الرئيسية - محليات - رؤية تقترح دورا◌ٍ رسميا◌ٍ رقابيا◌ٍ في حماية البيئة لتحقيق التنمية المستدامة
رؤية تقترح دورا◌ٍ رسميا◌ٍ رقابيا◌ٍ في حماية البيئة لتحقيق التنمية المستدامة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

نبيل نعمان –

يشكل الفهم الواعي بالدور المنوط بالدولة تجاه أي من القضايا المقدمة المنطقية والمدخل الرئيسي للسير بها نحو النجاح واتخاذ التدابير والإجراءات السليمة من الإدارة الفاعلة والحلول الناجعة لهذه القضية أو تلك .

البيئة إحدى هذه القضايا التي تتطلب دوراٍ واعياٍ لشكل وطبيعة الدور المطلوب من الدولة القيام به وتجسيده مؤسسياٍ وتشريعياٍ والتأطير لحماية وصون البيئة وفق أسس واضحة تؤدي لإنجاز المهام بسلاسة واقتدار وبما يحقق الأهداف من حماية البيئة باعتبارها ركناٍ مهماٍ في التنمية المستدامة .. هذا الأمر كان محور رؤية بعنوان ” نحو فهم أشمل لإشكالية الدور الرسمي في حماية البيئة ” أعدها وقدمها كل من المهندس فيصل احمد ناصر وحياة غالب احمد الأسبوع الماضي إلى مجموعة استقلالية الهيئات في مؤتمر الحوار الوطني الشامل وعرضا في المقدمة تعريفاٍ للبيئة كمدخل للانطلاق نحو جوهر الرؤية الهادفة لتحقيق دور رسمي افضل في حماية البيئة تنسجم والجهود الجارية للتأسيس للدولة الجديدة التي يمهد لها مؤتمر الحوار الوطني . وأشارا الأخوان فيصل وحياة في مقدمة الرؤية : إنطلاقاٍ من إيماننا العميق بأهمية المساهمة المجتمعية في إنجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل وتماشيا مع نص المادة (35) من دستور الجمهورية اليمنية والتي تنص على أن ” حماية البيئة مسئولية الدولة والمجتمع ” نستعرض بشكل مختصر في هذه الورقة أنماط الدور الرسمي في حماية البيئة منذ قيام الجمهورية اليمنية قبل ثلاثة وعشرين عاما مضمنينها رؤيتنا حول شكل الدور الذي يجب أن تضطلع به الدولة تجاه البيئة متجنبين الدخول في شرح تفاصيل المشكلات البيئية والإجراءات المهنية والفنية المطلوبة لحلحلتها على أساس أن ذلك لا يدخل في نطاق مهام مؤتمر الحوار الوطني بقدر ما هو جزء من مهام واختصاصات الجهاز الرسمي للبيئة الذي نحاول هنا تفنيد شكله وطبيعة عمله. وعرض مقدما الرؤية تالياٍ مراحل حماية البيئة في اليمن منذ العام 1990م وتذبذبه بين الاستشاري والتنفيذي وما بينهما مما أفقده الفاعلية عارضين لمعالم ذلك ومقترحين دوراٍ رقابياٍ لتجاوز هذه الاشكالية معززين الرؤية بمجموعة من الرسوم التوضيحة وأهمية ذلك في حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة . ولأهمية ما ورد في هذه الرؤية تنشر (الثورة) ما تضمنته لمزيد من الفائدة والمناقشة على طريق بلورة سياسة اشمل في حماية البيئة أكان دوراٍ رسمياٍ أو مجتمعياٍ من خلال منظمات المجتمع المدني أو أفراد المجتمع وبما يحقق الاهداف الكبيرة لحماية البيئة التي تغدو يوماٍ بعد آخر ركيزة أساسية للتنمية ومحركاٍ للاقتصاد بل وأساساٍ لبناء الدول واستقرارها في المستقبل . الدور الرسمي دور أستشاري في حماية البيئة (1990م – 2001م »مجلس حماية البيئة « اْنشئ مجلس حماية البيئة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (94) لسنة 1990م كجهازا رسمي للدولة يقوم بوضع السياسة الوطنية العامة لحماية البيئة ويتبع إداريا مجلس الوزراء ويتكون أعضاء المجلس من كل من رئيس الهيئة العامة للموارد المائية وممثل وزارة الإنشاءات والإسكان والتخطيط الحضري وممثل وزارة التخطيط والتنمية وممثل وزارة الزراعة وممثل وزارة الصحة العامة وممثل وزارة الإعلام وممثل وزارة المالية لقطاع العلاقات المالية ووكيل وزارة العمل لقطاع العمل وممثل وزارة النفط إضافة إلى الأمانة الفنية لمجلس حماية البيئة ممثلة بأمينها العام عضواٍ مقرراٍ ويرأسه رئيسه. وقد عمل المجلس منذ إنشائه بوتيرة عالية وبذل جهوداٍ في وضع السياسات حيث استصدر قانون حماية البيئة رقم (26) لعام 1995م والذي حدد الاطار القانوني بشأن حماية البيئة وحدد الدور الاستشاري للمجلس ضمن مهامه وذلك من خلال ربط عمله بالتنسيق مع الجهات التنفيذية كما قام بدور مهم في متابعة حلحلة كثير من المشكلات البيئية في اليمن وفي صياغة العديد من السياسات والاستراتيجيات البيئية والتقارير الوطنية والدولية ولكن ذلك كله كان أقل من الطموحات للنهوض بالعمل البيئي وظهر جلياٍ أن الدور الضعيف الذي رسم للمجلس كجهاز استشاري يعيق تحقيق تلك الطموحات حيث أقتصر على تقديم الدراسات والاستشارات البيئية ولا يستطيع إلزام الجهات بتنفيذ هذه السياسات والدراسات وقد أدت تبعية المجلس لرئاسة الوزراء دون أن يحظى بعضوية مجلس الوزراء الى إبعاده عن ما يناقش من مشاريع وما يصدر من قرارات والتي تكون بعضها متعارضة مع السياسات البيئية والدراسات والتقارير الصادرة عن مجلس حماية البيئة مما يجعل المتابعات بعد ذلك لتلافي هذه التعارضات صعبة تتسبب في ضياع للوقت والجهد في عقد العديد من الاجتماعات التنسيقية اللاحقة مع مختلف الوزارات والهيئات التابعة لها لتوضيح هذه التناقضات. الإدراك المبكر لضعف دور المجلس في حماية البيئة جعل القائمين عليه يسعون لتقوية هذا الدور واتجهت الامور الى اعطائه دورا ٍتنفيذياٍ وصوت في مجلس الوزراء من خلال إنشاء وزارة تهتم بالشئون البيئية. الدور الرسمي دور تنفيذي في حماية البيئة (2001م – 2013م( »الهيئة العامة لحماية البيئة « تم إستحداث وزارة السياحة والبيئة في تشكيل الحكومة لعام 2001م حيث استبدل مجلس حماية البيئة ودوره الاستشاري بالهيئة العامة لحماية البيئة بدور تنفيذي واستمر الأمر حوالي سنتين وفي أول تغيير وزاري لاحق أنشأت وزارة المياه والبيئة وأصبحت الهيئة العامة لحماية البيئة تتبع الوزارة الجديدة ..وبهذا اعتبرت البيئة جزءاٍ من السياحة في الحالة الأولى وجزءاٍ من المياه في الثانية في حين أن الحقيقة هي العكس وهذا يترجم القصور لدى متخذي القرار في فهم موضوع شمولية البيئة يوضحه إلحاقها بجزئية معينة من أجزائها ما أفضى إلى عدم إعطاء البيئة الأولوية والأهمية التي تستحقها . بقرار سياسي وبدون نقاش أو حوار جاد تغير الدور والمهمة الرسمية من استشاري إلى تنفيذي فظهرت تحديات أخرى كبيرة أعظم من عدم تمثيل البيئة بوزير في مجلس الوزراء وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه هو ما نوع المهام التنفيذية للهيئة¿وما هي حدودها بين المهام التنفيذية لبقية الوزارات والهيئات ذات القوانين النافذة¿وعلى سبيل المثال مورد المياه واستنزافه وتلوثه من أهم المشاكل البيئية في اليمن ولكن الجهة المسؤولة رسمياٍ على ذلك هي هيئة الموارد المائية اما مورد التربة والحياة البرية فهناك وزارة الزراعة وفيما يخص الموارد غير المتجددة من نفط وذهب ومعادن فهناك وزارة النفط وهيئاتها المتعددة والمورد السمكي وزارة الثروة السمكية وفيما يخص المخلفات الصلبة والنظافة فهناك وزارة الاسكان والاشغال العامة والمخلفات السائلة فهناك مؤسسات المياه والصرف الصحي و بالنسبة لتلوث مياه الموانئ والبيئة البحرية فهيئة الشئون البحرية ومورد الهواء نجد هيئة الارصاد والطيران المدني حتى المورد البشري والذي نسعى لحماية صحته فهناك وزارة العمل والصحة والتعليم والمواصفات والمقاييس والإدارة العامة لصحة البيئة ووزارة الداخلية والإدارة العامة للطرقات و…و…الخ. وبذلكم الزج بالهيئة العامة لحماية البيئة منذ إنشائها في حرب محمومة لانتزاع مهام واختصاصات تنفيذية بيئية هي بحكم القوانين من صميم مهام واختصاصات جهات أخرى لهذا ظل قرار إنشاء الهيئة يواجه العديد من الاعتراضات عند عرضه للموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء وبالرغم من إنشاء الهيئة فعلياٍ في العام 2001م إلا أن قرار إنشائها صدر في عام 2005م. اما اللائحة التنظيمية للهيئة فلم تصدر إلا في العام 2010م وعندما أرادت الهيئة تعديل قانون حماية البيئة رقم (26) لعام 1995م بحيث يتضمن الدور التنفيذي لها قدمت معظم الجهات التنفيذية بما فيها سكرتارية مجلس الوزراء اعتراضات قوية على تلك التعديلات ولهذا لم يصدر حتى الآن بالرغم من تشكيل العديد من اللجان لذلك .. وهنا اضمحل وتراجع العمل الرسمي في حماية البيئة وظل ينكمش حتى لم يعد بإمكانه إنجاز أي مهام وأصبحت الهيئة تتغني بما تم انجازه ايام سلفها المجلس وانحصر النشاط في بعض الاتفاقيات البيئية التي تحصل على بعض الدعم من الهيئات والمنظمات الدولية التي تعنى بحماية البيئة فاقتصر العمل على قلة من موظفي الهيئة دون سواهم وشكل هذا الوضع تجميداٍ غير مسبوق للدور الرسمي لحماية البيئة وصون مواردها الطبيعية. الدور الرسمي لحماية البيئة يفترض أن يكون دوراٍ رقابياٍ .. لماذا¿¿ »جهاز البيئة الرقابي« كما سبقت الإشارة فإن هناك جهات عديدة تستخدم الموارد الطبيعية وتقوم بأنشطة تنفيذية ومما لا شك فيه أن الكثير من هذه الجهات لديها إدارات للرقابة البيئية الذاتية على هذه الأنشطة ولأن كل جهة مختصة بالتعامل مع جزء معين من البيئة فان إداراتها الرقابية تختص بهذا الجزء فقط ما يعني أن الرقابة البيئية مجزأة ومبعثرة هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن طبيعة هذه الرقابة غير مستقلة أي أنها تتبع الجهة ذات المصلحة في استغلال موارد بيئية إضافة إلى أن سلطات موظفي الرقابة في هذه المؤسسات أدنى من سلطة قيادة تلك الجهات وهذا يتنافى مع مبدأ الشفافية في الرقابة والتقييم.من هنا نستطيع الجزم أن أفضل شكل لدور الدولة حيال الشأن البيئي أن يتخذ طابعاٍ رقابياٍ في شكل مؤسسة أو جهاز بيئي رقابي تتوفر فيه الإعتبارات والشروط التالية: أن يكون جهازاٍ مستقلاٍ عن الحكومة وكافة الجهات التي يراقبها . أن يكون هذا الجهاز غير مستفيد أو مستخدم للموارد البيئية . أن يكون هذا الجهاز أعلى من مستوى الحكومة . أن يمتلك أدواته الرقابية الخاصة . وكمثال على الدور الرقابي الرسمي ضمن جهاز الدولة الحالي فهناك الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة التابع لرئاسة الجمهورية والذي يراقب ويقيم استخدامات الموارد المالية من قبل مؤسسات الدولة والحكومة على الرغم من ان هذه المؤسسات لديها إدارات رقابة وتفتيش ذاتية ولكن يقوم بالرقابة الشمولية العامة الحيادية والمستقلة وذات مستوى إداري أعلى حيث يرفع تقاريره الى الرئاسة ومجلس النواب فتستقيم بذلك العملية الرقابية من خلال مقارنة مجلس النواب بين تقارير الحكومة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة . وبالقياس فإن البيئة ايضا عبارة عن موارد طبيعية يمكن ترجمتها لموارد مالية وبما انها تْستخدم من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لهذا يجب ان يْراقب ويْقيم هذا الاستخدام من جهاز رسمي يوازي في مستواه الإداري وإستقلاليته الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مع مراعاة ما يجب ان تكون عليه ادوات الرقابة والتقييم أي ان يتمتع الجهاز الخاص بحماية البيئة بوسائله الفنية والمهنية الخاصة ليلعب دوراٍ هاماٍ في تحقيق التنمية المستدامة بمراقبته لاستخدام وحماية الموارد الطبيعية للبلد حيث من المهم أن يتوفر له مبنى مستقل ومختبرات ومراكز بحثية متخصصة وكادر مؤهل ما يمكنه من توفير تقارير سنوية واقعية حول الوضع البيئي واستخدامات الموارد الطبيعية الى مجلس النواب ورئاسة الجمهورية. الخلاصة مما سبق نستطيع القول أن عملية تأرجح دور المؤسسة الرسمية البيئية بين المهام الثلاثº رقابية استشارية تنفيذية يمكن التعبير عنها بإشارات المرور الضوئية حيث الدور الاستشاري يمكن أن يعبر عنه بالاشارة البرتقالية التى تفيد التأهب للانطلاق ويعتبر دوراٍ مقبولاٍ كبداية للعمل البيئي (مجلس حماية البيئة) ولكن الانطلاق فيما بعد لتطوير العمل كان للأسف في الاتجاه الخاطئ أي الى الدور التنفيذي (الهيئة العامة لحماية البيئة/وزارة المياه والبيئة) الذي يمكن أن يعبر عنه بالاشارة الحمراء وهذا ما ادى الى توقف كل النشاطات البيئية في حين كان من المفترض ان يعزز العمل البيئي بتحويله الى دور رقابي قوي ينقله الى آفاق ارحب للعمل والنشاطات البيئية وهو ما يمكن التعبير عنه بالاشارة الخضراء في هذه المقاربة. وأخيراٍ نختم هذا بالاعراب عن رغبتنا الصادقة في مشاركة هذه الآراء والأفكار والمشاغل والهموم البيئية مع الاخوة أعضاء مؤتمر الحوار الموقرين للتوصل الى فهم سليم لما يجب أن تكون عليه طبيعة الدور الرسمي في حماية البيئة وتحقيق استخدامات مستدامة لمواردها الطبيعية..مسجلين هنا شكرنا وتقديرنا العميقين لكل من تفضل بمشاركتنا هذه المشاغل والهموم .