بين شعلة الثورة وشعلة النعي 
الساعة 07:12 مساءً

 

شهدت الساحة الوطنية خلال العقدين الماضيين تراجعاً ملحوظاً في منسوب الوعي المجتمعي والزخم الجماهيري بشكل تدريجي في نفوس اليمنيين بفعل غلو المناسبات ذات الطابع السياسي للنظام السائد على حساب المناسبات الوطنية العظيمة رغم قداستها ومكانتها في النفوس وهو ما أدى إلى تسطح الفكرة العميقة وإفراغها من محتواها القيمي من خلال تقديمها في إطار قوالب باهتة يمكن وصفها وتوصيفها تحت مبدأ إسقاط الواجب.
كل الفقرات الفنية والعروض العسكرية أو الشبابية التي كانت تتخلل الاحتفالات بأعياد الثورة اليمنية، كانت تفتقر للهدف القومي والروح الوطنية الذي كانت تنتهجه قوى الرعيل الأول منذ الاحتفاء الفعلي بالذكرى الاولى لقيام الثورة.
بمعنى أن المشاهد أو المتابع لمجمل تلك البرامج الخطابية والفنية المصاحبة للاحتفالات بأعياد الثورة كانت موجهة بشكل آني عبر وسائل الاعلام لإرضاء شخص الرئيس ، وليس لإيصال رسالة هادفة للمتلقي وإسنادها ببرامج نوعية تتصل بالنشء في المدارس والجامعات والأندية والمنتديات.
هذا الإخفاق الخطير في الفعل الثوري والقصور في التعاطي ولو بالحد الأدنى من المسؤولية الوطنية مع أهداف ومبادئ الثورة اليمنية  كانت تغذيه بشكل مباشر انعكاس الأزمات السياسية بين السلطة الحاكمة والمعارضة وانشغال الأحزاب والنخب الفكرية بمواسم الانتخابات وتبعاتها من مظاهر الفرقة واتساع الخلافات ناهيك عن إقحام معظم القطاعات ذات الشأن التعبوي في معترك هذه المناسبات الجانبية وما ترتب عنه من تغييب دورهم المحوري تجاه الأجيال الصاعدة.
الأخطر والأدهى من ذلك هو الدور غير المباشر الذي كانت تلعبه قوى أخرى متسترة برداء الثورة والجمهورية والمتمثلة في بقايا النظام البائد الذي استفاد من روح التسامح والحرية الذي تحلى به الثوار السبتمبريون فاعادت هذه القوى ترتيب وضعها ضمن مكونات سرية وتوغل في مفاصل الدولة محدثا المزيد من التصدع في بنية الدولة وتفشي الفساد المالي والاداري بشكل مخيف أفضى بشكل مقصود لصالح تلك القوى الكهنوتية والتي استثمرته عسكرياً للعودة بلباس الجمهورية إلى صنعاء ومن حولها.
نستطيع القول أن سلطة الانقلابيين اليوم تمارس طقوساً شكلية في الاحتفاء بذكرى الثورة السبتمبرية، تنسجم ومنهجيتها المتأصلة والمتصلة بمبدأ التقية.
كما تسعى من وراء الاستمرار في هذه المظاهر الإحتفائية إلى تحقيق غاية أخرى تتمثل في إحداث تخدير مؤقت ومتدرج تمهيداً للوصول إلى مرحلة  إطلاق رصاصة الرحمة على كل ما يتصل بالثورة.
احتفاء تتقد فيه شعلتهم بأحقاد دفينة تكاد تعم الجميع، وترفع شعارات جوفاء في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب.. إنهم يقبضون على الجمر وهم يقومون بدور تمثيلي يكلفهم الكثير من الألوان واللافتات وأساليب الزيف والخداع.
قطاع واسع من اليمنيين استفاقوا مؤخرا من غفوتهم ليجدوا أنفسهم يعيشون واقعا مغايرا تحت رحمة المليشيات الكهنوتية. واقعا صعبا حجبته بعض المؤثرات السياسية  تكشفت فيه حقيقة كل شيء كان خافيا.
وحدها التجارب المريرة جعلتهم يدركون قبل فوات الأوان أن ما خلف الأكمة الكثير ، وأن المستقبل لم يعد مجهولاً فحسب بل سيكون أكثر جحيماً ويصعب تصوره.
غالبية اليمنيين اليوم لم تعد تعنيهم اتقاد شلعة الثورة في عاصمتهم بقدر ما يهمهم حقيقة الأيادي التي ستشعلها ومدى يمنيتها ومصداقية ثوريتها السبتمبرية ومدى انتماءها لتراب هذا الوطن وتاريخه.
رمزية اتقادها في السبعين أو التحرير أو في أعالي جبال نقم وعيبان والنهدين، لم تعد ذات جدوى طالما وأن الأيادي غير الأيادي والشعلة غير الشعلة والجذوة مستعارة.
شعلة اتقدت باياد آثمة لا تمت لثورة شعب بصلة مجهولة الهوية والهدف و يراد لها بأن تكون نعيا على ضريح حدث مجهول.
اليمنيون يدركون اليوم ان ثمة شعلة هناك بالقرب من معبد الشمس اتقدت بجذوة من نار ونور  فأضاءت أرجاء اليمن، هي الأقرب لنبض قلوبهم ووجدانهم وهي سريان الدم في عروقهم.
شعلة أوقدها أحفاد ملوك سبأ فتلقفتها سواعد الأبطال على قمم جبال نهم وصرواح ومران وصبر وحبان وعلى الهضاب والسحول والوديان .. واشتعلت معها قلوب الأحرار في كل مكان.
شعلة اتقدت بسواعد الشدادي وإرادة العرادة واستبسال القشيبي وثبات المقدشي وصمود وتضحيات ودماء الشهداء الأحرار 
شعلة تمثل الزمان والمكان 
شعلة تبعث الامل والامان
فهنيئا لمأرب التاريخ وسام الثورة وشرف اتقاد شعلتها الأم من على كثبان رمالها الطاهرة ..تحيا الجمهورية اليمنية والخلود والرحمة  لأرواح شهداء ثوراتها السبتمبرية في ذكراها السابعة والخمسين.

 

* مدير عام وكالة الأنباء اليمنية "سبا" في محافظة حجة