العيد وعذابات السجون
الساعة 07:21 مساءً

لا أجهل ما تفكرون به الآن وما تعانون وما تريدونه في تلك السجون.
اثنا عشر عيدًا قضيناها معاً داخل سجون الحوثيين لم تكن أيام للفرحة كعادة الإنسان، بل مواسم للانكسار والألم الذي يعصرك ويفتك بك.
كيف للعيد أن يكون عيدًا وحجم ما لم أكتبه يفوق ما كتبته اليوم ربما بآلاف الصفحات، صور ومشاهد التعذيب تتراءى أمام ناظري متسارعة كالبرق.
عبدالخالق عمران، أكرم الوليدي، حارث حميد، توفيق المنصوري، صحيح أني خرجت من السجن، لكنكم والسجن أمام ناظري بكل ثانية أعيشها.
سلبني الحوثيون فرحتي بحريتي وأعيادي وتفاصيل حياتي بإبقائكم في تلك الزنازين.
كيف لي أن أعيش سلاما وأنا أتذكر زميلي توفيق المنصوري، الذي لم أرى إنسانا مثله في تعلقه بأطفاله، وأعرف أن الشوق والحنين إليهم يعصر أكباده، وأعرف كذلك أن الحوثيين يستمتعون بألمه وفراقه ولن يسمحوا له حتى بالإتصال ليتغلب ولو قليلا على حرارة شوقه.
يكابد توفيق الآن مرارة الحنين ومرارة الأمراض التي تداعت عليه.
أتنقل بين صفحات الفيس بوك والتويتر وتباغتني صورة لزميلي أكرم الوليدي، صاحب الكرم في مشاعره وأحاسيسه، أكرم الذي لم تبقي له أمراض السجن عضوًا إلا وأصابته.
تنقلني ذاكرتي سريعًا إلى أكرم، عبر شباك الزيارات المزدحم بالزوار، وهو يصيح بأعلى صوته ليسمع أخته بأصناف العلاج التي يحتاجها، لكن تأتي الزيارة القادمة ليكتشف أكرم أنه فشل وأنها لم تسمع منه شيئاً.
أجدني مجبرًا على التفكير وتذكر عبدالخالق عمران، وأنا أراه عبر ثقب الباب وهو معلق بيديه المكبلتين إلى عمود حديدي، يتأوه ويتألم ويتضور جوعاً بعد طول التحقيق معه وضربه، يصيح لكن صرخاته المتألمة تشعر جلاديه بنشوة الانتصار لوحشيتهم.
أحاول تصنع الفرحة والسرور لكني أرى أمامي زميلي الحارث حميد، ونحن ننزل درجات البدروم في سجن الأمن السياسي وهو منزوع الملابس إلا من ملابسه الداخلية، وأٍسلاك الكهرباء تهوي على جسده من كل الجهات، وركلات الأقدام تلاحقه لثقل حركته بعد نزع نظارته التي تساعده على الرؤية بعد تدهور النظر الحاد الذي يعاني منه.
في ليلة العيد وبعكس كل إنسان، موفور الحال أو حتى أولئك المعدمين قوتهم اليومي، من يعيشون في أوطانهم أو أولئك المشردين في دول العالم لأن الوطن ضاق بهم أو حتى ضيق عليهم، يستطيع كل أولئك في ليلة العيد ويوم العيد إيجاد متنفس لهم، كل بحجم استطاعته والخيارات المتاحة له، أما في السجن فلا مجال للسجين للبحث عن شيء لان كل الخيارات سلبت منه، متاح له فقط البحث في ركام الخيبات والآلام والأوجاع  ليختار أقلها وحشية وقساوة عليه.
لا زلت أتذكر أول عيد لي في سجن الحوثي بتاريخ ٢٠١٥ حيث كانت سياط الألم تجلدني في الثانية ما بإمكانه هدم جبل. جاء العيد الأول وأنا في زنزانة مظلمة موحشة في سجن احتياطي الثورة، ظننت أن وحشة العالم وظلامه متمركز فيها، تنبعث منها رائحة كريهة حسبتها ثقب يتسرب منه كل كريه، يأتي العيد ويتفنن الحوثيون في أذيتنا أنا وزملائي الصحفيين بمنع الاتصالات عنا وقطع الزيارات ومنع دخول الطعام ومصادرة الملابس وفي بعضها الاعتداء علينا بالضرب وغيره من أنواع السباب والشتم.
فنون للتعذيب كثيرة يتفاخر بها الحوثيون في أذية سجينهم وتجدهم يتندرون ويتباهون بأيها أشد إيلاما وأفتك بالإنسان.

رفاقي وكما كنا في السجن، يأتي العيد ونحاول سويا الفرح به، رغم الجراح المثقلين بها، وكما تصنّعنا الفرحة سويًا في العيد بتبادلنا أماكن جلوسنا في تلك الزنازين وتبادلنا ملابسنا المقطعة والمهترئة التي كانت على أجسادنا، سيبزغ فجر حريتكم وسنفرح نحن وجميع المختطفين بأعيادنا.

*صحفي ومختطف سابق لدى مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران