إيران بين مطرقة العدو الحليف وسندان الصديق الخصم
الساعة 10:53 مساءً
  • كاتب وصحفي

يبدو أن إيران استوعبت الرسالة التي تلقتها في 19 من مايو/أيار الماضي من قبل العدو الحليف والحليف العدو (إسرائيل)، مدعومة من أطراف دولية تتقاطع مصالحها مع إيران أكثر مما تتنافر.

تلك الرسالة جاءت نتيجة استشعار إسرائيل أن دور حليفتها في الوجود وعدوتها في المصالح (إيران) قد تنامى بعد أحداث 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2024م التي شهدتها غزة وما زالت تشهدها حتى اللحظة. وأن ردة فعل قطبي اتخاذ القرار في إيران قبل مايو/أيار الماضي (الرئيس السابق إبراهيم رئيسي وعلي خامنئي المرشد الأعلى للثورة) على قيام إسرائيل باستهداف عدد من قيادة الحرس الثوري الإيراني المتواجدين في سوريا عبر قصف مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل/نيسان 2024م، المتمثلة بمسرحية (الوعد الصادق).

قامت إيران حينها بتوجيه ضربة صاروخية نحو إسرائيل بعدما قامت بإفراغها من المحتوى التدميري من حيث التوقيت والهدف كمحاولة منها للحفاظ على ماء وجهها أمام الشعب الإيراني الذي فقدته نتيجة تلك الضربة.

عد ذلك، تجاوز خطير على الدور المرسوم لإيران وتطاول متهور لا يصدر إلا من طرف يحاول القفز على النقاط التي تتقاطع فيها المصالح المشتركة بينه وبين الآخرين.

وعلى إثر ذلك قرر العدو الحليف والحليف المعادي توجيه رسالة شديدة اللهجة وواضحة المعنى، نصها لا يحتمل التأويل. تفهمتها كافة الأطراف الرئيسية داخل إيران من خلال قص أحد جناحي القرار الإيراني (رئيسي – خامنئي)، ليقع اختيارها على رئيسي ليكون هو موضوع رسالتها كونه العامل المتغير الوحيد الذي ساهم وصوله لمنصب رئيس الجمهورية إلى تنامي شره النظام الإيراني للكعكة التي تحاول أطراف دولية عدة تقاسمها في المنطقة العربية حاليا، ويريد كل طرف من تلك الأطراف الاستحواذ بأكبر قدر منها ما لم تكن كاملة.

 ولعب تواجده في قمة هرم السلطة الإيرانية إلى جانب خامنئي دورا أساسيا وهاما في إقناع باقي أركان النظام الإيراني بتغيير دور إيران فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من المراقب بصمت إلى المشارك عن بعد، وبالموافقة على عملية الوعد الصادق. فباقي تلك الأركان هي نفسها التي لم تتجرأ على اتخاذ قرار مثل هذا منذ بدء إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية ضد أهداف لها علاقة بالحرس الثوري في سوريا بوجه أو آخر منذ 31 يناير/كانون الثاني 2013م. لتتمكن من إزاحته من قمة هرم السلطة بعد عملية استخباراتية أفقدته حياته على إثر إسقاط طائرته المروحية بحادثة متقنة ومدروسة من كل النواحي الفنية والتكتيكية، وتحتفظ بخامنئي لاستكمال الدور الذي رسم للنظام الإيراني الحالي من اللحظة الأولى لقيام نظام المرشد الأعلى عام 1979م.

إن تجمع القوى المؤثرة في الداخل الإيراني (محافظين وإصلاحيين وعسكريين وأمنيين) إلى التوجه نحو تبني تغيير في السياسات العامة الإيرانية على المستوى الإقليمي والدولي محاولة بذلك الحفاظ على مكاسبها المحلية والخروج بأدنى ضرر من الوضع الذي فرض عليها.

لقد بادرت تلك الأطراف إلى تعبيد الطريق أمام وصول رئيس إصلاحي إلى هرم السلطة يتبنى هذا التغيير ويتولى مهمة إقناع الأطراف الدولية المعنية بهذا التوجه. فكان اختيارهم لمسعود بزشكيان، الذي بادر إلى تنفيذ تلك التغييرات على أرض الواقع منذ اليوم الأول من توليه منصب رئاسة الجمهورية.

وهنا قامت تلك القوى المؤثرة في الداخل الإيراني (محافظين وإصلاحيين وعسكريين وأمنيين) بعملية فرز الكروت التي تمتلكها إيران على المستويين المحلي والإقليمي وترتيبها حسب الأولوية والأهمية.

كان كرت إيران النووي والحفاظ عليه من أولويات المرحلة القادمة، وأكثر أهمية من كروت أذرعها في الإقليم. ووصلت لقناعة أن وجود عدو يشاطرها حالة العداء مع محيطها العربي خير من وجود صديق يرفض خصومتها مع محيطها العربي.

فالعدو سوف يعمل على رفع مستوى تهديدها لعدوهم المشترك بما يتناسب مع مصالحه، أما الصديق الخصم سيتحول إلى عبء عليها عاجلًا أم آجلًا حين يعلم حقيقة المطامع الإيرانية بالمنطقة ويكتشف مدى استغلالها لقضيته واستخدامها له بزيادة رفع مستوى تكريس الخلافات الطائفية والصراعات الدموية بالمنطقة.

وهكذا، فإن إيران محاولة منها لإنقاذ نفسها من الوقوع بين تلقي ضربات مطرقة شركائها في الأطماع وبين صد سندان وكلائها في المنطقة عبر محاولة تخفيف وقع ضربات تلك المطرقة على رأسها إذا لم تتمكن من إيقافها وتفكيك صلابة السندان وجعله أكثر هشاشة مما يرفع من فرص تهشمه مع أي ضربات مستقبلًا.

قد اختارت أن تغير من سياستها التي بدأت بانتهاجها بعد وصول الرئيس السابق إبراهيم رئيسي لمنصب رئاسة الجمهورية نحو القوى الدولية التي تشاركها الأطماع في المنطقة العربية، المتمثلة بسياسة التنامي والفرض التي كانت تسعى من خلالها إلى فرض نفسها على باقي الأطراف كقوة إقليمية متنامية الأدوار لا يمكن تجاوزها، لتتبنى سياسة التضحية والقبول. حيث ستعمل إيران على حصولها بقبول دولي لدور تحدده باقي الأطراف نظير تخليها وتضحيتها لهم بعدد من الكروت الخارجية الأربعة التي تملكها، وهم الميليشيات الموالية لها في كل من (العراق وسوريا ولبنان واليمن).

ومن سوء حظ حزب الله في لبنان أنه هو الكرت الوحيد المناسب لها ولإسرائيل ومن خلفها من القوى الدولية لعدة عوامل. من أهمها أن كرت الميليشيات الإيرانية في العراق يعتبر الخط الأمامي لأي مواجهة قد تحدث بين إيران وأي طرف آخر فلا يمكن الاستغناء عنها من قبل إيران، أما سوريا فهناك عدة أطراف دولية متواجدة في سوريا ولها اليد العليا في التصرف بالشأن السوري. أما جماعة الحوثي المتواجدة في اليمن فهي بعيدة عن الحدود الإسرائيلية ولا تعتبرهم إسرائيل مصدر تهديد حقيقي لها، بالإضافة إلى أن هناك دورًا آخر قد تلعبه مستقبلاً إذا تمكنت إيران من الحصول على قبول تلك القوى الدولية التي تشترك معها في المصالح (سيكون موضوع تقرير لاحق).

وهكذا، كان حزب الله هو القربان الأمثل للسياسة الإيرانية الجديدة والأضحية الأكثر دسامة وشهية لإسرائيل ومن هم خلفها. وتتضح مؤشرات جلية للدور الإيراني في تصفية حزب الله من خلال حساسية أهداف الضربات الجوية التي تلقاها حزب الله، والمواقع القيادية للذين تمكنت إسرائيل من قتلهم عبر تلك الضربات، بالإضافة إلى كشف نقاط الضعف في البنية الأمنية والاستخباراتية لحزب الله وتمكين الاستخبارات الإسرائيلية من استخدامها، وحجم المعلومات المتعلقة بأماكن وتوقيت تواجد القيادات بشكل مفصل.

وهنا يمكن استشراف حقيقة توجه إيران الحالي للتخلي عن وكلائها في المنطقة وفق ما تقتضيه مصلحة النظام الإيراني وطموحه النووي، ساعية بذلك للحصول على قبول دولي باستمرار برنامجها النووي ولو بالحدود الدنيا وتجنب خسارته بشكل كلي. ولن يكون كرت التخلي هو الكرت الوحيد الذي ستنهجه إيران خلال المستقبل القريب، بل قد يتفاجأ الجميع بتوجهها نحو إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وإبرام اتفاقية سلام لاعتبارات داخلية وإقليمية.