الرئيسية - عربي ودولي - دولة جنوب السودان وأطماع السياسة الدولية
دولة جنوب السودان وأطماع السياسة الدولية
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

ترجع جذور المشكلة في جنوب السودان إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي عندما بدأت بوادرها حينها واتخذت أبعاداٍ مختلفة من التصعيد أثناء فترة حكم الرئيس محمد جعفر نميري عندما كلف جون قرنق بصفته من الجنوب بحل تلك المشكلة مع المتمردين في البداية والذين كانوا يطالبون بالانفصال وبدلاٍ من أن يقنعهم قرنق عندما التقوا به أقنعوه بمطالبهم بأن يكون قائداٍ للحركة التي جرى تشكيلها وعرفت فيما بعد بالجيش الشعبي لتحرير جنوب السودان. وشهد السودان حروباٍ مختلفة بين جيش تحرير السودان والجيش النظامي استمرت طويلاٍ وجرت اتفاقيات عدة وتسويات مختلفة ومحادثات ومفاوضات كانت تؤدي إلى تهدئة الأوضاع نسبياٍ ثم ما تلبث أن تنفجر مرة أخرى وبشكل واسع حتى تم بموجب اتفاقيات سابقة منح الجنوب استقلالا ذاتياٍ على أن يكون ذلك في إطار وحدة السودان ونجح ذلك الاتفاق وتولى الدكتور جون قرنق منصب نائب رئيس جمهورية السودان. غير أن القوى الدولية التي كانت تدير الحرب وعبر وسائط عدة بين الجيش النظامي وجيش الجنوب لم تقبل بما تم الاتفاق عليه وتجددت المشاكل لتأخذ طابعا من التصعيد وكانت حسابات القوى الدولية تسعى منذ فترة طويلة إلى انفصال الجنوب عن السودان لحسابات سياسية واقتصادية وأمنية تندرج ضمن إضعاف السودان وتجزيء أراضيه فضلا عن أهمية الجنوب الذي تتركز فيه نسبة كبيرة من الثروة النفطية مع إغفال استحداثات السياسة الدولية واستراتيجياتها المختلفة والمتعددة إزاء إنشاء كيان في الجنوب يكون عبارة للقوى الدولية ونافذة سياسية واقتصادية وأمنية لتلك السياسة وتحديداٍ خدمة للمشروع الصهيوني الذي ينشط بكثافة كبيرة في افريقيا وجنوب السودان على وجه الخصوص. وبعد تدخل الأمم المتحدة في جنوب السودان في إطار التحاور مع النظام السياسي في الخرطوم كان ذلك وسط تصعيد واضح من قبل السياسة الدولية التي انحازت للجنوب لمصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية ومارست أقصى درجات الضغط على نظام البشير وقد أسفرت تلك السياسة في التدخل المباشر من قبل الأمم المتحدة وسط تنامي ضغوطاتها المختلفة عن إنشاء دولة من رحم السياسة الدولية والتدخل الخارجي السافر للشأن الوطني السوداني وكان أول المعترفين بدولة الجنوب الكيان الصهيوني مباشرة. ودخل الكيان الجديد فور إعلان استقلاله في تجاذبات مع الخرطوم حول ما جرى تسميته حينها بالمشاكل العالقة في قضايا الحدود بين الطرفين. وتم تسويق ذلك ووقعت الحرب بعد أن تخلى السودان عن الجنوب واعترفت الخرطوم رسمياٍ بالدولة الجديدة وكذلك تخلت عن حقول النفط باعتبارها تقع ضمن سيادة الجنوب مع معرفة مسبقة بعدم امتلاكها مقومات الاستمرار والبقاء كدولة باستثناء ما تملكه من موارد نفطية الأمر الذي جعل من القوى الخارجية تسارع للاعتراف بدولة جنوب السودان وفتحت سفارات لها في العاصمة جوبا وكان أبرز تلك القوى الكيان الصهيوني لتدخل مرحلة جديدة من الصراعات السياسية داخل القوى المكونة لنظام جوبا وما أسفر عن ذلك من تصاعد الخلاف الذي يحمل طابعاٍ سياسياٍ وقبلياٍ عقب إقالة الرئيس سلفاكير لنائبه أريك ماشر مع مجموعة من المعارضين له وما تبادر بعد ذلك من إعلان حكومة جوبا تعرضها إلى انقلاب على رئيسها سلفاكير واستدعاء قوات أوغندية للتدخل جراء الصراع المسلح الذي تشهده دولة الجنوب خاصة بالظرف الراهن وتهدد بحرب أهلية وإبادة عرقية والتي قد تتسع بالنظر لطبيعة الصراع المعقد داخل تلك الدولة وما تريده القوى الدولية التي تستطيع الاستفادة من النفط في ظل ذلك الصراع كأمر طبيعي كان اهتمام العالم سيما القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية بما يجري في جنوب السودان اهتماماٍ قديماٍ جديداٍ في آن واحد لأهمية الجنوب في رؤية القوى الدولية ومشاريعها الاستعمارية المختلفة في واقع تنامي الصراع واستمراره ما يجعل ذلك الاهتمام يرجع إلى أهمية الجنوب في الجغرافيا السودانية وما يحتويه من ثروة نفطية. ومع الترتيبات الجارية لإيجاد شرق أوسط جديد بهدف تجزيء المجزأ ضمن تشاور واسع بين مجموعات الصراع لاعتبارات ترجع كما أشرنا إلى الثروة النفطية أو بمعنى العامل الاقتصادي لاهتمام تلك القوى بجنوب السودان ويأتي ذلك في ظل غياب الموقف الرسمي من قبل الخرطوم وكذلك موقف الجامعة العربية باعتبار دولة جنوب السودان ليست عضواٍ في الجامعة العربية. هذا يعني أن الصراع الدولي سيرسم مسارات الوضع في دولة الجنوب ولو استدعى ذلك إرسال قوات أجنبية كما سبق للأمم المتحدة وأن أرسلت 6000 جندي إلى جوبا تجسيداٍ واضحاٍ لرغبة السياسة الدولية في احتلال دولة جنوب السودان بالقوات المسلحة مع ضمان بقاء الصراع القبلي في تلك الدولة. والهدف مما يجري الآن في جنوب السودان وشماله هو إبقاء هذه المنطقة في حالة صراع بعد نجاح تقسيمها إلى دولتين متصارعتين بغرض تحقيق مصالح قوى دولية كبرى هدفها الأول والأخير هو إضعاف هذه الدول وإبقاؤها في حالة عدم استقرار والسيطرة على ثرواتها ومواردها الاقتصادية عبر وسائل متعددة وملتوية وإن كان ذلك تحت ذرائع حقوق الإنسان أو حماية المدنيين أو تحقيق السلم الدولي.