الرئيسية - كــتب - قطوف من الزمان والمكان في حكايات الجمرة 1-2
قطوف من الزمان والمكان في حكايات الجمرة 1-2
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

حين يقرأ المرء تراجم الفضلاء عبر العصور إنما يكشف عن طبيعة الحياة وأنماطها ويستنبط طبائع أهلها ومعايشهم والظروف التي أحاطت بطبائعهم وتأثير هذه الظروف على مجريات عصرهم لأنهم من يصنعون التاريخ وفق هذه المعطيات . في كتاب (حكاياتي عبر الزمان والمكان ) للأستاذ علي الجمرة نحاول أن نسلط الضوء على بعض المحطات التي نرى أن فيها عبرة لأجيالنا . كانت اليمن ولا تزال بلداٍ زراعياٍ يعمل أكثر سكانها بالزراعة وكان المواطن يولي ذلك الزرع جْل اهتمامه صباحاٍ مساء لذلك كان الفلاحون يقضون ليالي أشهر الصيف في الحقول الزراعية º يأكلون من خيراتها ويتنفسون نسيم هوائها وكان لزاماٍ على الشبيبة أن يواصلوهم بما يحتاجون من لوازم البقاء هناك من الماء والشاي والقهوة في ليلة مقمرة كان على الطفل علي الجمرة أن يحضر (مدل) الماء و(لقامة) قشر البن إلى مكان الحراسة في الوادي ولم يكن قد نبأ إلى ذهنه أن أخته قد اختلط الأمر عليها بين وضع قطعة السكر النبات وقطعة الصابون الأصفر بين القشر لتشابههما لونياٍ وحين وضع القشر في براد الشاي (القتلي) مع قطعة الصابون على النار ذاب الصابون وارتفع زبده حينئذُ هب الطفل علي الجمرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وعند مسك علاقة القتلى الحارة حرقت يده وظل متألما تلك الليلة بسبب نارين توبيخ والده له ونار القتلى. هذه التفاصيل الدقيقة من الحياة اليومية للمواطن اليماني في الريف إنما تدلل على تماهي الإنسان في اليمن والأرض التي يسكنها ويعيش معها تفاصيل الحياة . (لا تخف من قول الحقيقة حتى وإن كنت مخطئا وقولها يدل على الشجاعة وإصلاح الخطأ) . هذه العبارات التي قالها له والده عندما حاول أن يخفي عنه سقوط البقشتين بين الأحجار ليلة أرسله إلى الحاج محمد الحداد لشراء سكر نبات لن أخوض في تفاصيل الحدث º إذ يمكن للقارىء العودة إليه في الكتاب ص76 لكن الذي يجدر الوقوف عليه هو العبارة السابقة حين توجه من أب لابنه أو من مدرس لتلميذه أو من أخُ لأخيه º هب أن كل من كان في موقع المسؤولية يوجه من هو مسؤول عنه بمثل هذه التوجيهات ويربيهم على الصدق والأمانة والشجاعة وقول الحق بالتأكيد ستكون حياتيا أفضل مما هي عليه في الوقت الحالي فقول الحق في وجه الباطل لا يخضع للمساومات و لا لإرضاء الحاكم ولا للمحسوبيات والفئويات ولا… ولا..! ما نطرحه لم يكن بعيدا عن الحياة السياسية في تلك الحقبة من الزمن فالفتوى السياسية لم تكن طارئة في اليمن بل ارتبطت بصوغ إرضاء الحاكم وما يخدم مصالح حكمه فقد قام المواطن زيد بن زيد الجمرة عام 1951م بشراء راديو فلبس أبو أربع موجات وكانت حديث منطقته تقاطر الناس للاستماع إليها من مديريات جبل الشرق وعتمة والسلفية مدهوشين من هذا الصندوق الذي يتحدث ويجلب لهم أخبار : محمد نجيب وجمال عبدالناصر والعدوان الثلاثي على مصر وحرب الجزائر وغيرها حين انتشرت مثل هذه الأنباء شعرت السلطة في اليمن أن هذا الصندوق العجيب بات يشكل خطراٍ عليها فصدرت فتوى تحريم الاستماع للراديو من قبل السيد علي المروني وكانت على 16 ورقة لكن جاء الرد على فتوى التحريم من قبل العلامة السيد غالب نوح المروني في كراسة بنفس الحجم مفنداٍ فيها مبررات تحليل الاستماع ومن ثم عدل السيد علي المروني عن فتوى التحريم محللاٍ الاستماع للأخبار بعد ثورة 26سبتمبر 62م هذا الاهتزاز في الشخصية العربية مردها إلى سوء الأنظمة العربية التي ترى أن شعوبها ينبغي أن تسبح بحمدها عشية وضحاها وأن من يخالفها إنما يخالف الله عز وجل وأن على هذه الشعوب السمع والطاعة والعمل بما يرضي الحاكم والعيش على فضلات موائده لذلك لم يكن هناك وجه للمقارنة بين المروني الذي خرِم المذباع لإرضاء الإمام وبين السيد الياباني (سوزوكي) الذي أغضب إسرائيل حين اتهمها بالعنصرية لأنها أوقفته بمطارها فقط لأنه كتب في كرت الدخول أنه يجيد اللغة العربية حين سوئل هل لديك متفجرات ¿ أجاب بنعم ساخراٍ منهم ومشيراٍ إلى أن المتفجرات في حقائبه وأعلنت حالة الطوارئ في المطار وغادر الركاب الصالة هرباٍ وعند تفتيش الحقائب وجدوا فيها كامرات تصوير لأنه كان ضمن بعثة إعلامية لتغطية ثورة الحجارة في فلسطين بعد التحقيق مع السيد سوزوكي والضابط الإسرائيلي أعترف الضابط أنه سأله السؤال السابق فأشار السيد الياباني إلى أن هذا الأسلوب إهانة لكل العرب ومن يتحدث اللغة العربية وأن الضابط قد أوضح النظرة الإسرائيلية للفلسطينيين . امتثالا لتربية الوالد وتعليماته في قول الحقيقة ـ وإن كان مْخطئاٍ ـ يأتي اعترافه بكتابة عبارة ” قرر مجلس الفصل الانصراف اليوم والحضور غداٍ بإذن الله” على سبورة قاعة الدبلوم العام في كلية التربية قسم الدراسات العليا حينما تكرر غياب مدرس مادة المباني المدرسية رغم إجماع كل طلاب القسم على الانصراف إلا أنهم أنكروا اتفاقهم معهحينئذُ ما كان من أستاذ المادة الذي حقق مع زملائه قبل اعترافه إلا أن يشكره على صراحته وشجاعته على قول الحق وإن كان الحق عليه مشيراٍ بذلك إلى زملائه للتعلم من هذا الطالب اليمني الذي يقول ويعترف بالحق ولا يبالي فيه لومة لائم .