الرئيسية - عربي ودولي - جوبا وعتبات ماقبل الانفصال
جوبا وعتبات ماقبل الانفصال
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

انفصلت جوبا عن شقيقتها الخرطوم بعد صراع دام لسنين مضت التهم الكثير من الأجساد البشرية وارتوت الأرض السودانية بالدماء الباردة التي سفكت تحت مظلة حق انفصال جنوب السودان الذي يسكنه غالبية مسيحية كمبرر للانفصال , ولكن الواقع ينفي ذلك , فالثروات الطبيعية والنفط هما العاملان الرئيسيان للصراع القديم بين الشمال والجنوب , حيث يستحوذ الجنوب على نحو 75% من احتياطي النفط السوداني . ولم تأت هذه المرحلة الانفصالية من عبث, فقد سبقتها مرحلة تكثيف للنشاط السياسي الإعلامي المستمر الداعي للانفصال برعاية غربية وباستضافة القوميين الجنوبيين الداعمين لانفصال الجنوب وبالإضافة إلى ذلك تولدت مجموعات شبابية واجتماعية كانت تطوف مدن الجنوب تبشر بالانفصال وتستند في خطابها على مجموعة قضايا أهمها الهجوم على المؤتمر الوطني تركيزاٍ على تطبيق الأحكام في القوانين السارية في الخرطوم. وبالرجوع إلى التاريخ السياسي للسودان نلحظ مجموعة من العوامل أدت إلى تقسيم السودان معنويٍا قبل أن تصبح حدوديٍا في القرن التاسع عشر وذلك عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر , حيث قامت السياسات الاستعمارية على إظهار الاختلافات الأثنية واللغوية والعرقية والدينية وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدى الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق. وبعد جلاء القوات البريطانية وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص داخل الدولة السودانية الموحدة وهو الأخذ بنظام الفيدرالية ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة إنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي. وقد تمرد بعض أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني في أغسطس 1955م بدعم من المملكة المتحدة ضد الشمال حيث كانت هناك شكوك لدى الجنوبيين على سياسات وزارة إسماعيل الأزهري التي تشكلت في يناير من نفس العام. أما في العام 1958م وبعد تولي إبراهيم عبود للسلطة قامت الحكومة العسكرية باتباع سياسة التذويب بالقوة مع الجنوبيين وأدى ذلك إلى مطالبة الأحزاب الجنوبية وعلى رأسهم “حزب سانو” باستقلال الجنوب كما تم تشكيل حركة أنانيا التي بدأت عملياتها العسكرية في عام 1963م وبعد الشد والجذب تم بحث تسوية سلمية للصراع والذي أدى بدوره إلى عقد مؤتمر المائدة المستديرة عام 1965م. وتمت توقيع اتفاقية أديس أبابا في العام 1972م والتي أعطت للإقليم الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد إلا أنه في يوليو وسبتمبر من عام 1983م أصدر الرئيس جعفر نميري عدة قرارات أطاحت بالاتفاق منها تقسيم الإقليم إلى ثلاثة أقاليم ونقل الكتيبة (105) وبعض الجنود إلى الشمال وإتهام قائدها كاربينو كوانين بإختلاس أموال كما تم إرسل قوات لإخضاعها فأدى ذلك إلى هروبها إلى الأدغال الاستوائية لتصبح فيما بعد نواة لجيش الرب فكلفت الحكومة العقيد جون قرنق بتأديب الكتيبة إلا أنه أعلن انضمامه إلى المتمردين مؤسسٍا الحركة الشعبية لتحرير السودان ولها جناح عسكري عبارة عن جيش وأعلن إن هدف الحركة هو تأسيس سودان علماني جديد قائم على المساواة والعدل الاقتصادي والاجتماعي داخل سودان موحد وقام برفع شعارات يسارية فحصل على دعم من إثيوبيا وكينيا خصوصٍا الرئيس الإثيوبي منغستو هيلا ميريام. وبعد الإطاحة بنظام جعفر نميري عبر انتفاضة شعبية عام 1985م كان هناك بصيص أمل في التوصل إلى اتفاق مع الحركة ولكنه فشل بعد اجتماع رئيس الوزراء الجديد الصادق المهدي مع قرنق بعام 1986م. ,وبعد ذلك بسنتين تم إبرام اتفاق بين قرنق ومحمد عثمان الميرغني في أديس أبابا والذي نص على تجميد قرارت سبتمبر 1983م ولكن هذا الاتفاق لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ بعد انقلاب يونيو 1989م بقيادة عمر البشير والتي تبنت شعار “الجهاد الإسلامي” ضد القوى الجنوبية مستعينة بقوات مسلحه تدعى قوات الدفاع الشعبي وحققت الحكومة عدة انتصارات عسكرية. وفي بداية التسعينيات بعد سقوط نظام منغستو في إثيوبيا وانشقاق الحركة الشعبية حاولت الحكومة الاستفادة من هذا الانشقاق فأجرت الاتصال منفردة مع لام أكول بوثيقة عرفت باسم “وثيقة فرانكفورت” والتي وقعت في يناير من عام 1992م إلا أن الحكومة السودانية أنكرتها. وفي مايو من نفس العام وتحت رعاية الرئيس النيجيري إبراهيم بابنجيدا أجريت الجولة الأولى للمفاوضات في أبوجا ثم الجولة الثانية في مايو من عام 1993م ولكن لم تسفر هذه المفاوضات عن شيء. وتضاعفت الجهود الدولية من خلال “منظمة الإيغاد” إلى أن تم توقيع اتفاق اطاري يسمي “بروتوكول ماشاكوس” وذلك في يوليو من العام 2005م والذي أعطى للجنوب حكماٍ ذاتياٍ لفترة انتقالية مدتها 6 سنوات وحقق تقرير المصير للجنوب عام 2011م وإجراء انتخابات عامة على كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009م وكذلك تقاسم السلطة والثروة بين الشمال والجنوب بشكل عادل ومنصف. وقد تم الاستفتاء على تقرير المصير في 9 يناير 2011م وصوت الجنوبيون بالأغلبية الكاسحة للانفصال, والذي أدى بدوره إلى إعلان جنوب السودان دولة مستقلة عاصمتها جوبا. وظلت الحكومتان في جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان تمارسان مع بعضهما سياسة لي الذراع وخاصة مع فشل الجانبين في التوصل لاتفاق بشأن تصدير النفط الجنوبي عبر الموانئ الشمالية الأمر الذي فاقم التوتر بينهما وتصاعدت الحرب الإعلامية مما قاد الأمور إلى هذه المرحلة الحرجة. وأصبح جنوب السودان بعد الانفصال دولة ذات واقع جديد وبها معطيات وتحديات جديدة كما أن مستقبلها السياسي والاقتصادي غير واضح المعالم خصوصا مع تهاتف الولايات المتحدة الأميركية والصين للسيطرة على ثرواته الطبيعية وإنتاجه النفطي بوصفه جزءا من سياسة توسيع النفوذ في القارة الإفريقية وكذلك القضايا الخلافية مع الشمال والتي قد تؤدي _بحسب محللين _ إلى حرب أهلية ثالثة ومن أبرزها قضية النفط وترسيم الحدود والنزاع بشأن تبعية منطقة أبيي الغنية بالنفط والتي أصبحت ذات وزن استراتيجي تتصارع عليها القوى الدولية وتشكل أحد المحاور المهمة في قضية الحرب والسلام. وقد أفرز هذا الواقع وضعاٍ سياسيا متوتراٍ وغير مستقر ربما يطول أمده , مما أضفى مزيدا من التعقيد على المشهد السوداني ويتوقف ذلك على استمرارية اللاعبين السياسيين برمي أوراقهم على الساحة الجنوب سودانية .