الرئيسية - عربي ودولي - شبه الجزيرة الكورية على صفيح نووي ساخن
شبه الجزيرة الكورية على صفيح نووي ساخن
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تحليل/ اسكندر المريسي – منذ القرن السابع الميلادي كانت كوريا وطناٍ موحداٍ لكل الكوريين أكانوا في الشمال أو الجنوب وبعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م أخذ الصراع في العلاقات الدولية يتمحور بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي وكان كل طرف بالنظام الدولي الثنائي يحرص على التوسع في محيطه الإقليمي كنقطة ارتكاز لتمديد النفوذ سيما خلال الحرب الباردة ولم تكن كوريا الموحدة بمعزل عن هذا الصراع وكانت نتائجها فصل كوريا إلى دولتين أحداهما تسمى كوريا الشمالية ويعيش فيها حوالي 25 مليون مواطن وأخرى تسمى كوريا الجنوبية ويقطن فيها 50 مليون نسمة وعلى إثر هزيمة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ظل الشمال طيلة العقود الماضية يقدم مبادرات وحدوية لاستعادة وحدة شعب كوريا لكن قوى إقليمية ودولية ظلت تعارض أي تقارب بين الدولتين وخاصة أن إرادة شعب كوريا الشمالية وتماسك نظامها السياسي وإحراز تقدم ملموس في المجال النووي جعل الدول الكبرى تبدي مخاوفها من الوحدة الكورية لكي لا يكون نموذج الاستقلال السياسي والاقتصادي والتقدم النووي لكوريا الشمالية على تلك الوحدة المفترضة خاصة والواضح في السياسة الدولية دونما أدنى شك حقيقة مفادها أن كوريا الجنوبية محتلة من قبل الولايات الأمريكية كما يرى بعض متابعين وأن ذلك الاحتلال بدأ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية مما يجعل من المشاريع الوحدوية التي سبق وأن تقدمت بها بيونج يانج بحسب كل الوثائق والأدبيات السياسية العالمية تقابل بالفشل الذريع بسبب أن كوريا الشمالية طبقاٍ لتلك الأدبيات والوثائق السياسية العالمية مستقلة لا تتبع الصين وإنما لديها علاقات مع بكين دائماٍ ما يتجاذبها المد والجذب بسبب القرارات الدولية المتعلقة بفرض عقوبات اقتصادية على كوريا الشمالية. حيث يرى بعض متابعين لتداعيات الأزمة النووية الجارية في شبه الجزيرة الكورية ترجع إلى سببين أساسيين الأول أن بعض الدول المحيطة بكوريا الشمالية بما في ذلك جارتها الجنوبية تعمل ضمن توجهات السياسة الأمريكية أكان ذلك على الصعيدين الداخلي أو الخارجي والسبب الثاني يتمثل بامتلاك كوريا الشمالية لإرادتها الوطنية وفقاٍ لنظام مستقل سياسياٍ واقتصادياٍ ولو كانت خلافاٍ لذلك على نحو ألمانيا الشرقية سابقاٍ أو بلغاريا أو رومانيا كأنظمة سياسية تابعة للاتحاد السوفياتي سابقاٍ لما بقيت كوريا الشمالية أسوةٍِ بتلك الأنظمة عقب انهيار المعسكر الشرقي. ومعنى ذلك أن قرارها كما أشرنا السياسي والاقتصادي يتأسس على تجربة التيسير الذاتي للتجربة السياسية لكوريا وهو ما جعل نظامها عرضة لسلسلة من الضغوطات وخاصة العقوبات الاقتصادية وليس ذلك فحسب ولكن الواضح كما هو معروف أن الحرب الكورية (1950-1953م) كانت نتيجة طبيعية ترتبت على مساعي الامبريالية ممثلة حينها بالولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق السيطرة على شبه الجزيرة الكورية حيث اندلعت الحرب بين الكوريتن في 25 حزيران 1950م عقب مهاجمة كوريا الجنوبية بدعم وتمويل وتوجيه ضربة لكوريا الشمالية واعتبرت بيونج يانج أن ذلك عدوان من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين فضلاٍ عن قوات الأمم المتحدة التي ساندت كوريا الجنوبية فيما تدخلت موسكو وبكين سياسياٍ. وإن كانت الصين قد أشارت حينئذ إلى أن قواتها ستقف إلى جانب قوات كوريا الشمالية فهم ذلك بأنه تحذير عسكري لدعم موقفها السياسي الداعي إلى وقف الحرب ولم يختلف موقف موسكو في التحذير عن موقف بكين حيث استمرت تلك الحرب ثلاث سنوات وكادت كوريا الجنوبية برغم تعداد جيشها وكثافة سكانها أن تنتهي من شبه الجزيرة الكورية ما جعل الولايات المتحدة تهدد باستخدام القنبلة الذرية بعد ثلاث سنوات من تلك الحرب داعية الصين وموسكو إلى الضغط على كوريا الشمالية بأن توقف الحرب وحصلت مفاوضات بين الطرفين أدت إلى هدنة 1953م. وعلى إثر تلك الحرب ركزت كوريا الشمالية على الأبعاد العسكرية وأعطت أولوية للصناعات العسكرية وأظهرت قانوناٍ جديداٍ استخلصته من العقوبات المتكررة عليها حيث كلما شهد اقتصاد كوريا الشمالية تراجعاٍ وركوداٍ في مجالات مختلفة ارتقت بالسياسة النووية والصناعات العسكرية حتى أصبحت دولة نووية ليس من بين دول شبه القارة الكورية فقط وإنما على مستوى العالم. وقد بدأت الصناعات النووية عام 1958م عقب نشر أسلحة نووية في كوريا الجنوبية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودخلت في سلسلة من الأزمات المتعاقبة خاصة مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان وعندما اعلنت كوريا الشمالية عزمها على الانسحاب من اتفاقية منع الانتشار النووي عام 1993م سارعت واشنطن إلى دعوة الصين وروسيا لإقناع بيونج يانج بإجراء مفاوضات لحث كوريا الشمالية على تعليق انسحابها من المعاهدة النووية وجرت تلك المفاوضات واستمرت كوريا الشمالية في الصناعات النووية خاصة عام 94م وفشلت تلك المفاوضات برغم فرق التفتيش المتكررة من قبل وكالة الطاقة الذرية إلا أن القائمين على وكالة الطاقة الذرية وصلوا إلى قناعة أن بيونج يانج دولة نووية وأن التفتيش غير مجد وأن التفاوض هو الخيار الأنسب. لكن واشنطن ومعها بعض الدول مثل كوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا فضلت سياسة العقوبات الاقتصادية ويرجع ذلك بحسبب محللين وفقاٍ لما أوضحنا إلى استقلالية التجربة السياسية لكوريا الشمالية ثم أن مخاوف تلك الدول من أن بيونج يانج لم تكتف بما أحرزته من تقدم في النشاط النووي ولكنها توسع الصناعات النووية بشكل متسارع وكأن تفكيرها وتركيزها من خلال علمائها على الصناعات النووية بدرجة اساسية رغم إدراجها قبل فترة سابقة من ضمن دول تصنف بأنها إرهابية لكن دعوة الولايات المتحدة إلى إجراء المباحثات السياسية إلغاء ذلك التصنيف خاصة عقب نشوء أزمة بين بيونج يانج وواشنطن عام 2001م على إثر تصدير كوريا الشمالية لصناعة نووية إلى دول العالم الثالث. لذلك جرى فرض حظر علاقات على كوريا الشمالية مع بعض دول مثل إيران وسوريا خاصةٍ وقد انضمت روسيا والصين عامي 2004 و2005م مع اليابان والولايات المتحدة والكوريتين إلى ما عرف بالمفاوضات السداسية لكن تلك المفاوضات خاصةٍ عام 2006م لم تصل إلى أي نتائج حاسمة وبالذات انسحاب اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مع بقاء روسيا والصين فردت كوريا الشمالية على انسحاب تلك الدول الثلاث بإجراء تجربة نووية جديدة عام 2006م بل واستمرت في مواصلة التجارب النووية غير مكترثة بقرارات مجلس الأمن بشأن فرض عقوبات اقتصادية عليها عوضاٍ عن تصاعد التوتر الجاري حالياٍ في شبه الجزيرة الكورية وما نتج عن ذلك من تهديدات متبادلة بين واشنطن وبيونج يانج خاصةٍ وأن سلسلة العقوبات الاقتصادية التي تعرضت لها كوريا الشمالية طوال عقود ماضية قد أدت إلى نتائج عكسية برزت من خلال التقدم الملحوظ في الصناعات النووية الكورية الشمالية ما يجعل من احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وبيونج يانج أمراٍ مستبعداٍ ويرجع ذلك إلا أن كوريا الشمالية على استعداد كامل لتلك الحرب بحسب محللين بل وتفكيرها وانشغالها في الصناعات النووية سبب أساسي ودافع لتلك الحرب التي تأخذها على محمل الجد بدليل ما قاله الزعيم كيم جون أون عندما أعطى توجيهات لكبار القادة العسكريين وقرر «أنه حان الوقت لتسوية الحسابات مع الامبرياليين الأمريكيين في ضوء الوضع السائد» وذلك على حسب قوله. وبناءٍ على ذلك يرى بعض الخبراء المتخصصين في الأزمة النووية مع كوريا الشمالية استبعاد الحرب بغض النظر عن التهديدات المتبادلة والتحذيرات المشتركة وأرجع أولئك الخبراء استبعاد حرب عسكرية في شبه القارة الكورية إلى عدة أسباب أبرزها على النحو الآتي : – تجربة حرب الثلاث سنوات بين الكوريتين 1950 – 1953م. – رغبة كوريا الشمالية لتلك الحرب خاصة وهي تعتبرها بالنظر لتجاربها النووية المتعددة جزءاٍ طبيعياٍ من تلك التجارب تسعى إليها بيونج يانج منذ بدء الصناعات النووية غير مكترثة بالعقوبات الاقتصادية. – إن الهدف من تلك العقوبات أصلاٍ في تقديرات وحسابات السياسة الدولية هو إثناء كوريا الشمالية على وقف النشاطات النووية لأنها صارت دولة نووية ولكنها تسعى من خلال مضاعفة تلك النشاطات النووية لأن تكون أكثر من دولة نووية. – رغبة كوريا الجنوبية بتحاشي الحرب وكذلك اليابان والولايات المتحدة وإلا لما بدأوا بسياسة العقوبات الاقتصادية وإلى إصدار القرارات من مجلس الأمن عقب كل تجربة نووية تجريها بيونج يانج. معارضة الصين للحرب بالنظر لعلاقاتها المتميزة مع كوريا الشمالية حتى أنه دائماٍ ما يطلب من بكين بأن تضغط على بيونج يانج وإنما تمارس عقلنة سياسية على كوريا الشمالية. – وطبقاٍ لما أفاد به متابعون للأزمة النووية مع كوريا الشمالية فإن التصعيد الجاري ضدها بالظرف الراهن وكذلك القرار السابق بفرض عقوبات اقتصادية يندرج ضمن سياسة الترهيب والترغيب لإعادة بيونج يانج إلى المفاوضات السداسية وهو ما يكذب ادعاءات السياسة الدولية بأنها ممثلة بأمريكا وكوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا لجهة الأزمة النووية مع كوريا الشمالية بصدد الحرب وإنما يتحدد الهدف الضغط على بيونج يانج من أجل استئناف المفاوضات معها برغم أن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان هي من انسحبت من تلك المفاوضات والآن تلك الدول وفقاٍ لما يراه بعض المتابعين هي من يمارس التهديدات المعلنة ثم تطالب تلك الدول من الصين وروسيا بإقناع كوريا الشمالية القبول باستئناف المفاوضات لإبقاء سياسة التواصل معها بينما ترفض بيونج يانج العودة إلى المفاوضات السابقة وتفضل خيار الحرب مع تلك الدول نتيجة تراكم العقوبات الاقتصادية ضدها كما يرى أولئك المتابعون لتداعيات الأزمة النووية الكورية أن الحل السلمي لتلك الأزمة لن يتحقق إلا من خلال إجراء مباحثات جديدة تضم أعضاء المفاوضات السداسية مع إضافة الأمم المتحدة لبحث سبل وإمكانية إنشاء معاهدة سلام جديدة ورفع العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية مقابل وقف النشاطات النووية.