الرئيسية - محليات - الأمية في الحديدة تتجاوز الـ50% من السكان.. ومخـاوف مـن تزايد نسبتها
الأمية في الحديدة تتجاوز الـ50% من السكان.. ومخـاوف مـن تزايد نسبتها
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الحديدة/ فتحي الطعامي –

في الوقت الذي أصبحت دول العالم تتفاخر بالتقدم العلمي والقضاء على أمية الحاسوب والانترنت لا يزال العديد من اليمنيين يرزحون تحت كابوس أمية القراءة والكتابة والتي أصبحت تتزايد يومياٍ بسبب الفقر والوضع الاقتصادي إضافة إلى ضعف انتشار المدراس التعليمية ومحدودية عددها في المدن الثانوية والأرياف ..

محافظة الحديدة تعد في مقدمة محافظات الجمهورية من حيث انتشار الأمية حسب تقارير رسمية سواء كانت تلك الأمية في صفوف الكبار والتي كانت بسبب أوضاع البلاد التعليمية فيما سبق أو بسبب التسرب الكبير للطلاب من الدراسة الرسمية والذين يلجأ البعض منهم للالتحاق بمدراس محو الأمية .. ويرافق تزايد نسبة الأمية في المحافظة أن الجهة المعنية بمعالجة هذه المشكلة هي أيضاٍ تشكو من العديد من الإشكالات .. فالإدارة العامة لمحو الأمية في محافظة الحديدة تعاني من قلة الكادر التعليمي وكذا ضعف أو انعدام الميزانية التشغيلية وعدم وجود مباني تعليمية في المحافظة والمديريات .. ناهيك من أن المكتب أو الإدارة (محو الأمية ) هو الآخر يعاني من تساقط جدرانه وانهيار أجزاء منها .. فالدولة – وكما يقول القائمون على محو الأمية بالحديدة- ما تزال لا تولي إدارات محو الأمية اهتماماٍ رغم الحاجة الماسة .. يأتي ذلك متزامناٍ مع الإقبال الكبير الذي لا يساوي شيئاٍ مقارنة بأعداد الأميين من المواطنين الكبار منهم أو ممن هم في سن الدراسة وأجبروا على ترك المدارس لأسباب مختلفة ..   يتحدث القائمون على إدارة محو الأمية بالحديدة عن إحصائيات ونسب الأمية في المحافظة بصورة تشعرك بحجم الكارثة الموجودة .. حيث يؤكدون بالاستناد إلى إحصائيات رسمية أن نسبة الأمية تتجاوز 50% من إجمالي السكان في محافظة الحديدة أغلب تلك الأعداد في الريف وهي نسبة تتزايد كل عام بسبب التسرب المستمر من المدارس الحكومية للطلاب الذين يلجأون إلى ترك الدراسة تحت مبررات مختلفة سواء الفقر أو بعد المدارس أو غير ذلك .. ناهيك من أن تأكيدات صادرة عن وزارة التربية والتعليم قبل أعوام تؤكد من أن نسبة المتعلمين إلى غيرهم هي (1- 7 ).. أي أن مقابل كل متعلم أو ملتحق بالتعليم(7) أشخاص أميين قراءة وكتابة .. كل ذلك يلقي بثقله على مدارس محو الأمية التي هي أصلاٍ تفتقر لمقومات التعليم ومعالجة الإشكالات الناتجة عن هذا الوضع .. وفي ما يتعلق بالدولة فبالرغم من كل المذكرات والتوصيات الصادرة عن الإدارة العامة لمحو الأمية بضرورة ارتقاء الدولة في اهتمامها بهذه الإدارة إلا أن الدولة ما تزال غير مكترثة بانتشار الأمية وربما هي مشغولة – كما يقول القائمون على محو الأمية – بأمور تراها هي مهمة وذات أولوية ..

زيادة نسبة الأمية وعن سبب الانتشار الكبير للأمية يقول مدير عام محو الأمية في الحديدة الأستاذ محمد علي وهان: إن محافظة الحديدة هي من أكثر المحافظات التي تعاني من انتشار أمية القراءة والكتابة في صفوف أبنائها ولعل الفقر والبحث عن لقمة العيش هي خلف عزوف العديد من الآباء في إلحاق أبنائهم بالمدارس إلا أن ثمة أسباباٍ أخرى يأتي في مقدمتها أن الدولة ما تزال قاصرة عملها في مجال ( التربية والتعليم ) على المدن الرئيسية وتهمل الأرياف والقرى المتباعدة حتى الكبيرة منها الأمر الذي أنشأ وأوجد أجيالاٍ كثيرة من الأميين تضاف إلى الأعداد السابقة من الآباء الذين لم يلتحقوا أصلاٍ بالتعليم .. فالعديد من المديريات في المحافظة لم تصل إليها مدارس التربية والتعليم .الأمر الذي يشكل ثقلا على إدارة محو الأمية في المحافظة .. إضافة إلى عزوف العديد من الأسر عن تدريس بناتهم في الأرياف بسبب العرف القبلي الرافض لعملية الاختلاط بين الفتيان والفتيات. والإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 70% من الفتيات في الريف هن ممن يفتقرن إلى القراءة والكتابة .. ناهيك عن التسرب المستمر من الصفوف الأولى من الدراسة نتيجة لأسباب كثيرة .. كل تلك الأسباب تصب في زيادة نسبة الأمية في الحديدة الأمر الذي يستدعي من الدولة القيام بإجراءات مهمة يأتي في مقدمتها معالجة التسرب الحاصل لمدراس التربية والتعليم سواء في المدن أو في الأرياف .. إضافة إلى وضع خطط تعمل التربية والتعليم بموجبها إلى إيصال المدارس الحكومية إلى المناطق المحرومة منها .. وفوق كل ما سبق فإن الأمر يحتاج إلى وقفة جادة لدعم مدارس محو الأمية خاصة تلك التي في الأرياف التي لم تتمكن التربية والتعليم إلى الآن من فتح مدارس فيها .

مبنى متهالك مبنى إدارة محو الأمية بمحافظة الحديدة لم يعد صالحاٍ للاستعمال.. هكذا يقتنع كل من دخل إليه .. فالمبنى والذي كان عبارة عن سكن لطلاب معاهد المعلمين تحول إلى إدارة لمحو الأمية بالحديدة لكنه لم يعد صالحا اليوم كما كان .. فجدرانه أصبحت متهالكة ويخشى من تساقط سقوفه على موظفي المكتب في أية لحظة .. والدولة والمسئولون في المحافظة غير مكترثين بوضع المكتب أو من يعمل فيه ( هكذا قال لي أحد المنتسبين لقطاع محو الأمية ) .. ليس هذا فقط ما تعاني منه إدارة محو  الأمية .. بل إن الإدارة اليوم أصبحت تسير بجهود القائمين عليها بالرغم من شحة الموارد المالية .. فالدولة لا تعطي هذه الإدارة سوى 30 ألف ريال كميزانية تشغيلية لا تغطي علبة حبر لجهاز الكمبيوتر في الشهر ناهيك عن احتياجات أخرى لا يستطيع المكتب الإيفاء بها كالقرطاسية والمواصلات والتنقلات لمتابعة المدارس … الخ وعن سبب الميزانية الضئيلة قال مدير عام إدارة محو الأمية بالحديدة أ / محمد علي وهان: إن الدولة تتعامل مع إدارات محو الأمية بعدم اهتمام بالرغم من كل المذكرات التي تصدر عن الإدارة والتي تطالب فيها برفع الميزانية نظراٍ لكثافة أعداد الدارسين والوضع الذي يسود العمل إلا أن كل تلك المذكرات لا يتم الالتفات إليها .. وأنا أقول لك إن ميزانية أحد  المكاتب الحكومية في المحافظة ربما تساوي ميزانية كل الإدارات لمحو الأمية في الجمهورية .. ومع ذلك فنحن مستمرون في العمل والمطالبة برفع ميزانية إدارة محو الأمية في المحافظة وضمها إلى ميزانية المجلس المحلي أسوة ببقية الإدارات حتى نتمكن من العمل والإنجاز .. وبالنسبة للمجلس المحلي في المحافظة فإنه لا يقدم أي دعم للإدارة ونحن نطالب قيادة السلطة المحلية في المحافظة بالاستفادة من بعض المبادرات الناجحة التي تمت في بعض المحافظات ( حجة – حضرموت – صنعاء ) والتي قامت السلطة المحلية في تلك المحافظة بتخصيص مبلغ مالي من ميزانية المحافظة لدعم إدارات محو الأمية فيها ..   تعليم في المساجد والمنازل وفي الوقت الذي تعاني فيه إدارة محو الأمية في محافظة الحديدة من المبنى الذي يستخدم كمكتب والذي أصبح آيلاٍ للسقوط تفتقر الإدارة للمباني التعليمية التي من المفترض أن يتم فيها مكافحة الأمية المتفشية في صفوف المجتمع في المحافظة .. حيث لا يوجد أي مبنى مخصص أو مسلم للإدارة باستثناء مبنيين في ( بيت الفقيه – وزبيد – باجل ) وهي مباني يقول القائمون على محو الأمية إنها بنيت في سبعينيات القرن الماضي على أن تكون مباني لتأهيل الملتحقين بمحو الأمية في مجال التدريب المعني بالنجارة والحدادة والسمكرة ( للرجال ) وفي مجال التطريز والكوافير والخياطة ( للنساء ) وفي المقابل يلجأ المعنيون بمحو الأمية في المحافظة إلى ممارسة عملهم في المساجد والجمعيات الخيرية ومنازل بعض المواطنين خاصة في الأرياف .. حيث يتم جمع الراغبين في عملية التعلم في هذه الأماكن لبدء عملية الدراسة نظراٍ لعدم وجود أماكن معنية بعملية التعليم .. هذا الافتقار جعل من مدير إدارة محو الأمية في المحافظة يطالب بضرورة قيام الدولة بتوفير المباني التعليمية المؤهلة والتي تستقبل العدد الكبير من الملتحقين بمدارس محو الأمية في المديريات ..

تعليم متنوع وافتقار للإمكانات تستقبل مدارس محو الأمية سنوياٍ أعداداٍ كبيرة من الملتحقين بها حيث وصل العدد هذا العام إلى ما يفوق من 20 ألف ملتحق جلهم من النساء خاصة في المديريات يأملن كلهن في تمكنهن من القراءة والكتابة .. كما يعمل القائمون على محو الأمية في الحديدة على استهداف القرى الريفية التي لم يصل إليها التعليم الرسمي ( التربية والتعليم ) للإسهام في القضاء على الأمية .. لكن هذا العدد ينقسم في من يريد التعلم على القراءة والكتابة وهي المدارس المعنية بمحو الأمية والبعض منهم يلجأ للتدرب على حرف ومهن في المراكز التابعة للإدارة يقومون فيها بالتعليم على حرف الخياطة والكوافير والتطريز والحناء وغيرها كما يتم تعلم السباكة والنجارة والسمكرة والكهرباء… الخ لكن تلك التخصصات التي تقوم الإدارة بتنفيذها أملا منها في محو أمية القراءة والكتابة والحرفة تفتقر إلى الإمكانات والمعدات اللازمة سواء من حيث الموارد المالية أو توفير المعدات والأجهزة المعنية بعملية التدريب .. ويعمل في مدارس محو الأمية ما يقارب من 400 عامل بعضهم من المتعاقدين ( الذين حصلوا على عقود من الدولة ) وأغلبهم من المتطوعين في المهنة يتوزعون على المحافظة بمديرياتها المختلفة يحاولون جاهدين العمل من أجل الإسهام في التخفيف من الأمية التي أصبحت اليوم خطراٍ يهدد المجتمع إلا أن هؤلاء الموظفين بالكاد يتحصلون على رواتبهم التي لا تأتي إلا في آخر كل عام وهي عبارة عن 20 ألف ريال عن كل شهر ربما لا تغطي الاحتياجات المتعلقة بالمواصلات .. مع العلم أن الدولة ومنذ العام 2008م وحتى اليوم لم تمنح إدارة محو الأمية عقوداٍ إضافية بالرغم من الحاجة الماسة لذلك !! ومع ذلك فإن هذا المبلغ الضئيل مر بمراحل عصيبة ليصل إلى الوضع الحالي حيث كان المتعاقد في مدارس محو الأمية راتبه لا يتعدى 10 آلاف ريال .. وهو أمر يكشف عدم اهتمام الدولة بوضع العاملين في هذا القطاع وربما بعملية محو الأمية برمتها ..

وضع لا يحسد عليه يقول مدير محو الأمية في الحديدة: إن الدولة ما تزال مهملة الكادر الذي يعمل في قطاع محو الأمية بالرغم من المقترحات والتوصيات العديدة التي ترفع تباعا إلى المسئولين في الدولة بضرورة الاهتمام بهذا الجانب .. جهود كان آخرها ما خرج به توصيات قانون محو الأمية والإستراتيجية الوطنية لمحو الأمية في عام 1998م والتي طالبت بضرورة الاعتناء بإدارات محو الأمية والعاملين فيها بما يعمل على الإسهام في مكافحة الأمية وتم الاتفاق على تشكيل مجلس أعلى لوضع آلية تعمل على ذلك ولكن للأسف انتظرنا كثيراٍ ولم يتم تنفيذ تلك التوصيات.. وأضاف: اليوم ونحن نسعى إلى إقامة الدولة المدنية الحديثة دولة المؤسسات والتطور والتي لا يمكن أن تقوم في ظل مجتمع أمي فإن الدولة مطالبة بالعمل على إيجاد آلية تؤكد فيها اهتمامها بتحويل ملايين المواطنين من طابور الأميين إلى عداد القراء على الأقل .. وفي ظل ما تعيشه إدارة محو الأمية في الحديدة من وضع لا يحسد عليه كما هو الحال فإن الأمر يحتاج إلى معالجة جادة ليس بأقل من عقد مؤتمر وطني يدعى إليه الخبراء والمتخصصون والمعنيون لمناقشة التفشي والانتشار الكبير لظاهرة الأمية والتي أصبحت تتزايد بشكل كبير ومتسارع للخروج برؤية واضحة من شأنها وضع الحلول الناجعة لحل هذه المشكلة .. مالم فإن اليمن ومن بينها الحديدة تسير إلى وضع لا يمكن أن تحسد عليه ومستقبل تناضل فيه الدول للارتقاء العلمي والفكري ونظل نحن نناضل من أجل القضاء على أمية القراءة والكتابة ربما لعقود من الزمن..