الرئيسية - الأخبار - ورقة بحثية تكشف جذور وارتدادات التدخل الإيراني في اليمن والمنطقة
ورقة بحثية تكشف جذور وارتدادات التدخل الإيراني في اليمن والمنطقة
الساعة 05:07 مساءً الثورة نت/ خاص

كشفت ورقة بحثية حديثة صادرة عن مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية، عن جذور وارتدادات التدخل الإيراني في الشرق الأوسط، متناولة حالة اليمن باعتبارها نموذجاً صارخاً للوجود والهيمنة الإيرانية.
الورقة التي أعدها الدكتور فارس البيل، رئيس مركز المستقبل اليمني، تقول إن الهدف الاستراتيجي لطهران يتمثّل في الهيمنة على كامل منطقة الشرق الأوسط، ضمن مفهوم المجال الحيوي في تفكير العقل الاستراتيجي الإيراني، خاصة المجالات المتاخمة لها سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا وأيديولوجيًا، انطلاقًا من مفهوم عقائدي لديها بأنها قوة إقليمية عظمى مؤهلة حضاريًا وعقائدياً لقيادة دول المنطقة. 
ووفق الدراسة فإن الهيمنة الإيرانية على العراق شكّلت مرتكزًا رئيسياً للتغول الإيراني في المنطقة، ومنها جاءت الوثيقة الاستراتيجية "إيران 2025"، باعتبارها خريطة طريق للبعد المستقبلي للدور الإيراني بالمنطقة، والعراق نقطة انطلاق فيها نحو الشرق الأوسط ودوله.
وذكرت أن النظام الإيراني يعتبر السيطرة على منطقة الشرق الأوسط وتحديداً الجزيرة العربية يمنحه التحكم بالعالم الإسلامي هوية وثقافة، والتأثير على العالم الاقتصادي والسياسي وفقاً لمقومات هذه المنطقة الاقتصادية وثرواتها وموقعها الجغرافي ومكانتها السياسية.
ولذلك اتجهت لترسيخ نفوذها منذ ثمانينات القرن الماضي في لبنان ومن ثم العراق وسوريا في الشمال حتى وصلت إلى اليمن. وجيشت لذلك مواردها الضخمة في تسويق نموذجها السياسي الثيوقراطي الطائفي، خصوصًا في دول الجوار الخليجي والعربي.

التدخل في اليمن
تناولت الورقة جذور العلاقة بين إيران واليمن والتي تعود إلى عهد الدولة الحميرية حينما استعان الملك سيف بن ذي يزن بالفرس عام 575 م لطرد الأحباش، وحتى قيام الثورة اليمنية ضد نظام الحكم الإمامي عام 1962، حيث قدَم شاه إيران حينها دعمًا للقوات الملكية.
ومع مجيء ثورة الخميني في إيران استغلت طهران حضور المذهب الزيدي شمال اليمن فاستقطبت بعضَ مراجعه. وسعت لاستدعاء عدد من الطلاب اليمنيين للدراسة في حوزاتها ومؤسساتها الدينية. كما أقامت علاقات محدودة مع قيادات شطر اليمن الجنوبي. 
وبعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990، زادت إيران من نشاطها في نشر التشيع في اليمن بواسطة بعض الكوادر الشيعية العراقية ممن كانوا يقيمون في اليمن أثناء الحصار المفروض على العراق آنذاك.
ومن عام 2004 وحتى 2010م، تصاعد دور إيران في اليمن من خلال دعمها للحوثيين في تمرّدهم المسلح ضد الحكومة اليمنية. ووجد مساحات للتحرك مع دخول اليمن في إطار "الربيع العربي" وتعرض نظام صالح لاهتزازات واضحة عام 2011، حيث دفعت الحوثيين إلى الواجهة بقوة، ودعمتهم صراحة بالمال والسلاح. وشرعت في استقطاب شخصيات مؤثّرة من شمال اليمن وجنوبه.
واستعرضت الورقة، عمليات ضبط شحنات أسلحة إيرانية ضبطت وهي تبحر في طريقها إلى الحوثيين منذ عام 2009. قبل أن تعلن طهران شراكتها مع الحوثيين عقب انقلابهم في سبتمبر 2014م من خلال اعترافها بسلطتهم، وتوقيعها معهم اتفاقيات تعاون في مجالات النفط والكهرباء والنقل الجوي والبحري، وإيفاد خبراء إيرانيين في شتى مجالات. وهو ما أدى لتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في 26 مارس 2015م، مما أعاق التنفيذ الفعلي لتلك الاتفاقيات، وحال دون مزيد من التحكم الإيراني في اليمن.

الحوثية.. أداة إيران في اليمن
وفق الدراسة فإنه ما كان لهذا السيناريو أن يتم دون إعداد إيران للحوثيين بكل أدوات النفوذ والسيطرة والخبرة منذ ولدت الحركة في الثمانينيات، على يد مؤسسها بدرالدين الحوثي الذي استقر بإيران لسنوات منذ 1985. ومعه ضعف القرار الدولي وتغاضيه عن تحركات الحوثيين.
أوردت الورقة بعض الأنشطة الإيرانية المذهبية في اليمن، ومنها افتتاح الحوزات العلمية لنشر الفكر الأمامي وتجنيد الاتباع. قبل أن تعلن الحركة شعاراتها المتأثرة بالثورة الإيرانية منذ العام 2000، ومن ثم إعلان تمردها على الحكومة اليمنية في صعدة عام 2004، وصولاً إلى اجتياح العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر 201، ومصادرة قدرات الجيش اليمني بما فيها الصواريخ الباليستية. 
وقالت إنه رغم مرور أكثر من أربعة أعوام على انطلاق التحالف العربي لمواجهة النفوذ الإيراني في اليمن؛ إلا أن إيران تتخذ الحوثيين ورقة ضاغطة في الصراع، وتؤثر علنًا على قراراتهم في مسارات التفاوض السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة، بل وتعيق كثيرًا من الخطوات التي يمكن أن تضع حدًا للحرب المدمرة لليمنيين.
ورغم توجه المجتمع الدولي إلى إيران أكثر من مرة لأن توقف تدخلها ودعمها للحوثيين إلا أنها تزيد من ذلك، بل اعتمدت مؤخرًا سفيرًا رسمياً للحوثيين لديها، وأعلنت دعمها الكامل لهم بما يمثل وصاية عليا على اليمن.

مخاطر النفوذ الإيراني في اليمن
وفق الورقة البحثة فإن إيران تدرك أن نفوذها في اليمن يعزز من توسعها وتأثيرها في الجزيرة العربية، ويقربها من القارة الإفريقية. خصوصاً ولديها محاولات لإقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر بالتعاون مع بعض الأنظمة في إفريقيا.
وتشير الورقة إلى أنه في حال سيطرت إيران على باب المندب بعد سيطرتها على مضيق هرمز، تكون قد وضعت يدها على أهم الممرات التجارية البحرية الدولية، وباتت القوة المتحكمة بهما، فيما يسمى بحرب المضايق. وحينها ستلحق بالعالم خسائر كبيرة يصعب التنبؤ بحجمها.
وهدف النفوذ الإيراني في اليمن، وفق الدراسة، هو "الإضرار المباشر بدول الخليج العربي في مقدمتها السعودية، والحد من نفوذها وقوتها. وبالتالي تهديد الثقافة والهوية باليمن والجزيرة العربية، وإشغال دول الجزيرة ببؤر صراع مختلفة في شمالها وجنوبها.
كما ترى أن نفوذها في اليمن يمنحها ورقة ضغط إضافية في مواجهة الغرب، وتلويح بالقوة في منطقة استراتيجية تجبرهم على الاعتراف بمصالحها الحيوية. ولهذا ترى أن مصلحتها بقاء اليمن في حالة فوضى واضطراب ولادولة، مما يشكل بيئة حاضنة لمشروعها ونفوذها. 
وتشير الورقة البحثية إلى أن استمرار نفوذ إيران في اليمن وفقاً لأجنداتها الطائفية يسبب شرخاً عميقًا في الجسد اليمني، وسيكون له آثارًا مدمرة للبنية الاجتماعية والتعايش في اليمن وربما الجزيرة العربية لسنين طويلة. كما أنه "يستجلب التنظيمات الإرهابية المتطرفة الأخرى ويوفر لها بيئة خصبة، تهدم ما حاولته اليمن والمجتمع الدولي من محاربة الإرهاب سابقاً.
ويكفي من مخاطر هذا النفوذ أنه أفقد اليمن مقومات الدولة، وأعادها للوراء لعشرات السنين وقضى على اقتصادها وحيويتها، وأدخلها في دوائر الصراع اللامتناهي. وكل ذلك سيؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم في المنطقة والعالم أيضاً، وفق البحث.

تغيير السياسات
أوصت الورقة البحثية المجتمع الدولي بأن يغير من سياسته لمجابهة مثل هذه المغامرات الخطيرة والمشاريع المدمرة لمثل نظام إيران.
وحذّرت من وقوف العالم عاجزًا عن إيجاد حلول لإيقاف هذه الفوضى. مشددة على ضرورة "تغيير السياسات والقوانين والأنظمة والعلاقات الدولية وتسخير المصالح لمحاصرة كل ما يهدد السلام في العالم أو يعطل الحياة وفقاً لرغبات توصف بالجنون.
ومحلياً، أوصت اليمنيين بأن يتوحدوا ويعيدوا قراءة واقعهم وأدوارهم لانتزاع اليمن من دائرة الصراع والاستقطاب، وأن يسعوا للخلاص من النفوذ الإيراني، حتى لا ينزلق اليمن الى حالة لا يمكن العودة ولا النجاة منها.