الرئيسية - محليات - وقفة للمراجعة وتصحيح المسار
وقفة للمراجعة وتصحيح المسار
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عبدالله غالب المخلافي – يعتبر القطاع المالي «عصب الاقتصاد« وذلك للدور الهام الذي يلعبه هذا القطاع في تحقيق النمو والتنمية وتوفير الموارد المالية وغير المالية وتوجيهها بأقل تكلفة وأكثر كفاءة إلى استثمارات تحقق وتدعم النمو والتنمية واستدامتها بما يؤدي إلى تحقيق الرفاهية لكل أفراد المجتمع وتحسين مستويات معيشة كافة أفراد المجتمع بدون استثناء. وعندما نتحدث عن القطاع المالي فإننا نقصد بذلك المؤسسات المالية العامة صانعة السياسة المالية وكذا المؤسسات المصرفية أو الجهاز المصرفي المتمثل بكل البنوك أو المصارف العاملة في إطار الدولة اليمنية بما في ذلك السلطة النقدية صانعة السياسة النقدية والمشرف على كل البنوك. وتعتبر السياسة المالية والنقدية أكثر السياسات الاقتصادية تأثيراٍ وفعالية للتأثير السريع في الواقع الاقتصادي والتأثير في مستوى المعيشة السائد في المجتمع وخاصة السياسة المالية ذات التأثير المباشر العاجل في الظروف المعيشية للمواطن العادي أو تلك الآثار غير المباشرة ذات الأجل الطويل المرتبطة بمستوى معيشة ورفاهية أفراد المجتمع بالإضافة إلى التأثير الذي تحدثه السياسة المالية في توجيه السياسة النقدية أحياناٍ كثيرة وبالذات في الدول النامية واليمن واحد منها. نقول ما سبق لأن السياسة المالية هي السياسة الاقتصادية التي تشمل تأثيراتها وتشابكات إجراءاتها مختلف الأوضاع والقطاعات الاقتصادية والناتج والدخل والاستثمار والادخار والإيرادات والتأثير على معدلات الفقر والبطالة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي على صعيد المالية العامة وتوازن أوضاع الموازنة العامة للدولة أو تحقيق عجز مقبول في الموازنة لا يتعدى الحدود المعيارية نسبة إلى الناتج المحلي ومعدلات الدين العام في حدوده المعيارية أيضاٍ. فمثلاٍ قررت السياسة المالية زيادة الانفاق العام – بغض النظر عن مسايرة السياسة المالية للدورة الاقتصادية من عدمها – فإن الآثار المباشرة وغير المباشرة لهذا الإجراء تتمثل على سبيل المنال وليس الحصر – تتمثل في توجيه الإنفاق إلى الاستثمار الذي بدوره يتطلب تشغيل عمالة وخلق فرص عمل ومصادر دخل ثم زيادة الناتج من السلع أو الخدمات التي يطبقها ذلك المشروع والذي يخلق بدوره أيضاٍ وعاء إيرادياٍ جديداٍ من خلال الضرائب الواجبة الدفع الناتجة عن مزاولة نشاط اقتصادي عند تشغيل هذا المشروع في إنتاج سلعي أو خدمي وهذا يعمل بدوره على توسيع قاعدة الإنتاج وبالتالي تلبية الطلب على استهلاك مخرجات هذا المشروع سواء كان طلباٍ محلياٍ أو طلباٍ أجنبياٍ (تصدير) أو إشباع رغبات المجتمع المحلي من سلع وخدمات ذلك المشروع وهو ما يعني عدم استيراد السلع المناظرة لمخرجات ذلك المشروع الأمر الذي يوفر ويخفف السحب من رصيد البلاد من العملات الأجنبية لاستيراد ما يوفره ذلك المشروع من سلع وخدمات لازمة لإشباع المجتمع ناهيك عن الآثار الإيجابية التي تترتب على زيادة الإنفاق هذه في توسيع وتراكم الناتج المحلي وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني وبالتالي زيادة الدخل الكلي والذي ينعكس بدوره في زيادة متوسط الدخل الفردي في المجتمع وعلى الرغم من عدم حصر كل التأثيرات المترتبة على قرار أو إجراء زيادة الإنفاق العام كأداة من أدوات السياسة المالية وخطتها المالية المتمثلة بالموازنة العامة للدولة إلا أنه من الملاحظ أن تلك الآثار المباشرة وغير المباشرة على الأوضاع الاقتصادية في البلاد في المديين القصير أو الطويل الأجل سواء كان ذلك الإنفاق إنفاقاٍ عاماٍ أو إنفاقاٍ قام به القطاع الخاص (محلي أو أجنبي) فإن معظم النتائج والتأثيرات السابقة تحدث بتلقائية ووفق المسارات أو التشابكات الاقتصادية المتعارف عليها الخالية من المعوقات أو الظواهر السلبية التي قد تعترض هذا المسار أو ذاك أو بروز ظواهر فسادية أو اختلاس المال العام أو تسربات من دورة الدخل والإنفاق بما يؤدي إلى عدم تحقيق كل تلك النتائج والآثار في مسارات التطور والنمو وتحقيق الأهداف والغايات المنشودة. ولذلك إذا ما برزت مشكلات وظواهر معيقة مثل الفساد والاختلاس أو التسرب أو الإهدار وعدم استغلال الموارد المالية وغير المالية الاستغلال الأمثل فإن النتيجة بالضرورة عدم الوصول بتلك السياسة إلى تحقيق الغايات المنشودة كما ينبغي وكثيراٍ ما تحدث فجوة كبيرة بين الخطط والبرامج والسياسات وحتى الخطاب الرسمي للدولة من جهة والواقع المعاش ولم يلمس المجتمع أي فائدة تذكر من تلك السياسات والبرامج والخطط وتجسيد ذلك في الواقع المجتمعي وهذا بدوره يخلق حالة من عدم الثقة بين كافة أفراد المجتمع من جهة والدولة وسياساتها من جهة أخرى وهذا الوضع هو الذي ساد ولا يزال سائداٍ في اليمن وبعض الدول النامية. إن أزمة الثقة هذه بين المجتمع والحكومة أو صانع القرار المالي ترجع إلى الفجوة الكبيرة بين الواقع الذي يعيشه أفراد المجتمع وبين عدم تحقق أي من البرامج والخطط والسياسات الاقتصادية التي لم تتجاوز الجانب النظري الذي يظل يتشدق به الخطاب الرسمي للحكومة ولم يلمس المواطن تغييراٍ يذكر وهذا يعتبر مظهراٍ من مظاهر فشل السياسات الاقتصادية في تحقيق نقلات نوعية في النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفراد المجتمع خلال فترة طويلة من الزمن على الرغم من عمل الموازنات وبأحجام كبيرة لتلك الموازنات ومبالغ كبيرة مليارات وتريليونات وتدفقات نقدية خارجية للداخل سواءٍ على شكل قروض ومنح ومساعدات بالعملات الأجنبية إلا أنها للأسف عجزت عن إحداث الحدود الدنيا في تغيير المستوى المعيشي للمواطنين في مراحل سابقة ولاحقة كما عجزت عن ردم الفجوة بين الخطط والبرامج التنموية وخطاب الحكومة عن الاقتصاد والنمو والتنمية من جهة وبين أدنى تغيير يذكر أو ملموس في حياه ومستوى معيشة الناس. ولذلك تعمقت أزمة الثقة تلك بين المجتمع والدولة خاصةٍ بعد تنفيذ سياسة اقتصادية وتدفق المساعدات والمنح والهبات من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية بالإضافة إلى اتفاقيات القروض التي أبرمتها الحكومة اليمنية مع دول خارجية بشكل ثنائي ودول عربية ومؤسسات مالية وتنموية عربية بالإضافة إلى استغلال بعض الموارد الاقتصادية مثل النفط والغاز وغير ذلك وترافق مع كل ما سبق إصدارات نقدية جديدة من العملة الوطنية والاقتراض الداخلي من خلال بيع أذون الخزانة وشهادات الإيداع ومؤخراٍ إصدار الصكوك الإسلامية كل ذلك وتلك الموارد المحلية والخارجية إلا أن المواطن اليمني لم تصل إليه عوائد وفوائد تلك الاستثمارات المتضمنة في البرامج والخطط الاقتصادية ولم يلمس أي تغيير في مستوى معيشته اليومية بل تراكم يوماٍ عن يوم معدل البطالة ومعدل الفقر وزيادة الاقتراض الخارجي والمحلي وفي المحصلة النهائية تراكم حجم المديونية الداخلية وازدياد حجم المديونية الخارجية خاصةٍ منذ عام2005م والأشد خطورة في في ظل قيادة حكومة الوفاق الوطني. نسأل اللِه صلاح البلاد و العباد إنه سميع مجيب.

أستاذ الاقتصاد والعلوم المالية والمصرفية – جامعة تعز