الرئيسية - كــتب - محسن سليمان خلف الستائر المعلقة
محسن سليمان خلف الستائر المعلقة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

خمسة عشر نصاٍ قصصياٍ هي باكورة إصدارات القاص الإماراتي محسن سليمان.. الصادرة في طبعتها الأولى من دار فضاءات 2012م والتي تقع في 103 صفحات. تتنوع مواضيع نصوص المجموعة وعالجتها, كما تتعدد أساليب سردها من قصة إلى أخرى. وقد قدم لنا الكاتب في عدد من نصوص المجموعة تلك العلاقة العاطفية بين الذكر والأنثى بما تحمله من تبعات نفسية ذاتية لشخصيات النصوص, وكذلك ما تحمله من أبعاد اجتماعية ودينية, كما أطرها بالذاتية, كنصوص :خلف الستائر المعلقة وهذيان وذكرى في مهب الريح وحب وحسرة و.. ويوم سهل ..ممتنع, وجه وتفاحة وفلم هندي. وقد تجاوز الكاتب ذلك إلى ما هو أبعد من الذاتية.. حين عالج في أكثر من موضوع قضايا ذهنية ما يدل على أن الكاتب يجيد فن السرد مثل نصوص : دفن حيا واليوجا وغيبة مؤقتة, ولادة طارئة,الطير,سوبر شهيد. وهناك نصوص تعالج قضايا العمالة الوافدة وتأثيرها على الحياة الاجتماعية الإماراتية ومن تلك النصوص: فلم هندي وليلام, والذي يناقش النص الأول تلك التحولات الاقتصادية والمجتمعية التي طرأت على مجتمع الإمارات وذلك الكم المتدفق من العمالة بعاداتهم وسلوكياتهم ومهنهم وما ينتج ذلك من علاقة إنسانية مع السكان الأصليين , في الوقت الذي أنتقل السكان المحليون للسكن في أحياء جديدة أحتل الوافدون تلك المساكن القديمة ليكونوا مجتمعا شبه منغلقا داخل المجتمع الكبير. يرصد لنا الكاتب لحظة حنين ذلك الشاب إلى مسكن جدة فيقرر زيارة الحي القديم وهناك يكتشف ذلك المجتمع الذي يسكن الحي ويمارس حياته بشكل معزول ومنغلق .. والنص الثاني (وليلام) يناقش قضية عامة قد تبدو في بداية أصدر النص بأنها قضية اجتماعية محلية لكنه يكشف الأمر ويتجاوز ذلك من معالجة موضوع وافد بائع متجول إلى إلى قضية تمثل ظاهرة يعيشها المجتمع الإماراتي في سنوات التحول من مجتمعات نامية منكفئة على نفسها إلى مجتمعات منفتحة ومتطورة ليتحول ذلك البائع المتجول من بائع يحمل سلعة البسيطة ويدور بها على رجليه إلى شخص يمتلك عربة محملة بسلع متنوعة, ثم يختفي فجأة , وباختفائه يطرح الكاتب عدة قضايا ولا يجزم على إحداها بل يعدد أسباب اختفاء ذلك الأفغاني وكأنه يعدد حالات مماثله لوافدين تحولوا إلى تجار كبار وآخرين إلى إرهابيين أو ضمن رجال سلطة كابول. من خلال الأسلوب السهل والمتماسك تؤشر تلك على امتلك الكاتب ناصية السرد حين يختار مواضيعه مما يعيشه المجتمع من حوله ويلتقط تلك الأفكار من مشاهدات أو معايشات قد تصادفه, ليصيغها في قالب مشوق, وقد يلاحظ القارئ كم تحمل بعض نصوص المجموعة الرمزية العالية بشكل مدهش وبعيدا عن المواربة. مثل نصوص: امرأة وتفاحة والطير وغيبة مؤقتة وغيرها. نصوص المجموعة تتسم بحبكة تتصاعد فيها حدة الصراع لينتقل ذلك الإحساس إلى القارئ ,ليعيش شعور أزمة شخوص النص, ذلك الصراع إلى يحتدم لينتج عنه مزيد من الأسئلة, دافعا بالقارئ إلى المزيد من التوقع ومزيد من التحليل والاستنتاج مشاركا بذلك الكاتب في تخمين ماذا بعد ذلك الصراع. وما يشد القارئ بدايات تلك النصوص قدرة الكاتب على جذب القارئ وتشويقه لمتابعة القراءة من أول جملة حيث يجيد لعبة التلغيز والإبهام من خلال جمل لا يستطيع القارئ الفكاك من متابعة كشف غموضها فمثلا يقول السارد في السطر الأول من قصة خلف الستائر المعلقة”..توقفت فجأة.. لا يمكنني العبث أكثر.. نفضت جسدي …” وفي بداية نص ولادة طارئة يقول” ساد المكان صوت رهيب.. الكل في ترقب…” وفي بداية نص شيء ما”… فزعة صحت من نومها…بحثت في فراشها عن شيء ما…” الخ تلك الجمل التي تغري القارئ بمتابعة القراءة حتى نهاية النص . مستخدما تقنية الحلم الممزوج بالفنتازيا في أكثر من نص منها : ذكرى في مهب الريح و دفن حيا و اليوجا وحب وحسرة و شيء ما و غيبة مؤقتة . تلك النصوص التي تشد القارئ إلى التخييل حول مقاصدها. كما تدعوه إلى فك شفراتها التي دوما ما تأتي بعد قراءة ثانية للنص. نهايات معظم النصوص مفتوحة تترك القارئ أن يعيد خط سير سرد كل نص بعد اكتماله باحثا عن أجوبة لما اعتمل بداخله ليصل أولا يصل إلى نهاية ترضيه. مستمتعا من أسلوب الكاتب في تدوير سير أحداث بعض نصوص مجموعته بشكل يجعل القارئ يعود مع نهاية كل نص إلى بدايته. وهذه التقنية قلة ما يستخدمها بعض الكتاب المتمكنين ومن لهم باع في الكتابة السردية. يضع الكاتب أجوبة محتملة لأسئلة قديمة, في الوقت الذي يبرعم أسئلة وأسئلة لما نعيشه اليوم من حياة معاصرة وكأنه يدعونا لفك رموز هذا العصر المتشعبة علاقات البشر فيه والمتداخلة حد المتاهة, أسئلته تضعها تلك النصوص وعلينا الإجابة عنها. اعتمد الكاتب على الوصف ولم يستخدم الحوار إلا فيما ندر ومع ذلك ظل انسياب السرد وحيويته وصدقه يتدفق فنيا .. نصوص أخرى أعتمد الكاتب الرمز الموغل في الإبهام ما جعل القارئ أمام كيانات مغلقة ليعاود قراءتها محاولا فك الترميز والإبهام.