الرئيسية - الدين والحياة - الهاربون من صلاة الجمعة
الهاربون من صلاة الجمعة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من يسير في شوارعنا وقت خطبة الجمعة قد يساوره الشك فى أن ذلك اليوم هو الجمعة فالكثير من الناس فى حالة من الانشغال المقصود وغير المقصود إما بالبيع والشراء أو بقضاء مصالحهم أو غيرها من مشاغل الحياة التي لا تنتهي وحتى الفئة (الهاربة من الجمعة) التي لا تجد ما يشغلها في هذا الوقت من اليوم تفضل النوم أو البقاء في البيت على النزول لسماع الخطبة منتظرين دعاء الإمام الأخير أو النداء المحبب من المؤذن بإقامة الصلاة لكي يسرعوا ويدركوا الركعتين حاملين معهم سجادة الصلاة فيسقطوا الفريضة ويستريحوا من عذاب الضمير.. فما الذي حدث حتى بلغ هؤلاء هذه الدرجة من التهاون مع فريضة وليست سنة ¿ ولماذا لم تعد الخطبة تمثل لهم أية أهمية بل صارت عبئا ومشكلة وهي من يرجي من ورائها إيجاد حلول لمشاكل المجتمع . بالتأكيد وراء ذلك أسباب إما في الناس (المصلين الغائبين) وإما فى الخطبة نفسها وخطيبها وإما في كليهما. من هذا المنطلق سنحاول تشخيص الموضوع وصولاٍ إلى تحديد أصل المشكلة ومن ثم معرفة الطريقة المناسبة للاستفادة من خطبة الجمعة باعتبارها اللقاء الإيماني المتجدد دون انقطاع مهما كانت الأحداث ومهما اشتدت الظروف المحيطة بأي مجتمع مسلم …من هنا نعتبر أن هناك مواصفات غائبة عن خطبة الجمعة هي من تسببت في ضعف رسالتها بالصورة المطلوبة والمؤثرة ولعل من أهم هذه المواصفات هي الصدق والإخلاص فقد سئل الحسن البصري عن الخطباء والوعاظ, ما بال بعضهم تؤثر فينا موعظته بينما الآخر لا يهز منا شعرة, فقال : إذا خرج الكلام من القلب بلغ إلى الجنان, وإذا خرج من اللسان لم يجاوز الآذان كما أن الاهتمام والاعتناء بإعداد الخطبة من أهم الأمور التي تلفت الأنظار وتجلب العواطف وتشد انتباه السامعين للموضوع فبعض الخطباء لا يعد للخطبة إلا في صبح الجمعة أو قبلها بقليل والبعض لا يكترث أصلاٍ بالتحضير وهؤلاء لا يحملون رسالة اخلاقية وأبلغ وصف لمن كانت هذه حالته أنه مستخف بالناس غير مهتم ولا مبالُ بالجموع الجالسة أمامه وإن كانوا أفراداٍ محدودين ناهيك عن أن عدم التحضير والاستعداد لخطبة الجمعة يعد وصفاٍ مخلاٍ بشرف المهنة علي غرار من يتخذ خطبة الجمعة عادة أو مصدراٍ للكسب دون أن يقوم بواجبها كما يجب وأول خطوة في الإعداد هي أن يطرح الخطيب على نفسه السؤال التالي : ماذا أريد أن أقول للناس في الخطبة ¿ وهنا أيضا يتم طرح السؤال التالي: ما الفائدة في طرح هذا الموضوع ¿ والجواب يترتب عليه تحديد مقدمة الخطبة وتفاصيل الموضوع وكيف يمكن أن يقدم الخطيب النموذج المثالي للموضوع المطروح وتوضيح الفرق الكبير بين النموذج الذي يجب أن نكون عليه وبين الوضع الذي نعيشه حتى تتبلور في أذهان الحاضرين حجم الفجوة فيما يرتكبونه في حياتهم اليومية وبهذا يمكن للسامع أن يتدارك ما فاته ويبادر مباشرة بمعالجة أخطائه اعتماداٍ على ما استفاد منه في خطبة الجمعة . مع العلم أنه لا يمكن المراهنة على تحقيق كامل الاستفادة من الخطبة أو حتى في بعض أجزائها البسيطة ما لم يكن الخطيب مؤهلاٍ ومتمكناٍ من تحقيق هذه الغايات فخطبة الجمعة ليست محلاٍ للهوى وليست محطة لكل من رأى فيها النزول تحت رغباته الشخصية وليست حتى حقا لكل من ظن بنفسه الأهلية ,في حين أن الآخرين حتى من محدودي المعلومة ومتواضعي الفكر البسيط لا يرون في هذا الخطيب أو ذاك الأهلية والقدرة على صعود المنبر ,وبالتالي ضآلة مضمون ما يقدمه هذا الخطيب وهشاشة موضوعه وطرحه ونخشى عند وجود هذه المظاهر أن تصبح قناة المسجد ساحة للظهور والشهرة على حساب الناس ووقتهم ودينهم,في حين أنها أمانة ومسؤولية, ومن أراد التصدر لها فعليه أن يكون أهلا لها من ناحية الاستقلالية وامتلاك الملكة العلمية والخبرة الكافية. إذا أردنا أن نتحقق من بلوغ الخطبة لأهدافها فيجب على الخطيب أن يوضح للناس ما هي واجباتهم بعد سماعهم للخطبة فعلى سبيل المثال إذ تناولت الخطبة موضوع ارتفاع معدلات الفقر في مجتمعاتنا فإن المطلوب من الحاضرين المبادرة بعد خروجهم من الصلاة إلى تفقد المحتاجين من جيرانهم ومواساتهم لكن بعض خطب الجمعة اليوم لا تراعي حالة الفراغ الديني الذي يعانى منه الكثير من الناسوحالة التعطش المضني لديهم وحاجتهم في سماع الرقائق والأخلاق بدلاٍ من إثارة القضايا الخلافية وربما كان لدى البعض قناعات معينة حول بعض المسائل فإذا ما استمع للخطيب وهو يهاجم معتقداته أنصرف عنه كما أن تحويل الخطبة لمنبر سياسي لترويج أفكار معينة مع انه من الممكن مواكبة حديث المنبر للأحداث والتطرق إليها ومناقشتها من وجهة نظر شرعية تنفع الناس لكن أن نصبح في وضع لا ندري فيه أنحن أمام منبر جمعة أم أمام شاشة قناة أخبارية فهذا مما أصبح الناس اليوم يشكون منه ولا يجدون مخرجاٍ إلا المسجد للهروب من فضائع الإعلام وحشده للخلافات وتأزيمه للأوضاع وإذا بالمواطن البسيط الذي لا يكترث بالساسة ولا بوجوه أصحابها يفاجأ مصطدماٍ بكلام الخطيب السياسي ونظريات الأحزاب ..وأين ذلك في بيت الله المكان الذي لجأ إليه …لابد من وقفة مع النفس لنفض غبار الخطاب المسجدي الغائب عن الواقع في زاوية أو المارق في تناول الأوضاع من زاوية ثانية … ولنا لقاء قادم بحول الله ورعايته .

[email protected]