الصين واليمن.. المستقبل يبدأ الآن
الساعة 05:37 مساءً

 

فيما تتجه أنظار العالم صوب الرياض التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى عاصمة للقرار العربي، تتجه أنظار الشعوب العربية وبالخصوص "اليمنيون" إلى المساحات التي يمكن لهذه القمم الثلاث أن تنتجها لمجلس القيادة الرئاسي الذي يشارك رئيسه فخامة الدكتور رشاد العليمي في أعمال القمة العربية الصينية عقب عقد قمتين سعودية صينية وخليجية صينية 
تذهب المملكة العربية السعودية بقيادتها الشابة إلى تنويع مصادر اقتصادها غير النفطي وكذا علاقاتها الدبلوماسية وشرَاكاتها الاستراتيجية ما يضمن لها موقعاً مرموقاً ذا ثقل كبير في نادي اللاعبين الدوليين انطلاقاً من موقعها الجيوسياسي وما تمثله من أهمية في أسواق الطاقة المتمثل في قيادتها لمنظمة أوبك +
اختلف المراقبون والباحثون في العلاقات الدولية حول الرسائل التي ستبعثها المملكة من هذا الانفتاح الذي يتوجه شرقاً وبوتيرة متسارعة، سواءً أكان سياسياً أو اقتصادياً وربما عسكرياً وهو ما كشفته تقارير استخباراتية أمريكية أكدت بدء نقل تكنلوجيا الصواريخ الباليستية للرياض ما أثار سخط واشنطن.
لكن ما يهمنا هنا هو تسليط الضوء على ما يمكن للحضور العربي أن ينتزعه من هذه القمة التاريخية، خاصة مع حضور تمثيل واسع على مستوى رؤساء وزعماء دول ظلت شعوبهم تحت مظلة ما يحلو للمجتمع الغربي تسميته بـ(العالم الثالث)، خاصة مع هيمنة الايدلوجيا الغربية التي تفرض على معظم شركائها الاستراتيجيين لوناً ثقافياً واقتصادياً وأمنياً واحداً يشكل قيوداً إضافية على وضعها المالي الصعب في معظم الظروف والأحوال..
وبلا أدنى شك فإن اليمن كدولة يمكن أن تكون مثالاً على هذا الصورة النمطية للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، ويمكن ربط ذلك بما صرح به رئيس مجلس النواب اليمني الشيخ سلطان البركاني- بخصوص منع الولايات المتحدة لقيادة الشرعية اليمنية من دخول العاصمة صنعاء قبل سنوات- كان ذلك خلال كلمة ألقاها في منطقة المخا التي تحولت إلى مركز لقوات (حراس الجمهورية) وهي قوات أنشأها العميد طارق صالح نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي عقب منع قواته المشتركة من تحرير محافظة الحديدة- رئة الحوثيين الاقتصادية والعسكرية في البحر الأحمر- بعد وصولهم إلى مشارف مينائها ..
الجميع يعي جيداً أن اليمن كدولة في هذا التوقيت بحاجة إلى الجانب التنموي أكثر من المشاريع الإنسانية التي تشرف عليها الأمم المتحدة وتتقاضى مقابلها المليارات من الدولارات سنوياً كتبرعات يتحمل معظم تكاليفها السعودية والإمارات بينما يصل إلى المستهدفين فتات الأرقام التي يتم الإعلان عنها سنوياً 
لم يعد خافياً الآن أن الحكومة اليمنية في أمس الحاجة إلى شريك دولي قوي يمتلك الأدوات التنموية الفاعلة لإخراجها من مأزق تعيشه أمام المجتمع اليمني الذي قد ينفجر بوجهها في أي لحظة، التنمية هي الحل السحري الذي يمكن تقديمه للمجلس الرئاسي حديث التشكيل عقب توافق سياسي أشرفت عليه المنظومة الخليجية ولم يستثنى منه سوى (الحوثيين) لسبب واحد.. رفضهم للسلام والحل السياسي الشامل.
اذا نحن أمام فرصة تاريخية جاءت على طبق من ذهب مقدمة من المملكة العربية السعودية التي لم تذهب إلى هذا الاتجاه وحيدة كما كان يحدث من قبل في سياسات الدول العربية التي لطالما عصفت بتحالفاتها الخلافات، بل جلبت معها كل العربِ دولاً ومؤسسات وفق الاستراتيجية التي مازال يحلو للأمريكان انتهاجها في مختلف قراراتهم المفصلية (سياسة الحلفاء)
 إلا أن هذه السياسة غالباً ما تنطر إلى لمصالح العربية كبند ثانوي أو هامشي في كثير من مفترقات الطرق لدى صانع القرار الأمريكي والغربي عموماً
وهذا قطعاً لا يعني بأن الولايات المتحدة لم تعد الحليف الأول والأهم لدى المنظومة العربية التي تقودها السعودية حالياً لأسباب عدة تجذرت على مدى عدة عقود ، لكن يمكن النظر إلى الأمر من زوايا أخرى يمكن الانطلاق منها نحو تنوع اقتصادي يواكب رؤية المملكة 2030 مستنداً على قاعدة أكثر ثباتاً في ظروف سياسية واقتصادية عالمية تنبئ بانتها عصر القطب الواحد ذا اللون الواحد والايدلوجية الواحدة
جاء الصينيون في لحظات فارقة ليقولوا للعرب نحن جاهزون لنتشارك النجاح في صناعة عالم "جميل" كما يحلو للرئيس الصيني التعبير، وقد بدأوا فعلياً في بعض الدول العربية عبر مشاريع تنموي واستثمارية في مجالات عدة، الجديد هذه المرة هو التعامل مع العرب كمنظومة متكاملة تعمل على الاندماج مع بعضها اقتصادياً وتنفتح على غيرها من الأمام تحت نفس العنوان مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية والمواقف السياسية التي تضمن لكل دولة سيادتها واستقلال قرارها بعيداً عن المصالح المشتركة المعمد بالتنمية والاقتصاد ولنا في قمة العلا التي أخرجت المنظومة الخليجية من خلافتها السياسية الطارئة عبر السبيل الأيسر والاقصر.. الشراكة الاقتصادية والمصالح التنموية المشتركة
تبحث الدولة اليمنية عن موقع في هذه الخريطة التنموية وقد لاقت الكثير من الدعم الخليجي على مدار عقود ومؤخراً من خلال تكفل دول التحالف العربي بملفات ساهمت في عدم تدهور الجانب الاقتصادي إلى أسوأ مما نحن عليه ، كتكفل البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن بالمشتقات النفطية التي تغذي المولدات الكهربائية واعادة اصلاح المنظومة المتهالكة للكهرباء، مع ودائع سعودية وإماراتية يتم إيداعها في البنك المركزي بين الحينة والأخرى لمساعدة الحكومة المعترف بها دولياً على الالتزام بمهامها تجاه توفير المواد الغذائية والطبية المدعومة لكافة أبناء الشعب اليمني مع مشاريع تنموية بمختلف المحافظات اليمنية ، إلا أن ذلك لم يستطع حتى اللحظة جعل المؤسسات اليمنية تقف على قدميها جراء تداعيات الحرب التي يرفض الايرانيون إنهاءها للمضي قدماً في ايجاد ذلك الموقع على تلك الخريطة التي باتت تشبه المرثون التنموي.. تتسابق فيه الدول المستقرة في الوصول إلى أهدافها في التكامل الاقتصادي 
لا يخفي الصينيون إدراكهم لأهمية الموقع الاستراتيجي لليمن كحجر زاوية في طرق الملاحة الدولية المرتكز الأساسي والتقليدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي المحرك الأساسي لبوصلة الصينيين الدبلوماسية والاقتصادية منذ عقود ، ولا يخفي كذلك المسؤولون اليمنيون تلقيهم لإشارات عديدة آتية من الشرق تبدي رغبتها الشديدة لخوض غمار تحدي التنمية الاقتصادية في اليمن، ملفات عديدة غالباً ما يحسن الصينيون عرضها على صانعي القرار في البلدان المختلفة، كالبنية التحتية والاستثمار في الطاقة المتجددة والدعم اللوجستي لإدارة الموانئ والمنافذ الجوية وصولاً إلى الاستثمار في الصناعة و الذكاء الاصطناعي، وكلها مجالات لا يختلف اثنان على القدرة العجيبة للصينيين في تنفيذها..
ظل اليمن مكبلاً بالسياسات الدولية التي تضعه تحت البند السابع وتحت طائلة الابتزاز الدولي الذي يمتن على اليمنيين مراراً بالاعتراف الدولي الذي لم يعد يسمن أو يغني من جوع، فبمقابل هذا الاعتراف منح الغربيون الحوثيين كل ما من شأنه تثبيت سلطتهم على المناطق التي احتلوها، وقوضوا كل ما من شأنه أن ينهي هذا الصراع الدامي الذي يوشك على اكمال عقده الأول، باختصار همش المجتمع الدولي كل أدواته الحقيقية لإنهاء هذا الصراع عبر انهاء مسبباته وبحلٍ بسيط.. تنفيذ قراراته الصادرة من مجلس الأمن، وذهبوا بعيداً لذر الرماد على العيون عبر ادانات تشبه تلك التي صرح بها المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينج مؤخراً حينما أكد أن ميليشيا الحوثي تتحمل مسؤولية الوضع الهش في اليمن وعدم الالتزام بأدنى شروط الهدنة، في الأثناء كان الحوثيون يشنون هجوماً عسكرياً على محافظة مأرب ما يجعل قيمة هذه الادانات لا تتعدى تكلفة الورق الذي كتبت عليه ليستخدمها لاحقاً قادة الحوثيين كورق تواليت بالتزامن مع هجماتهم الارهابية المستعرة أمام مرأى ومسمعٍ من قادة العالم..
وسط كل هذا المشهد المعقد يفتح الصينيون آفاقاً باتجاه الشرق ودون أدنى شروط، هذه هي قوة الصين الناعمة والتي أصبحت عامل جذب للعالم أجمع، جاء الصينيون إلى قلب العرب وجاءت الاقطار العربية تحمل تطلعاتها وآمالها بمستقبل جميل يتشارك الجميع في صناعته وفق قواعد ثابته لا تتأثر بتقلبات السياسة الدولية التي أنهكت دولنا وجعلتها تخسر الكثير من الفرص خلال عقود مضت ، فهل يلتقط المجلس الرئاسي هذه الفرصة ويصنع لليمن موطئ قدمٍ في ذلك العالم الذي يرسمه جميع العرب الآن في الرياض..