الرئيسية - اقتصاد - الشاب «أحمد» غرø◌ِبته البطالة وقذفته مأساة الترحيل
الشاب «أحمد» غرø◌ِبته البطالة وقذفته مأساة الترحيل
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

أحمد شاب يمني قادته أقدار البطالة وأوضاع البلد الصعبة اقتصادياٍ وسياسياٍ إلى الاغتراب في الشقيقة الكبرى لليمن المملكة العربية السعودية وحل به ترحاله إلى منطقة حدودية هي «فيفا» قرب الحدود اليمنية حتى انها هي الوحيدة التي سمح لها بالإبقاء على زراعة شجرة «القات» وتعاطيه مما جعلها تكتسب مزايا وصفات المناطق اليمنية المحاددة أمضى أحمد الذي التقيته بعد عودته إلى أرض الوطن هارباٍ مطلع الأسبوع الماضي في هذه البلده حوالي 8 أشهر يعمل في أحد المحلات التجارية المملوكة لأحد المغتربين اليمنيين واسمه «عادل» في الأصل لكن كل الأوراق والوثائق الثبوتية الشكلية والإجرائية ترجع إلى مواطن سعودي يعرف بمصطلح الكفيل وهنا الكارثة يقول أحمد: المحل وكل ما فيه والذي كان طوال 12 عاماٍ خاصاٍ بالمغترب عادل تحول في لحظة إلى ملكية المواطن السعودي الذي بدوره أسدى للمغترب اليمني جميلاٍ بأن نصحه بسرعة مغادرة الأراضي السعودية لكي لا يقع في يد سلطات الأمن ويكون مصيره السجن لأن إقامته غير متوافقة مع الإجراءات التي طبقتها سلطات المملكة مؤخراٍ وشدد المواطن السعودي عليه بأن يغادر قبل صباح اليوم الثاني فما كان عليه إلا قرار الرحيل وعن طريق التهريب وسيراٍ على الأقدام مخلفاٍ وراءه محلاٍ تجارياٍ يحتوي على مجمل تحويشة عمره وسنوات اغترابه وقرر الرحيل ومعه عامله أحمد و7 آخرون كانوا يعملون في نفس المنطقة تاركاٍ ما يزيد على 100 ألف ريال سعودي كل رأس ماله في المحل. معاناة متواصلة هكذا أصبحنا أنا ومن كنت أعمل لديه مشردين يقول أحمد: نلوذ بالفرار في ساعات الفجر الأولى متجهين صوب الحدود اليمنية سيراٍ على الأقدام ولمدة 18 ساعة متواصلة ظل الخوف والرعب وشبح الموت هو ما يرافقنا إلى جانب آلاف المغتربين اليمنيين الذين كان مصيرهم نفس مصيرنا قابلناهم في أماكن مختلفة في الطريق ثم يصمت «أحمد» فجأة أثناء حديثه لي بعد عودته إلى صنعاء مطلع الأسبوع الماضي وتبدو عليه مظاهر الضنك أشعث أغبر قدماه متورمتان من كثرة السير يواصل حديثه وهو ينظر إلى قدميه: والله انه تمزق عليِ حذاءان وأنا أجوب صحارى وجبالاٍ وودياناٍ في الظلام وفي عز الظهيرة ولم أصدق بأننا سنصل إلى اليمن بعد رحلة تهريب موحشة نجوت من الموت بإعجوبة لأن حرس الحدود المدججين بالأسلحة يباشرون إطلاق النار بمجرد ما تقع أعينهم على كائن متحرك حيث فجأة سمعت أصواتهم وهم ينادون «قف مكانك» مطلقين بعض الشتائم وأعيرة نارية فما كان أمامي ومن معي إلا أن نطلق العنان لأقدامنا في متعرجات شديدة الانحدار بأحد الجبال الحدودية ولم التفت إلا بعدما تجاوزت الوادي بين الأشجار والصخور وبعد أن تجاوزنا الخطر توقفنا لنتفقد أصحابنا فلم نجد «عادل» فقلت في نفسي يا الله يبدو أن الرجل فقد دكانه والآن فقد حياته وخيم الحزن علينا ودعوت الله بأن ينجيه ويحفظ حياته ويضيف أحمد: ولم يكن أمامنا خيار آخر غير مواصلة السير إلى الأمام فواصلنا السير إلى أن وصلنا جبال «رازح» في محافظة صعدة وتنفسنا الصعداء وحمدنا الله على السلامة ناسين كل ما لقيناه من أهوال. نقاط تفتيش ويروي أحمد أنه وزملاؤه واصلوا السير في الأراضي اليمنية بواسطة سيارة ولكن واجهتهم نقاط التفتيش في الأراضي اليمنية بعضها تابعة للحوثيين وأخرى للسلفيين وبعضها للقبائل وأضاف قائلاٍ: نادراٍ ما كنا نجد نقطة تفتيش تابعة للدولة وخلال المرور امطرونا بأسئلة من انتم¿ ومن أين اتيتم¿ وإلى اين تتجهون¿ وهكذا في كل نقطة تفتيش وقلنا في انفسنا هل هذا هو اليمن الذي هربنا إليه نطلب الأمن والامان¿ الله يستر وبعد ثلاثة أيام ولياليها وبحمد من الله وصلنا صنعاء يوم الاثنين 18 نوفمبر الجاري وكأننا ولدنا من جديد. وبذلك يكون أحمد البالغ من العمر «28 عاماٍ» وخريج معهد الحوبان التقني والحاصل على شهادة في مجال الهندسة الهيدروليك والميكانيك عام 2009م وملفه في أدراج وزارة الخدمة المدنية بانتظار الفرصة قد انضم مع عشرات الآلاف المرحلين والهاربين قسرا إلى قائمة المنكوبين والذين تتوقع الأمم المتحدة بأن يصل عددهم في النهاية إلى 400 ألف مرحل الأمر الذي سيخلف آثاراٍ وتداعيات كارثية اقتصادية واجتماعية وسياسية قدرها مسؤولون وخبراء اقتصاد بأن فاتورتها ستصل إلى نحو 5 مليارات دولار ما يضاعف أزمات ومشاكل البلاد التي تعاني اصلا اشكال الازمات المستدامة والمعقدة والتي لا يوجد في الافق أي بصيص أمل رغم كثرة الضجيج والصراخ في مؤتمر الحوار الوطني ومعلبات الوعود بالمساعدة وتقديم الدعم والعون من قبل رعاة المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة. قارعة البطالة يلخص أحمد مرارة حظه وحظ أمثاله بقوله: درسنا وتخرجنا فواجهتنا البطالة والأزمات المستفحلة بالبلد قررنا الهجرة والاغتراب فقابلتنا الإجراءات التعسفية من قبل من ندعوهم بالاشقاء والسؤال المزعج الآن إلى أين يذهب أحمد وهؤلاء المنكوبون الذين قذفت بهم الإجراءات السعودية التعسفية إلى قارعة الفقر والكوارث والنكبات رغم أن المغتربين اليمنيين ساهموا في التشييد والبناء بعرقهم وسواعدهم وخبراتهم وأموالهم منذ بداية انطلاق حركة العمران والنهوض في دول الجوار الخليجي ومنذ ما قبل الطفرة النفطية وفي المقابل وكرد للجميل قامت السلطات في هذه الدول بين حين وآخر باستحداث إجراءات تضييق الخناق على المغترب اليمني وكانت أولى تلك الإجراءات ما حصل مطلع تسعينيات القرن الماضي حيث دفعوا ثمن أزمة حرب الخليج حينها حيث رحل أكثر من مليون مغترب لا تزال آثار وتداعيات عودتهم قائمة حتى اللحظة لتأتي اليوم هذه الإجراءات الاشد قسوة وتضييقاٍ ولا أحد يعلم ما يخبئ لنا اشقاؤنا وجيراننا من إجراءات لن تكون أقل كارثية مما يحصل اليوم مأساة أحمد وعادل ومئات الآلاف ممن قذف بهم حظهم العاثر الذين اضطروا للاغتراب ليعودوا مرحلين ليواجهوا واقعاٍ أكثر صعوبة. يرجع ذلك إلى ما تعيشه اليمن من مستنقع أزمات كل واحدة تلد الأخرى ولا يوجد بصيص أمل بقرب انتهائها لأن كل مراكز قوى الصراع والنفوذ والأزمات لا تزال بيدها كل أوراق التعقيد التي تصر على الامساك واللعب بها لخلق المزيد والمزيد من المشاكل والأزمات ولا يهمها سوى كم ستربح لتضاعف نفوذها وأرصدتها وقدرتها على التأثير السلبي في مجريات الأحداث وترحيلها من عقد إلى آخر ومن ثورة إلى أخرى وليذهب الوطن والمواطن إلى الجحيم. في واقع ووضع كهذا يبقى حال المواطن والمغترب المرحل ومن في طريقه إلى الترحيل يقول للحكومة: وماذا سيفعل لنا قسطك الذي استقطعته من موظف هو الآخر أكثر تعاسة وشقاء أما الصندوق المزمع إنشاؤه فمصيره نفس مصير الصناديق التي أنشأت من قبل وما أكثرها. واختتم بعبارة قالها لي خالد غالب أحد أقربائي المغتربين في المملكة بداية الحديث عن إجراءات تعتزم تنفيذها ضد المغتربين: «لا نريد من حكومتنا والإعلام كثرة الضجيج حول مأساتنا بل نريد منهم أن يقيموا لنا دولة قادرة قوية وآمنة ومستقرة نجدها عندما نرجع إليها» وهو مطلب أحمد وعادل وجميع أبناء الوطن.