الرئيسية - كــتب - رواية “خريف البطريرك” للروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز
رواية “خريف البطريرك” للروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

بعد نجاح رواية “مائة عام من العزلة” للروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز أراد أن يقدم عملا يلفت الانتباه فكانت روايته “خريف البطريرك” والتي اعتبرها من أصعب أعماله حيث ذكر في إحدى حواراته أنه كان بعد كتابة خمسة أسطر منها يلقي بها بسلة القمامة. ثم يعود ليبدأ من جديد. تدور الرواية حول مجموعة من الأفكار والأحداث والغرائب والتي لا يشعر معها القارئ العربي إلا بروح الإدانة لنمط من الحكام الذين يشبهون الجنرال المستبد في الرواية. نجد الحاكم في رواية ماركيز ديكتاتور جاهل لا يعرف القراءة ولا الكتابة ضعيف لا يشعر بالقوة إلا بمقدار ما تكون أمه قريبة منه ولهذا أعطاها صفة قديسة الوطن بمرسوم ملكي يفعل ما يشاء وقتما يشاء. تحكى “خريف البطريرك” عن الأيام الأخيرة للديكتاتور وعودته إلى الماضي القريب أيام نشوته وانتصاراته على نساء إمبراطوريته تلك الذكريات التي تمشى ببطء على شريط الرأس كما أن الرجل الوحيد الذي تمكن أن يصارحه بالحقيقة يبدو مجرد شبح بلا رأس وبلا جسد حيث يقول (اخرج إلى الشارع وجابه الحقيقة يا صاحب السمو إننا نقترب من المنعطف الأخير). يقدر عدد الأطفال الذين أنجبهم البطريرك خلال حياته الطويلة بأكثر من خمسة آلاف طفل ولدوا جميعا من عشيقات دون حب لا يحصى لهن عددا وكن يتوالين على حريمه ولم يحمل أي من أولئك الأطفال اسمه ولقبه. باستثناء ذلك الطفل الذي أنجبته زوجته الوحيدة الشرعية (ليتسيا نازارينو) إذ كانت فلسفة البطريرك حيال هذا الموضوع (أن لا أحد هو ابن أحد إن لم يكن ابن أمه فقط) ويبدو أن تلك الفلسفة تعفيه من سر أمه إذا ما تم ترسيخها فمن المعروف أنه كان رجلا بدون أب مثل كل الطغاة شهرة في التاريخ. والرواية تكشف برغم بعد الزمن عن الحاضر بما يقرب من ستين سنة همجية العدو الأمريكي عبر أحداث حقيقية وآراء تظهر على لسان الجميع. نجد ماركيز يجمع بين فنون الإبداع المختلفة في نصه السردي فقد قام بتوظيف الشعر والسيناريو والقصة القصيرة في روايته إنها نوع من البراكين والزلازل والكوارث الطبيعية العارمة براكين من كلمات وسطور يمكن أن تقرأها من آخر صفحة إلى بدايتها وإذا ما جعلت منتصف الخريف صيفه أو ربيعه أو جئت بالشتاء إلى شلالات الحروف. إن هذا العمل دون سواه من أعمال غارسيا ماركيز يختلف عن السرد الروائي المألوف الذي يأتي بالبداية في أول السطور ويأخذ النهاية إلى آخر الكتاب كما هو الحال مع “الحب في زمن الكوليرا” على سبيل المثال. كما تزخر الرواية بأغاني الشاطئ الكولومبي وألحانه بالإضافة لقصص الحب الوهمية والحقائق الدموية والخرافات من سحر وتعاويذ المآدب المكونة من لحم بشرى رواية يتجاوز بها ماركيز حدود أمريكا اللاتينية لكي يعلن عن ديكتاتور كلى الوجود صاحب ألف وجه يمثل إرادة الرب بل هو الرب نفسه. ويقول البطريرك في ذروة خريفه: أعيش أنا ويموت ضحاياي ويكتبها خلسة على جدران المراحيض العمومية في زوايا مملكته البائسة ويطربه سماعها من أفواه الجوعى والمتسكعون والمشلولين والمتسولين على درجات سلم القصر الرئاسي والبرصى تحت أشجار الورد: – انثر على رؤوسنا ملح العافية سيدي البطريرك.