المعلم.. والحقوق المسلوبة
الساعة 01:58 صباحاً

في الخامس من أكتوبر من كل عام يحتفي العالم باليوم العالمي للمعلم عرفاناُ وتذكيراً بجهوده في نشر العلم والمعرفة، فالمعلم من أسمى وأنبل الأشخاص في هذا العالم، لدوره العظيم الذي يقوم به في المجتمع، فهو يقلّ أبداً عن دور الأطباء، والمهندسين، والصيادلة وغيرهم، بل على العكس فلولا المعلم لما كانت المعرفة لتصل إليهم جميعاً، ودور المعلم لا يقتصر فقط على إيصال المعرفة لطلابه، بل يقوم بتعليم طلابه الأخلاق الحميدة، ويجعلهم أكثر إيجابية في هذه الحياة، لخلق مجتمعاً واعياً مستنيراً يواكب كلّ جديد بما يخدم أمته ووطنه. 

تحل علينا هذه المناسبة، والمعلم اليمني يعيش أسوأ حالاته، في ظل ظروف صعبة وقاسية، نتيجة الحرب التي أشعلت شرارتها مليشيات الحوثي المسلحة بعد هجومها على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، واستيلائها بقوة السلاح على مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، مما تسبب في معاناة الشريحة الأوسع في المجتمع وهم التربويين والمعلمين وانقطاع المرتبات لأكثر من أربع سنوات.

تأتي هذه الذكرى والذي يكرم فيه المعلم في كل بلدان العالم والمعلم اليمني يحمل الأحجار على ظهره لسد حاجته وأطفاله وسداد إيجار المنزل والديون المتراكمة عليه، وآخر يفترش الرصيف لبيع ملابس بسيطة ليطعم أطفاله، وآلاف منهم يعملون في مهن أخرى والغالبية الساحقة منهم يعانون لعدم وجود مصدر آخر للرزق.

لم تغب عن ذاكرتنا حادثة انتحار أحد المعلمين من الدور السابع في إحدى العمارات  بشارع الزبيري في العاصمة صنعاء، بعد أن أغلقت جميع الأبواب في وجهه، فلم يجد سوى الانتحار سبيلاً  للخلاص من ألم ومعاناة الحاجة وبكاء أطفاله من الجوع أمام ناظريه، وأموال وإيرادات الشعب تذهب لشراء فلل وعقارات لمشرفي جماعة الحوثي. 

هذه المناسبة العالمية التي يكرم فيها المعلم في جميع مدن الدنيا، بينما المعلم اليمني يعاني مرارة البؤس والحرمان وآخرون خلف القضبان يمارس ضدهم كل صنوف التعذيب الوحشي الذي لا يخطر على بال، فالمعلم في نظر هذه الجماعة الطائفية هو العدو الأول لأن أهدافهم تسعى  لنشر الجهل وزرع ثقافة الموت والولاء للسيد بعيداً عن الدولة والنظام والقانون ومبادئ وأهداف الجمهورية الخالدة.

لم يكن التربوي والمعلم عبدالله البشري الذي قضى تحت التعذيب بعد إحراق جسده وتعذيبه حتى الموت- سوى صورة حية ومصغرة لما ترتكبه المليشيات الحوثية من إجرام ضد الوسط التربوي، ولن ينسى الشعب مقتل العمار وسلبه وفيصل الريمي وعشرات المعلمين والتربويين الذين قتلوا داخل السجون وخارجها، فجماعة الحوثي لا تؤمن إلا بخرافة السلالة وكل من يخالف فكرها الضال فمصيره الموت أو السجون. 

ما يزال أمين الغذيفي التربوي الذي شغل مديراً لمكتب التربية في عدة محافظات مغيباً في سجون الحوثي ويعاني من تدهور في حالته الصحية بعد أن فقد إحدى كليتيه، وتتجاهل المليشيات الخطر الذي يهدد حياته، ونقيب المعلمين سعد النزيلي المختطف منذ أربع سنوات اصيب بشلل جزئي نتيجة التعذيب المروع في السجون، الأمثلة والشواهد بالمئات لامجال لذكرها، لكنها نماذج نتذكرها في اليوم العالمي للمعلم في الوقت الذي تلقى فيه الدعوات والمناشدات صمتاً دولياً وحقوقياً ومواقف مخجلة في حق الضحايا المتضررين.

أصبح الوضع التعليمي والتربوي كارثياُ وينذر بمستقبل مجهول في ظل الممارسات التي تقوم بها المليشيات في المؤسسات التعليمية ومكاتب التربية والمدارس من استهداف للتعليم والسعي إلى تغيير الهوية الوطنية، وتسيد مفاهيم العنف والسلاح ونشر ثقافة الموت والمقابر، وفرض واقع مليء بالكراهية لا يقبل التعايش والسلام.

منذ الوهلة الأولى لسيطرة المليشيات الحوثية على العاصمة صنعاء وانقلابهم على الدولة، كشفت عن أهدافها الطائفية والسلالية في نشر فكرهم فتوجهوا صوب وزارة التربية والتعليم بتعيين شقيق زعيم الجماعة كوزير للتربية والتعليم، لتفريغ التعليم من محتواه واستخدام المدارس والطلاب والمدرسين كمحطة للتحريض وبث الكراهية في المجتمع، ومنصة للحشد والتجنيد وحضور الدورات الطائفية التي تقيمها الجماعة.  

تمارس المليشيات الحوثية ضد التربويين والمعلمين في مناطق سيطرتها الفصل الوظيفي بشكل واسع، وإقصاء للكوادر التربوية الوطنية المؤهلة وأصحاب الخبرات، بالرغم من انقطاع المرتبات في مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية، واستبعاد كل من لا يؤمن بمعتقدات وأفكار وخرافات الحوثي، وتغييرهم بعناصر من المليشيات من خارج مؤسسات الدولة، واستغلال المدرسين والطلاب في الحشد لفعالياتهم وأنشطتهم في المناسبات الطائفية بالإكراه.

تحية إجلال وإكبار.. تحيةٌ وسلامٌ لكل معلم فذ حمل راية العلم وظل منافحاً مكافحاً لترسيخ قيم الجمهورية والعدالة، مواجهاً ممارسات السلالة الطائفية التي تعمل على تمزيق الوطن والنسيج الاجتماعي من خلال خرافاتها وتحريفها للمناهج وغسل عقول الطلاب.

سيعود الوطن وستنتهي الإمامة الجديدة والكهنوت.. سنحتفل بأعيادنا الوطنية وبالعيد العالمي للمعلم الذي يعد العمود الفقري للتعليم لتدور عجلة البناء والتنمية في وطننا الحبيب.

وكل عام وأنت أخي المعلم.. أختي المعلمة.. والوطن بخير وعافية.

*مدير مكتب حقوق الانسان بأمانة العاصمة