الرئيسية - الدين والحياة - ولا تعتدوا‮..‬
ولا تعتدوا‮..‬
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

عبدالرحمن محمد المروني – ترتبط العبادة ارتباطاٍ‮ ‬وثيقاٍ‮ ‬بالأخلاق‮ ‬‮ ‬فالعبادة لها أثرها الكبير في‮ ‬تزكية نفس المسلم وتوجيه سلوكه‮ ‬‮ ‬وتهذيب أخلاقه وتقويمها‮.‬ ولو تأملنا النصوص الشرعية والتوجيهات الربانية لاتضح لنا مدى اهتمام الإسلام بتهذيب النفس وتخليصها من أدرانها‮ ‬‮ ‬وذلك من خلال ما تدل عليه تلك النصوص والتوجيهات عدم جدوى العبادة إذا لم‮ ‬يكن لها أثر في‮ ‬تهذيب نفس صاحبها وتوجيه سلوكه‮ ‬‮ ‬فقد دلت تلك النصوص أنه لا تنفع المرء صلاته ولا صيامه ولا أي‮ ‬شيء من عمله الصالح إن كان سيء الخلق لا‮ ‬يكترث بالاعتداء على الناس وإلحاق الأذى بهمº ومن هنا جاء في‮ ‬الحديث الشريف‮: » ‬المسلمْ‮ ‬مِن سِلمِ‮ ‬المسلمونِ‮ ‬من لسانه ويِده‮ ‬والمهاجرْ‮ ‬مِن هِجِرِ‮ ‬ما نِهى اللهْ‮ ‬عنه‮ « ‬‮ ‬وجاء في‮ ‬الحديث الشريف أيضاٍ‮ ‬أن رجلاٍ‮ ‬قال‮: ‬يا رسول الله إن فلانة تْذكر من كثرة صلاتها وصدقتها وصيامها‮ ‬‮ ‬غير أنها تؤذي‮ ‬جيرانها بلسانها‮ ‬‮ ‬فقال صلى الله عليه وآله وسلم‮: »‬هي‮ ‬في‮ ‬النار‮« . ‬قيل‮: ‬يا رسول الله إن فلانة تْذكر من قلة صيامها وصلاتها‮ ‬‮ ‬وأنها تتصدق بالأثوار من الأقط ولا تؤذي‮ ‬جيرانها‮ ‬‮ ‬قال‮: » ‬هي‮ ‬في‮ ‬الجنة‮ «.‬

لقد نهى الإسلام عن كل ما من شأنه الاعتداء على الناس أو إلحاق الضرر بهم في‮ ‬نفوسهم وأعراضهم‮ ‬‮ ‬أو في‮ ‬أموالهم وأهليهم‮ ‬‮ ‬ودلت النصوص الشرعية على أن أذية المسلم والاعتداء عليه أو على ماله أو عرضه‮ ‬يترتب عليه أكبر الخطر وأعظم الضرر‮ ‬‮ ‬ليس على المعتدى عليه وإنما على المعتدي‮ ‬نفسه‮ ‬‮ ‬وذلك لما للاعتداء من أثر في‮ ‬الإفلاس‮ ‬يوم القيامة من الأجور والحسنات‮ ‬‮ ‬وخسران النفس باستحقاق العذاب والخلود في‮ ‬النار والعياذ بالله‮ ‬‮ ‬يقول الله تعالى‮: (‬وِالِذينِ‮ ‬يْؤúذْونِ‮ ‬المْؤúمنينِ‮ ‬وِالمْؤúمنِات‮ ‬بغِيúر‮ ‬مِا اكúتِسِبْوا فِقِد‮ ‬احúتِمِلْوا بْهúتِانٍا وِإثúمٍا مْبينٍا‮) ‬‮ ‬وفي‮ ‬الحديث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سأل أصحابه‮ ‬يوماٍ‮ ‬فقال‮: » ‬أتدرون من المفلس¿‮« ‬‮ ‬قالوا‮: ‬المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع‮. ‬فقال‮: » ‬المفلس من أمتي‮ ‬من‮ ‬يأتي‮ ‬يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام‮ ‬‮ ‬ويأتي‮ ‬وقد شتم هذا‮ ‬‮ ‬وقذف هذا‮ ‬‮ ‬وأكل مال هذا‮ ‬‮ ‬وسفك دم هذا‮ ‬‮ ‬وضرب هذا‮ ‬‮ ‬فيعطى هذا من حسناته‮ ‬‮ ‬وهذا من حسناته‮ ‬‮ ‬فإن فنيت حسناته قبل أن‮ ‬يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه‮ ‬‮ ‬ثم طرح في‮ ‬النار‮ «.‬ وما ورد في‮ ‬النهي‮ ‬عن الاعتداء على نفس المسلم وماله وعرضه‮ ‬يشمل كذلك التعدي‮ ‬على الحق العام والمشاريع العامة الحيوية التي‮ ‬تتعلق بها مصالح الناس ومعايشهم‮ ‬‮ ‬ومن ذلك‮: ‬الطرق العامة‮ ‬‮ ‬والمستشفيات‮ ‬‮ ‬والمدارس‮ ‬‮ ‬والجامعات‮ ‬‮ ‬ومشاريع الدولة ومؤسساتها الخدمية وغير الخدمية‮ ‬‮ ‬ومنها مشاريع النقل‮ ‬‮ ‬والكهرباء‮ ‬‮ ‬والمياه‮ ‬‮ ‬وأنابيب النفط وناقلاته‮ ‬‮ ‬وما إلى ذلك من المشاريع العامة والمؤسسات التي‮ ‬تقيمها الدولة‮ ‬‮ ‬أو المؤسسات الخيرية‮ ‬‮ ‬أو المنظمات الإنسانية‮ ‬‮ ‬أو التي‮ ‬يقيمها الواقفون وفاعلو الخير والتي‮ ‬تهدف في‮ ‬الغالب إلى خدمة المجتمع ورعاية مصالحه‮.‬ وما من شك أن الاعتداء على مثل هذه الخدمات والمشاريع هو اعتداء على كل فرد في‮ ‬المجتمع‮ ‬ينتفع بها ويستفيد منها‮ ‬‮ ‬وبالتالي‮ ‬فالاعتداء عليها جريمة من أكبر الجرائم‮ ‬‮ ‬وإثم من أكبر الآثام‮ ‬‮ ‬وذلك لأن مثل هذه الاعتداءات‮ ‬يتضرر منها العدد الكبير الذي‮ ‬لا حصر له من الناس‮ ‬‮ ‬فيتعدد الإثم بتعدد من لحقه الضرر‮.‬ ولو ضربنا لذلك مثلاٍ‮ ‬ببعض الظواهر السلبية الغريبة عن مجتمعنا وقيمنا‮ ‬‮ ‬ومنها الاعتداءات التي‮ ‬تقع على خطوط الكهرباء‮ ‬‮ ‬فإننا سنلاحظ مدى الأضرار الفادحة التي‮ ‬تلحق بالناس جراء هذا العمل الإجرامي‮ ‬الخبيث‮ ‬‮ ‬ابتداءٍ‮ ‬بحالات الوفاة التي‮ ‬قد تحدث نتيجة انقطاع التيار الكهربائي‮ ‬‮ ‬وتعذر إنقاذ بعض الحالات بأجهزة التنفس الصناعي‮ ‬‮ ‬أو‮ ‬غيره من الأجهزة الطبية التي‮ ‬تستخدم عادة في‮ ‬أقسام الطوارئ وغرف العمليات وغرف العناية المركزة في‮ ‬المستشفيات والمراكز الطبية‮ ‬‮ ‬وانتهاءٍ‮ ‬بتعرض الكثير من التجار للخسائر الفادحة نتيجة توقف الأجهزة التي‮ ‬تقوم بحفظ ما‮ ‬يحتاج إلى الحفظ كالثلاجات والمكيفات ونحوها‮ ‬‮ ‬و تعطل مصالح الناس‮ -‬خصوصاٍ‮ ‬أصحاب الأعمال والمهن‮- ‬نتيجة توقف الآلات التي‮ ‬هي‮ ‬أساس عملهم ومصدر رزقهم كآلات الخياطة وآلات الطباعة والتصوير وغيرها‮.‬ وقس على ذلك جرائم الاعتداء على الطرق العامة بتخريبها والتقطع فيها‮ ‬‮ ‬وجرائم التقطع لأنابيب وناقلات النفط ومنع وصولها إلى الموانئ والمدن والمحافظات‮ ‬‮ ‬وما قد‮ ‬يحصل نتيجة ذلك من تعطيل لمصالح الناس‮ ‬‮ ‬وإلحاق الخسائر والأضرار الفادحة بالأرواح والممتلكات‮ ‬‮ ‬وهكذا الأمر في‮ ‬سائر المشاريع الحيوية والخدمية المتصلة بحياة الناس ومصالحهم‮.‬ هذا من ناحية‮ ‬‮ ‬ومن ناحية ثانية فإنه قد تصعب التوبة‮ -‬إن لم تكن متعذرة‮- ‬على من‮ ‬يرتكب مثل هذه الجرائم‮ ‬‮ ‬وذلك لأن‮ ‬من شرط التوبة مما‮ ‬يتعلق بحق المخلوقين التحلل من الذنب الذي‮ ‬وقع عليهم‮ ‬‮ ‬إما بإرجاع حقهم‮ ‬‮ ‬أو تعويضهم عما فات من حقهم‮ ‬‮ ‬أو الاعتذار إليهم وطلب السماح منهم‮ ‬‮ ‬وكل هذه الأمور مستحيلة ومتعذرة في‮ ‬مثل هذه الحالات‮.‬ فهل‮ ‬يعي‮ ‬من‮ ‬يرتكبون مثل هذه الجرائم‮ -‬ومن‮ ‬يشجعهم ويقف وراءهم‮- ‬بعظيم ما‮ ‬يرتكبونه من جرم‮ ‬‮ ‬وما‮ ‬يتحملونه من وزر‮ ‬‮ ‬وما‮ ‬يلحقونه من أضرار فادحة بأنفسهم ووطنهم وأبناء جنسهم¿¿ وإذا كان أمثال هؤلاء الحمقى‮ ‬يظنون أنهم قادرون على الإفلات من‮ ‬يد العدالة في‮ ‬الدنيا حيث لا رقيب عليهم ولا حسيب‮ ‬‮ ‬فليعلموا أن الله لهم بالمرصاد‮ ‬‮ ‬وهو الرقيب عليهم والحسيب‮ ‬‮ (‬وِلِا تِحúسِبِنِ‮ ‬اللهِ‮ ‬غِافلٍا عِمِا‮ ‬يِعúمِلْ‮ ‬الظِالمْونِ‮ ) ‬صدق الله العظيم‮.‬

[email protected]