عُذراً .. أهل الشمال! 
الساعة 07:04 مساءً

وصل والدي الأستاذ محمد سعيد باكحيل رحمه الله إلى صنعاء في عام ١٩٧٢م عائداً من سوريا بعد سنوات طويلة قضاها في الدراسة والعمل قرابة ربع قرن، بعيداً عن مسقط رأسه دوعن وأهله في حضرموت. أتى إلى صنعاء غريباً وحيداً ليبقى بها بضعة أسابيع ريثما تهدأ بعض الاحتقانات التي كانت في عدن وحضرموت حينها، بناءً على نصيحة أخيه الأكبر، العم علي، رحمه الله،  دخل والدي صنعاء ولم يكن في جعبته إلا حفنة من النقود وصندوق يحتوي على شهاداته وصوره. تلك الأسابيع أصبحت أربعين عاماً ويزيد، استقر به الحال في صنعاء الشامخة وأسس أول مكتب محاسب قانوني حينها، والتحق بالعمل الأكاديمي أيضاً فاصبحت مؤلفاته تدرس الى اليوم بالجامعات و فتح الله عليه فصار علماً يُشار إليه بالبنان، فاغناه الله من فضله بستر الحال ويسر المعيشة. فتزوج في صنعاء من والدتي الدكتورة فاطمة حسين حسن الهمداني والتي أصبحت أول إمرأة يمنية حاصلة على الماجستير والدكتوراه في  الأدب الأيرلندي، وكذلك فعل أغلب أبنائه وتزوجوا من الشمال وأنا منهم.

حينها كان في شمال اليمن عدد لا بأس به من بني قومه الحضارم كآل باشماخ وآل بازرعة وآل السقاف وآل الجفري وآل الصافي وآل باشنفر وآل الحبشي وآل بامشموس، وجميعهم كانوا إما في صنعاء أو الحديدة أو تعز. جميعهم استقروا وتعايشوا وازدهرت أعمالهم وصاهروا من صنعاء وحجه واب وغيرها. لم نلق من أهلنا في الشمال إلا كل خير ونبل وشهامة. 

اختلطنا بهم حتى كاد من الصعب أن يفرق أحد أو يحدد هويتنا إن كنا شماليين أو حضارم. تطبع الكثير منا بلهجات الشمال وأنا منهم كحال كثير من حضارم المهجر الذين أصبحت لهجاتهم إما خليجية أو أفريقية. درسنا في مدارسهم وصلينا في مساجدهم وسكنا في دورهم وتعلمنا الكثير من عاداتهم النبيلة. لم نلق إلا كل خير من أهل الشمال فقد رعونا واحتضنونا بمحبة وكرم كحال جميع المجتمعات التي هاجر إليها الحضارم، إن لم يكن أكثر. وبطبيعة الحال دونما أن نفقد روابطنا وصلاتنا بأهلنا وأرض آبائنا وأجدادنا، فظلت دورنا وعمومتنا وعماتنا وبقية أهلنا في قرانا ومدننا في حضرموت الحبيبة.

أبعد ذلك كله، نطالب بأن نتنكر لأهلنا في الشمال ونتكبر عليهم ونتغطرس لأجل حفنة من براميل النفط والثروة الزائلة، وفائض قوة مستجلبة، بعد أن كنا لا نملك شيئاً؟! يا هؤلاء، ليس كل الشمال من ظلمنا وليس كل الحضارم ملائكة. وما بالسوء ننال مطالبنا وننتصر لقضايانا. فعذراً، لسنا نحن من يرد الجميل بالقبح!