الرئيسية - عربي ودولي - الفقر..معركة الإنسانية القادمة
الفقر..معركة الإنسانية القادمة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تظل الحداثة أو العصرنة أهم شاغل للعقل البشري على أرجاء الكرة الأرضية في كل سنة جديدة تظهر ومعها مخزون من التطورات والابتكارات والتي دخل بعضها اللا مألوف والخيال حتى أصبحت الدول بأفرادها في أنهماك لمحاولة صناعة المستقبل اليوم لتفرض دولة ما هيبتها على الأخرى دخولاٍ في أتون حروب قد تأكل الأخضر واليابس وتقضي على البشرية التي هم من سكانها . ومع تتابع السنين وخروج الناس عن المألوف تظل هناك أجساد تئن لحاجة أبرة مهداة منها , وأمعاء تتصلب لقلة رغيف العيش عنها , وأصوات طفولية تصرخ لجفاف اللبن في صدر رضيعتها , وكثير من تلك الأشياء التي ينتجها ذلك الفقر المتخفي وراء القضبان ويقبع تحت المحاكمة الإنسانية إلى حين يصدر عنه الحكم بالسجن والإعدام ليتسنى للإنسانية فتح صفحة جديدة يسودها الوئام وتقاسم لقمة العيش بين الغني والفقير ويصبح الفقر ومخلفاته من براثن الماضي الذي لا رجوع إليه . الفقر بكل ما يحمله من مسميات أضحى اليوم حرباٍ إنسانية جديدة بدأ ينخر أساس معظم الدول وبات ضرورة ملحة على الدول وحكامها الالتفات إليه ومعالجة مراحل تطوره نظراٍ لما يسببه من آهات على الزمان والمكان . وينقسم الفقر إلى مستويين أولهما الفقر (المدقع أو المطلق) أي مستوى الدخل الذي لا يكفي للاحتياجات الغذائية الأساسية والذي يؤدي بدوره إلى أحد أمراض سوء التغذية , ويكون دخل الفرد أقل من دولار واحد يومياٍ ما يعادل 220 ريالاٍ , وأما الآخر فهو فقر (الاحتياجات الأساسية) وهو مستوى الدخل الذي لا يكفي للاحتياجات الأساسية من غذاء وكساء ومسكن ورعاية صحية , ويقدر بالدخل الذي يقل عن دولارين يومياٍ للفرد أي ما يعادل 440 ريالاٍ . وفي دراسة تحليلية للبنك الدولي لمكافحة الفقر يظهر أن عدد من يعيشون في فقر مطلق في مختلف أنحاء العالم انخفض بشكل حاد خلال العقود الثلاثة الماضية إلا أنه لا يزال نحو 400 مليون طفل يعيشون في مثل هذه الأحوال البائسة. وأكدت الدراسة على صعوبة بلوغ هدف إنهاء الفقر المطلق بحلول عام 2030م وخلصت إلى أن جهود الحد من الفقر حقِقت تقدماٍ كبيراٍ في البلدان متوسطة الدخل مثل الصين والهند لكن البلدان منخفضة الدخل سجِلت تقدماٍ قليلاٍ جداٍ, ومع كل ذلك التقدم إلا أن البلدان منخفضة الدخل الخمسة والثلاثين في العالم التي يوجد 26 منها في أفريقيا شهدت زيادة عدد من يعيشون في فقر شديد بواقع 100 مليون عما كان عليه قبل ثلاثة عقود. وبحسب تقرير مكتب التعداد الأميركي عاش 16.1 مليون طفل و3.9 مليون شخص فوق 65 عاماٍ في فقر العام الماضي, أي أن عدد الفقراء ارتفع في الولايات المتحدة ارتفاعاٍ طفيفاٍ ليبلغ 46.5 مليون شخص مما يعني بقاء المعدل الوطني للفقر مستقراٍ عند 15%. وهذا هو العام السادس على التوالي الذي لم يتحسن فيه معدل الفقر على الرغم من تعافي البورصة وخروج الولايات المتحدة من الركود عام 2009م , ويعزو بعض المحللين استمرار الفقر إلى تغير طرق التوظيف وتقليص شبكة الرعاية الاجتماعية فيها . وكشف إحصاء حكومي سويسري بأن عدد الأفراد السويسريين الذين يعيشون تحت عتبة الفقر أزداد بنسبة 50% خلال بضع سنوات وأن هذه النسبة في حالة ازدياد , وأن 6% من العمال لا يحصلون على دخل كافُ لمعيشتهم, في الوقت الذي تتجمع أموال معظم أغنياء العالم الكبار والتجار الدوليين في المصارف السويسرية وتجني الحكومة مبالغ خيالية جراء الفوائد والعوائد المالية الكبيرة التي تفرضها القوانين المالية السويسرية على المشاريع والأعمال التي تقوم بها الشركات . إلى ذلك أفاد تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن المنطقة العربية ككل لم تشهد تقدماٍ مهماٍ في خفض عدد الأشخاص من ذوي الدخول الضئيلة , والمشكلة أن بعض الدول تعاني من عدم الاستقرار والعنف اللذين لا يتسببان في إبعاد الاستثمار وتدهور الاقتصاد فقط , وإنما في عرقلة جهود تحقيق تقدم في مجالي الصحة والتعليم وحماية البيئة وتقويض جهود تحقيق أهداف المنظمة الدولية لمكافحة الفقر بحلول عام 2015م . وأشار التقرير إلى أن الدول العربية الفقيرة وهي السودان والعراق واليمن والصومال وفلسطين , قد لا تستطيع تحقيق الأهداف الثمانية لمحاربة الفقر بحلول عام 2015م والتي أقرت في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في. العام 2010م وقد أطلقت الأمم المتحدة نداءٍ إنسانياٍ لتقديم المساعدة لليمن حيث تقول إن قرابة 15 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية من بينهم مليون طفل يعانون سوء التغذية , وأن 54 في المئة من اليمنيين الذين يبلغ تعدادهم حوالي أكثر من 25 مليون شخص تحت خط الفقر فضلاٍ عن ارتفاع معدلات البطالة إلى 40 في المئة بصورة عامة وفي أوساط الشباب إلى ما فوق 60 في المئة , وخلال عام 2013م استمر التدهور الاقتصادي والأمني وتزايدت معاناة اليمنيين جراء ازدياد الهجمات التي استهدفت أنابيب نقل النفط والغاز وخطوط نقل الكهرباء وكابلات الإنترنت والهاتف الثابت , وتضرر ما يقدر بنحو 58 في المئة من سكان اليمن (14.7 مليون شخص) بسبب الأزمة الإنسانية الحاصلة في البلاد. وتعتبر مجموعة البنك الدولي لمكافحة الفقر أن الحكومات في عديد من الدول الفقيرة جزء من المشكلة وليس جزءاٍ من الحل لمتطلبات التنمية, نظراٍ لمركزية الإدارة واتخاذ القرار خلال العقدين الماضيين والتي عانت فيها الدول الفقيرة بلا استثناء من الكساد الاقتصادي مع نمو مطرد في حجم الدين العام وانخفاض أسعار المواد الخام المصدرة نتيجة تحديات الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية المفروضة من قبل وكالات التنمية العالمية , فتدهور معدل النمو الاقتصادي كثيراٍ في معظم الدول الفقيرة وغياب القياس الكمي لمستوى شدة وعمق الفقر وغياب نظم المعلومات وما تقترن به من مسوح ميدانية على أسس علمية عامل بالغ الأهمية في فشل سياسات مكافحة الفقر. وأشار خبراء اقتصاديون في البنك الدولي أنهذ إذا واصلت البلدان النامية معدلات بتحقيق نمو قوية في السنوات السبع القادمة فإن ذلك سيعمل على هبوط المعدل العالمي للفقر إلى ما دون 10 في المائة للمرة الأولى منذ تم الإعلان عن مثل هذه الأرقام لأول مرة في تقرير عن التنمية في العالم في عام 1990م , حيث يشهد الفقر العالمي تراجعاٍ مطرداٍ منذ عام 1990م عندما كان 43 في المائة من سكان البلدان النامية يعيشون في أوضاع الفقر أي ما يقدر بنحو 1.9 مليار نسمة من الفقراء وقد انخفض هذا العدد إلى 1.2 مليار نسمة في عام 2010م. ويشكل توفير الوظائف وفرص العمل للأفراد ركيزة أساسية للتنمية في البلدان النامية حيث يتجاوز مردودها الكثير وذلك لما تدره من دخل على الفرد وازدهار المدن وتوفير بدائل عن أعمال العنف للشباب, وبذلك يكون لها أهمية كبرى في الحد من الفقر والدفع بعجلة التنمية إلى الأمام .