس صخبها في عقله ومخيلته كان لا بد من وجود طريقة لتفريغ وإسقاط واستيعاب كل ذلك الصخب الذهني الذي تنامى بداخلي والكتابة كانت ذلك السلوك الذي أجده مبهراٍ ومعبراٍ عن أقصى حالات الوعي الإنساني عبر التاريخ أما عن ماهية الوسائط التي مكنتني للوصول إلى كل هذا فالفضول الذي أحمله بداخلي نحو هذه الحياة وتفاصيلها منذ طفولتي كان المحرض الأساسي لكل ما أنا عليه الفضول خلق كل شيء بداخلي ذلك الفضول الذي تتبعه الرغبة الجامحة في أن أجد أو استرق دهشةٍ ما من وراء ستار هذه الحياة الغامضة والمتناقضة. • البعض يغفل دور الحوار الداخلي بينما وجدتك تعلي من شأن الحوار الداخلي وبما يتناسب مع طبيعة الفكرة التي تحاول الرواية معالجتها ما فلسفة ذلك من وجهة نظرك¿• – بالنسبة لي لطالما وجدت أن الحوار الداخلي هو الأهم في غالب الروايات فالحوار الداخلي هو ما يصنع مكاشفة واقعية الشخصيات والأحداث وهو ما يبررها الحوار الداخلي هو نفسية النص الروائي الذي يشتغل في الأساس على نفسيات بشرية يراد لها أن تكون أقرب إلى الحقيقة التي تبرر كل فكرة تسير عليها مجريات الرواية ومغازيها فبلا تركيز على الحوار الداخلي تصبح الرواية مجوفة خاوية من المعنى الذي يكسبها الواقعية والحميمية والمصداقية. • هل تتوقع أن تترجم روايتك إلى أكثر من لغة¿ – أتمنى ذلك. • لماذا استحضرت أسطورة أو مسألة الخلق بطريقة مغايرة للمألوف بعيداٍ عن الفهم الديني التقليدي¿ • كل ما في الأمر أني حاولت بذلك أن أدفع القارئ للتفكير بطرق مغايرة ليس في ما يتعلق بمسألة الخلق فقط بل في كل الأمور الحياتية التي نتوارثها بلا محاولة لأن نكون مغايرين في تفكيرنا واستيعابنا لها ومسألة الخلق هي مسألة إبداعية ونفسية خلاقة من شأنها أن تلمس وتراٍ مهماٍ في ذهنية القارئ. • في روايتك ” الواحد ” كل ما في هذه الحياة من تنوع وتناقض وصراع وثراء أكانت رغبةٍ أن تشكل العالم في دفتي روايتك الأولى¿ – لا استطيع أن أدعي أني فعلت كل ما قلته لكني حاولت استخدام معارفي وتساؤلاتي لخلق ذلك العالم الذي يعبر عن أفكار وصراعات ومفاهيم تتصارع وتتراقص بداخلي قبل كل شيء. • هل من كلمة أخيرة ¿ – شكراٍ لرحابة صدرك أيها الرائع . -“الواحد” –رواية -المؤلف: طلال قاسم صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت (2014) . تقع الرواية في 424 صفحة من القطع المتوسط .