الحوثيون وفشل غسيل السمعة بالدم الفلسطيني
الساعة 08:09 مساءً

طيلة حرب الابادة الصهيونية ضد الفلسطينيين في غزة، ظهرت جماعة الحوثي على الساحة الإقليمية كلاعبين جدد، منطلقين من صعدة إلى صنعاء إلى البحر الأحمر، وقد استفادوا من الحرب في غزة لتسويق أنفسهم كأبطال للمقاومة والدفاع عن الأمة، لكن هذه المغامرة الإقليمية كانت استثناءً في مسار جماعة تتمتع بثقافة فوقية عنصرية وغير قابلة للإقناع لدى شعوب لا تُحكم بقبضة حديدية أو تُبتز بوظيفة ونصف راتب يسلم كل نصف عام، وهي اليوم- ميليشيا الحوثي- على وشك العودة إلى مربع العزلة بمجرد انتهاء الحرب في غزة، بعد أن توقعوا أن تكون حربًا بلا نهاية كأمنية فطرية لهذه الجماعة التي تعشق القتال وتكره تسديد الفواتير، لكنها انتهت، ومع مرور الوقت سيظهر جليا أن الجماعة قامت بأكبر عملية غسيل سمعة بالدم الفلسطيني.

تؤمن الجماعة بهوية طائفية- مناطقية- عرقية ضيقة، يصعب تعميمها أو قبولها على نطاق الأمة العربية والإسلامية المتنوعة والمعتدلة، فخطابهم الموجه للداخل قائم على الاصطفاء والتميز، بل ونظرية المؤامرة حيث "الآخر"– سواء كان عربياً أو غربياً– هو عدواني بالضرورة، وهذا الخطاب الهدام، رغم فعاليته في حشد الأتباع، يجعله غير قادر على بناء تحالفات إقليمية دائمة أو تقديم نموذج جاذب للشعوب العربية، حتى مع دعمهم للقضية الفلسطينية، تظل النظرة الشعبية العربية لهم نظرة ارتياب؛ فهم في النهاية جماعة متطرفة زادت من معاناة الشعب اليمني، وليسوا نموذجاً ناجحا يمكن تعميمه.

إذا حاولت الميليشيا الحديث عن إنجازاتهم، فسيجدون أنفسهم في مأزق حقيقي، فأبرز إنجاز يمكن التباهي به هو كما جاء على لسان القيادي فيها ضيف الله الشامي أنهم "السلطة الوحيد في العالم التي استطاعت أن تصمد طيلة هذه السنوات دون أن يستلم الموظفون فيها ريالًا واحدًا". 

في واقع يشهد بكارثة شاملة، من انهيار اقتصادي، وأزمة مجاعة وانهيار النظام الصحي، وتدهور التعليم وتطييفه، وهلاك البنية التحتية بفعل الحرب، أو إهمال ما نجى منها، واعتقال الناشطين والصحفيين والمواطنين وإخفائهم ومنع أسرهم من التواصل بهم، وإلغاء أي شكل من أشكال المعارضة. 

كيف تدعي حكومة سيادتها وهي عاجزة عن دفع رواتب موظفيها منذ ثماني سنوات متتالية؟ وفي هذا السياق الكارثي، وجدت المليشيات في حرب غزة فرصتهم الذهبية، إذ حوّلوا أنفسهم من طرف في حرب أهلية مدمرة إلى "مدافعين عن الأمة" ضد إسرائيل، وهذه القفزة التكتيكية كانت محاولة يائسة لغسل سمعتهم التي لوثها الفشل في الحكم والرفض الشعبي لفكرهم العرقي الرجعي. 

راهنت الجماعة على أن الحرب في غزة ستتمدد لتصبح حربا إقليمية تتغير فيها حدود الدول ويتبدل فيها حالهم التعيس، مما يمنحهم رأس مال سياسي لا ينضب دون الحاجة للإصلاح الداخلي أو المحاسبة الذاتية. استخدموا الخطاب العاطفي والشعائري (الشعارات، الأعلام، التهديدات) لتجنيد الدعم المحلي وإبهار المشاهد العربي، متجاوزين عمداً أي حديث عن ملفاتهم الداخلية الكارثية. 

لقد قدموا الدم الفلسطيني كأداة لتنظيف صورتهم، لكن سرعان ما توقف حمام الدم في غزة لتعود هذه السلطة المليشياوية إلى حقيقتها، في الفشل في تحقيق انتصار على كل الأرض اليمنية، والفشل في تحقيق إخضاع الشعب لفكرة الولاية حتى على الأرض التي يسيطرون عليها. 

مع انتهاء الحرب في غزة، سيفقد الحوثيون أكبر ورقة ضغط وإلهاء، وسيعود الضوء إلى مسرحهم الداخلي المظلم، حيث سيجدون أنفسهم وجها لوجه مع شعب منهك وغاضب، واقتصاد محطم، وأزمة شرعية متصاعدة.

قدم الحوثيون أنفسهم كمنقذين، لكن تاريخهم وممارساتهم تثبت أنهم الأزمة ذاتها، وليسوا حلاً أبدًا. انتهت حرب غزة، وبدأت أزمتهم الحقيقية، فالعزلة مصير من لا يقدم لشعبه سوى الشعارات والموت.