الرئيسية - كــتب - هذا الكتاب: قيامة بغداد ..بريمر الحاكم بأمر الله
هذا الكتاب: قيامة بغداد ..بريمر الحاكم بأمر الله
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

محمد الغربي عمران –

قيامة بغداد رواية لعالية طالب صادرة عام 2008 عن دار شمس للطباعة والنشر في القاهرة في223صفحة ..أخذت في قراءة الرواية متصالحا مع نفسي باستبدال عنوانها من (قيامة بغداد) إلى (بريمر الحاكم بأمر الله) وحين قاربت على الانتهاء صادفتني جملة ورأيت أنها أكثر سخرية فتخيلت أنها تصلح عنوانا للرواية: ( زوجة شقيقين ) والعنوانان يثيران الضحك إذ أنهما يسخران من ماضي حكم شمولي وحاضر حكم أفظع وأمر.. خاصة وأنه يوصف بالديمقراطي .. ولا يعني أن عنوان (قيامة بغداد) ضعيف بل أن الرواية وما تحويه من أحداث مهولة هي في مقام القيامة.. فقط كي تكسر نفسي ذلك الجو المأسوي الذي تسيطر على أجواء الرواية من البداية وحتى النهاية.. بل وتجعل القارئ يتوقف ليمسح دمعته التي انحدرت دون إذن. كم أدمعتني جمل القيامة ..تلك الجمل المحزنة.. إنها رواية التفاصيل الجارحة والعبارات الفاضحة.. بل أن الكاتبة اختزلت في كل جملة عوالم مايمكن أن يكتب في عدة صفحات.. ولذلك وجدتني وأنا أقرأ.. أضع العلامات على الجمل الفارقة لأجد نفسي أضع تحت كل الجمل خطوط لأميزها عند عودتي للكتابة عنها والاستشهاد بها. هي رواية الهزيمة الكبرى للعرب.. فاحتلال بغداد من قبل الأمريكيين كان احتلالا لجميع العواصم العربية.. وسرقة الأمريكيين لأثار العراق كان تدمير لكل مقدس عربي وإنساني. ..حين دعمت وشاركت قوات دول عربية لاحتلال العراق .. إنما أباحت احتلال دولها.. والرواية تتنبأ بأن العرب بعد خيانة العراق سيخونون عواصمهم وممالكهم .. هؤلاء الزعماء حين دعموا في نهب غرف نوم العراقيين انما فسحوا الطريق لدخول الأمريكيين غرف نومهم والعبث بخصوصياتهم. هكذا تقول الرواية وتوحي للقارئ. هذه هي رواية القيامة تفصح بكل وضوح عن افلاس الساسة العرب.. قد يهمس قائلا ماتت أيام المبادئ والسياسة..واليوم تسود المصلحة.. ولكن مصلحة الحكام أم مصلحة الشعوب¿ قيامة عالية ليست رواية بغداد أو العراق فقط.. هي قيامة العواصم العربية والمجتمعات العربية.. حين كتبتها عالية لم تكن تلك الأحداث في ليبيا ولا في سوريا ..أو اليمن ومصر قد اندلعت.. ولم يحتفل الحاكم في السودان بفصل جنوبه عن شماله.. ولم يكن ما سماه الغرب بالربيع العربي وهي تسمية بالأصح الربيع الإسرائيلي قد بدأ بتنفيذها.. ليجعل الطغاة في الوطن العربي تصارع الطغاة .. فقط طغاة اسرائيل تزيل بعض طغاة الشعوب العربية. الرواية تنبأت بقيامة العواصم العربية.. وعالية في روايتها الرائعة أدانتنا جميعا حاكم ومحكوم خاصة من يدعون بصلاتهم الثقافية .. على اعتبار أن المثقف ضمير الشعب..وأنه الرائي لمستقبله وصانع وعيه. إذا هي القيامة كما جسدتها عالية.. وهي تقدم لنا مشاهد أقرب إلى السينما الحية .. لكنها لم تكن مشاهد أو مقاطع سينمائية.. بل هو الواقع الذي عاشه العراق ويعيشه حتى اليوم.. لم يكن الأمر كابوس وهمي..ولم يأتي من أعداء خارج جلودنا بل هم منا .. ولم يذبح الحاكم العربي الحاكم العربي بدم بارد وهو من كان يفترض أن يذبح معه أو أن اميركا ترجئه إلى حين.. لكنهم بمساعدتهم للأمريكيين لذبح شعبا واستباحة حرماته.. دمر الكثير من البنيان..ونهب الكثير من الآثار والأموال..ولا يزال. لقد لخصت لنا عالية الجحيم في رواية.. ولا أظن أن تلك تجربتها الحياتية أو سيرتها وهي رصدتها من خلال عيون الراوية.. بل هي تجربة كل امرأة عاشت وتعيش حتى اليوم تلك الجرائم البشعة في حق كل إنسان عراقي. وما قالته وتنبأت به عاليه في جمل هي أقرب إلى طلقات قلقة تومض بسرعة .. وتوشك أن تضيء كل قبح العالم وكذبه وخداعه وعفونته..وهي بتلك الرواية التي جسدتها ككائن يمضي من وسط الهب دون أن يحترق.. لكي يصفها لنا..ويصف من عليها يلتهب.. تعبر على «النواسف».. لكي ترى الأشلاء ونطف الدم.. تصف مايحدث بعين راصدة.. ولم تمض بحكي الأحداث بشكلها التصاعدي زمنيا.. بل هي تلملم أطرافها بمهارة ودراية الحكاية المجيدة .. فتارة تعود إلى الماضي لتأتينا بذكرى لها ارتباط وثيق بما دار اليوم..وأخرى تعود لتقدم لنا حكاية احداهن أو أحدهم حتى تنجلي الصورة. مقدمة لنا عناقيد ملتهبة من الدمع والألم العراقي.. من الحكايات المختصرة والمجتزأة لعذابات النساء.. وجراحات وأشلاء الشباب.. قصص تبخر وضياع أحلام.. وموت آمال بالحياة ..مجرد حياة في وطن أمن بعيد عن أميركا وفجورها.. تصور لنا هم الرحيل عن الوطن بعد أن تحول إلى أتون يضطرم.. أنهر برائحة الموت والبارود. حكايات هي ليست حكايات النساء في العراق فحسب بل أنها حولت قيامتها إلى حكايات النساء في الوطن العربي والعالم. قيامة عالية تجعل القارئ يسير فوق جرح كبير.. لايملك غير أن يسر.. ولا يجد طريق غير تلك الجراح التي أعادت عالية فتحها. تفوح روائح العار والخيانة من حولها .. تريك عالية كم اننا كل منا رخيص عند حكامنا الذين لايهمه إلا أن يحكموا.. تصور لنا قصور الأمس المحمية وقد أحاطتها اليوم الجدران الشائكة ..وفوهات الأسلحة الثقيلة وصفوف المدرعات والجنود .. لتسألنا ما الفرق بين الأمس والبارحة.. وأين كرامة وسلامة المواطن.. الحاكم هو الحاكم لايهمه إلا حدوده الشائكة والمحمية.. والغرب يكذب ويتجمل بحقوق الإنسان ليمر على قلوبنا ويدمر غدنا.. فلا ديمقراطية لديه كوصفة لنا ..فأين هو اليوم من حقوق الإنسان العراقي¿. لقد ترك الغرب كل شيء بعد أمن مصالحة وتأكد من حمايتها وتدفق النفط رخيصا إلى شرايينه.. يضرم النار نقتتل كوحوش الغابة. تفاصيل قيامة عالية..لأحداث تتناسخ وتتناسل في كل ساعة.. قدمتها في قوالب ممتعة من الحكي.. قبيحة برائحة الدماء وطعم الموت والرماد. هي رواية دموع وآهات من بكائيات العراق.. من تراث جلجامش.. ومن أصوات نشيج المراقد.. وحجيج الحسين. بكائية شعب جبار وعظيم.. شعب يتوق للحياة بعزة وكرامة. يحلم بالإنعتاق من هيمنة الظلم العالمي..وهشاشة حكامه.. أن تنجز رواية فوق زلزال تعيشه وعيشك.. شيء عظيم يحسب لعالية.. فوق أنهر من دماء لأحزان.. أن تؤرخ للحظات إدانة لكل ظلم جاء من خلف الحدود كي يقتل ويدمر وينهب..أن ترصد بحواس تتحدى الموت ..تعايش عزرائيل.. وتراقده وتهدهده حتى تكتب جملة تلو جملة بروعة الساردة المتمكنة. لم تترك عالية القارئ أن يتوه في روايتها عن المدينة المدورة مدينة السلام.. فهاهي تقدم جغرافية بغداد..ساحاتها..حدائقها.. مداخلها.. أحيائها أسواقها شوارعها.. ضفافها.. مقاهيها ..مطاعمها ..متحفها مسميات المساجد.. المستشفيات.. أزقة وأحياء طرفية.. كل شيء .. أن تقرأ وأنت ترى فلب الحدث.. أن تركب عربة تحمل جريحا تدور بك حتى تصل إلى عيادة طبيب.. أن تلملم الأشلاء.. وتمسح عرق الراوية المتصبب من على جبينها.. هي رواية جغرافية الموت في بغداد.. تجدل عالية حكاياتها كظفار عشتار لتقدم لنا رواية هي رواية الجحيم.. والأمل. الأمل برفض هيمنة الظلم وقهر الشعوب.. رفض الاستغلال والاستعلاء. تدين النظام السابق وفي الوقت نفسه تدين أنظمتنا المستمرة منذ حين..وتدعو الشعوب ومثقفيه إلى رفض تنفيذ ما يطبخ ويخطط من الخارج….وترفض الإستقواء بالغرب.. وترفض الأوضاع المخجلة الحالية.وتدعو الشعوب إلى الثورات الحقة. تضع أسئلة وأسئلة.. لكنها تتركنا دون أجوبة: لماذا كل ذلك التدمير يا اميركا..تدمير الجسور والمباني والمنشآت.. والمتاحف والحدائق والمنازل ومبان الدولة..والجامعات ¿ لماذا كل ذلك النهب والسلب لأثارنا وثرواتنا.. كل ذلك التعذيب والقتل¿ لماذا كل ذلك إذا كنتم قد أعلنتم بأنكم أتيتم لصون كرامتنا وإنقاذنا! لماذا تدفعون بعنفكم وقتلكم وتدميركم كل العقول العراقية للهجرة .. للخروج من العراق..وتساعدونهم على الهرب من العراق¿.. أسئلة لم تجد لها عالية أجوبة.. وسيختلف القارئ في الإجابة عليها حتما فكل له رأيه. هي تحية لرواية مدهشة.. كم تمنيت أن تطبع وتوزع في الوطن العربي.. وكم أرقب ترجمتها إلى عدة لغات كي يطلع العالم على مآسي شعب وبشاعة وقبح القوى المهيمنة على العالم.. قوى لايهمها الإنسان بقدر ما تهمها مصالحها.. قوى تكذب وتتجمل بالديمقراطية وحقوق الإنسان.وهي من تقتل وتدمر وتنهب.