الرئيسية - كــتب - الزهرة الرميج في” الغول الذي ابتلع نفسه”
الزهرة الرميج في” الغول الذي ابتلع نفسه”
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

● الشخصية القلقة (أنور) هي الشخصية المحورية لرواية “الغول الذي ابتلع نفسه” الصادرة عام 2013م للروائية المغربية الزهرة الرميج عن دار النايا بدمشق. شاب يحلم بأن يكتب الرواية المكتملة.. و همة البحث عن فكرة عظيمة.. مهيئا لنفسه أسباب يظن بأنها ستساعده على اقتناص تلك الفكرة.. وقد خصص شقة بأحد العمائر بأطراف المدينة لكي ينزوي بعيدا◌ٍ عن أي علاقة.. بما في ذلك حبيبته سلمى . الزهرة في روايتها استخدمت حيلة مبتكرة .. تتلخص في توظيف الحوارات الهاتفية التي نقلت القارئ إلى عوالم افتراضية وهذا يحسب لها بامتياز .. وقد قدمت أسلوبا جذابا في عدة حوارات شيقة .. ففي بداية الأمر يتذمر أنور من رداءة شبكة الاتصالات ليرد على شكواه أحد موظفي الهاتف في محادثة لطيفة تشوبها السخرية.. يحلل الموظف تأثير مجانية المحادثات (صوني) ليلا على المجتمع المغربي والعلاقات الاجتماعية.. وعلى مستقبل هذا الشعب الذي يستعيض تدريجيا بالمهاتفة والتواصل عن بعد بدلا من التواصل الطبيعي. وما أن يكتفي موظف الاتصالات بالحديث ويقفل هاتفه حتى يسمع أنور صوت أجش بدلا من أن يسمع صوت حبيبته سلمى. لينصت متعجبا .. ومن هنا تبدأ حكاية أخرى غير حكاية أنور مع سلمى التي تتذمر من برودة وتكاسله مع عاطفتها الفوارة.. ليواصل التصنت على حوار بين محب يبحث عن حبيبته التي فارقها منذ ثلاثين سنة. في البداية تنكر تلك الحبيبة سعاد أن تكون هي التي يبحث عنها.. لكنه في حوارية تمتد عشرات الصفحات يشرح لها بأسلوب مهذب عن الجهد الذي بذله حتى أستدل على رقم هاتفها.. مبينا سبب تركها قبل ثلاثين سنة بعد أن التقطها من الشارع ليقيم معها علاقة لعدة أيام.. بعدها نقلها إلى بيت أسرة صديقه .. مبررا لها سفره في منحة دراسية إلى فرنسا.. معتذرا لها بشدة عما سببه لها من مشاكل! يستمر أنور في التصنت لتبدأ سعاد بسرد ما عانته بعد أن تركها واختفى ابتداء بصديقه الذي أستغلها ثم اكتشاف أم صديقه لحملها ما دعاها لنقلها إلى مستشفى للتخلص مما في بطنها .. وفي تداعيات الإجهاض يتم استئصال رحمها.. ثم تعيش ضمن أسرة تؤويها لتستغلها ربة الأسرة لتدريب أولادها المراهقين وصبيان الجيران على الجنس. أكملت الرميج رواياتها لتترك الباب مشرعا أمام القارئ في قصة سعاد وحميد الذين تعرف عليهم القارئ عبر حوارية طويلة.. وكأن الكاتبة تدعو القارئ لمشاركتها في وضع النهاية التي تروق له.. مثل :هل التقيا بعد المكالمة ¿ وكيف جرت الأمور ¿وهل حميد لا يزال ذئبا رغم دراسته في فرنسا واستقراره بالسويد¿ وكذلك الصراع بين أنور وحبيبته سلمى حول جدوى انعزاله وتفرغه لكتابة الرواية.. هل أقنعته بأن يخطو خطوة إيجابية نحو الزواج بها.. أم ظل على موقفه وإخلاصه لفكرته ¿.. وكذلك علاقة أنور بجارته الأرملة (كنزة) التي تحوم حوله.. تركت للقارئ أن يتخيل النهاية . والأهم أيضا أن أنور لم يصل إلى اختيار فكرة عظيمة – كما يردد – لروايته التي نذر نفسه لها. وهكذا يجد القارئ نفسه أمام عدة حكايات جدلتهن الروائية في ضفيرة واحدة وجعلت القارئ كشريك فعلي ليكمل ارتوائه. الرواية شيقة بتداخل تلك الأحداث.. وتشابك عدة حكايات.. بقدرة تمتلكها الكاتبة على إدارة كل تلك الحوارات بين شخوص روايته بذلك الإتقان والتشويق.. قد لا يدرك تلك التقنية إلا من قرأ الرواية.. حينها سيتذوق كم تلك الحوارات شيقة وممتعة.. وسيدرك أن طول بعضها والتي قد تصل إلى مايقارب العشرين صفحة في المحادثة الواحدة . لقد شعرت أني أمام خشبة مسرح.. وتلك الحوارات الطويلة أعطتني كقارئ متعة الغوص في أعماق شخصيات الغول الذي التهم نفسه. وكذلك ذلك الوصف الدقيق والمكثف للمكان وللشخصيات ما يقرب القارئ من بؤرة الأحداث المتداخلة.. فقد استطاعت الكاتبة أن تقدم للقارئ عمل روائي رائع في ظرف زماني لم يتجاوز اليومين ..وفي مساحة مكانية هي شقة أنور الذي لم يخرج منها حتى نهاية الأحداث.. أي أن أنور حبيس شقته طوال يومين وأحداث الرواية التي تصل صفحاتها إلى 180 صفحة.. وهذا يذكرني بروايات البرتو مورافيا الذي قدم لنا شخصيات أعماله وأحداث رواياته دون أن تخرج الشخصية المحورية من غرفتها. ” الغول الذي التهم نفسه” قدمت لنا عدة قضايا أبرزها الحرية كقيمة إنسانية .. تلك الحرية التي تجلت من خلال علاقات شخصيات الرواية خاصة النسوية وهن يعشن حياتهن بتمرد ومعاناة قاسية في المجتمع الذي لا يفكر إلا بنفسه.. ومن الذكور الذين لا يرون إلا أنفسهم وما عداهم فهو غير جدير بحياة كريمة سياجها الحرية والكرامة.