عندما يكتب القلب 
الساعة 04:20 مساءً

تعرّفت على الروائي حميد الرقيمي هذا العام، في حفل توقيع رواية "أساور مأرب" للكاتب الكبير الغربي عمران، الذي أقيم في مؤسسة عناوين بوكس بالقاهرة. كان اللقاء عابرًا في بدايته، لكنه ترك في داخلي أثرًا إنسانيًا دافئًا. منذ ذلك اليوم، أصبح حميد بالنسبة لي ابنًا وصديقًا قريبًا إلى القلب.

بعد أيام قليلة، أرسل إليّ أعماله الثلاثة بصيغة (PDF). قرأتها في ليلة واحدة، مأخوذًا بسحر لغته وعمق أفكاره. أدهشني أن كاتبًا في مثل عمره يمتلك هذا النضج الفني، وهذه القدرة على تحويل الألم إلى أدبٍ حيّ نابض بالمعنى.

حين انتهيت من قراءة "عمى الذاكرة"، شعرت أنني أمام رواية مكتملة البنيان؛ فيها من الصدق والجرأة والخيال ما يجعلها تقف في صفّ الروايات العربية الكبرى. قلت له مازحًا يومها: “سأراهن أنك ستفوز بجائزة الكتارا”، وكنت على يقين، لأن ما قرأته كان مختلفًا، صادقًا، ومكتوبًا بلغة تشبع القارئ وتدهشه في آن.

"عمى الذاكرة" ليست فقط رواية عن وجع الإنسان اليمني، بل عن وجع الإنسان العربي في بحثه الدائم عن المعنى والنجاة. كل من يقرؤها سيجد فيها صدىً من حكايته هو، لأن الرقيمي كتبها من أعماق القلب، لا من وراء مكتبٍ بارد.

أنا لست ناقدًا ولا أديبًا، بل قارئ يعشق الروايات؛ يقرؤها كما يُصغي إلى عزفٍ داخليّ لا يُملّ. لكن حميدًا جعلني أؤمن أن الأدب الصادق لا يحتاج إلى وسطاء ليصل إلى القلب، وأن القلم حين يكون حقيقيًا، يغدو أبلغ من كل النقاد.

حميد الرقيمي كاتب يمتلك خيالًا واسعًا وذاكرة مشبعة بالقراءة. من يقرأ له يدرك أنه غاص في بحار الأدب العربي والعالمي، حتى صاغ من كل ذلك صوته الخاص ونبرته المتفرّدة.

تمنياتي له بمزيدٍ من التألق والإبداع، وأن تكون "عمى الذاكرة" خطوته الأولى نحو العالمية، بإذن الله.