الرئيسية - كــتب - صرخات الخيواني الباردة ..تجريب سردي
صرخات الخيواني الباردة ..تجريب سردي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

مجموعة من النصوص السردية المتنوعة.. قرأتها للمبدعة سلمى الخيواني محاولا التخلص من مفهومي للقوالب الجاهزة للسرد, مدركا أن الكاتبة تحاول تقديم عمل مختلف عن نصوص مجموعتها القصصية السابقة.

حين أكملت قراءة الكوكتيل السردي, بحثت في خصائص كتابة سلمى الجديدة وجدتني أمام محاولة جديدة تخطها الكاتبة بجرأتها المعهودة . كوكتيل تجريبي يضم أقاصيص الومضة.. والخاطرة الممزوجة بالسرد المكثف.إضافة إلى شكل قصصي مختلف يتكون من عدة نصوص تحت عنوان واحد, يمكن قراءة كل نص بشكل منفصل وفي نفس الوقت يمكن قراءته ضمن وحدة موضوعية مع النصوص المجاورة له. تلتقي جميعها في محور المواضيع المهمومة بالعدالة ..الحرية المساواة, كما تعالج ذلك الحمل الثقيل الذي ترزح تحته المرأة من ظلم وتهميش المجتمع. ولسلمى مجموعة قصصية وحيدة, صدرت منذ سنوات, قدمت فيها نصوصا ناضجة.مهمومة بالشأن الاجتماعي وإن غلبت عليها الذاتية, واليوم تبشر بنصوص مجموعتها الجديدة, لنلمس تغير في الأسلوب والتقنية وكذلك في الشكل, وهي تخطو بوعي في إجتراح التجريب السردي.. مخالفة كثير من الشباب الذين يحدهم خوف النشر لما يكتبون, لتظل نصوصهم حبيسة ترددهم , وإن نشر البعض بعض مايكتب خواطر على صفحات النت وبعض الصحف, لكنهم ل يجرؤون نشرها في إصدار يضم مجموعة من تلك التجارب , لكنها سلمى التي أرادت أن تدعو الشباب إلى تخطي الخوف والتردد, حين تخطو خطوة بعد أخرى نحو التجديد . موحية للجميع أن زمن الحدود بين الأجناس الأدبية قد انتهى وأننا في زمن الكتابة الحرة والجريئة شكلا وجوهرا. نصوص إضمامتها التي بين يدينا تحلق قي فضاءات متعددة, لكنها جميع تلتقي تحت سقف روح السرد.. بتلك اللغة الشيقة..والتكثيف المتقن… والاختزال غير المخل . وقد وزعت تلك النصوص إلى ثلاث فئات, وهي: الخواطر السردية, الومضة, والفئة الثالثة العناقيد القصصية. ونبدأ بالفئة الأولى الخواطر السردية, وبداية بنص عنوانه كش ملك “وعدني أن يعلمني لعبة الملوك,مقابل أن أصبح عاقلة ورصينة, وأن أكف عن مطاردتي له بين المحاضرات,وها قد مرت سبع عجاف أصبحت فيها أكثر من عاقلة وأكثر من رصينة,وذلك الموظف المرموق في جامعتي القديمة لم يفي بوعده لي!” نص يجمع بين فن الخاطرة والومضة القصصية. لم تتقيد الكاتب بتلك القوالب المستهلكة , وتلك الخاتمة ما زادت النص عمقا,بحيث يدفع القارئ إلى التأمل في ما يستبطنه النص, وأرى بأن النص يعيد القارئ إلى أيام دراسته وتلك المشاعر التي تلتصق بالذاكرة والتي كان لها أثر على تكوينه, وإلى آخر العمر. خاطرة سردية أخرى بعنوان الحب شمالا” حبيبها الساحلي,يبذل قصار جهده في الاتصال والتواصل, وفي القول الجميل والفعل المثيل ,ومع كل ذلك مازالت تشعر بالصقيع. ينفجر في وجهها معاتبا:لماذا كل هذا البرود¿ تجيبه بأبرد من الصقيع: درجتنا هنا تحت الصفر بكثييييير!” وهذا النص قد يحمل عدة إيحاءات, خاصة في الظروف التي يمر بها الوطن.. وفي جو يتسم بثقافة الكراهية التي نجح في تغذيتها السياسيون, هنا تقدم لنا الكاتبة نصا في ظاهره الغموض, لكن القارئ الفطن لا يمكن أن يتوه عما يحمله باطن النص من معان ودلالات. لم تكن تلك الخواطر السردية التي تطرح أسئلة حول قضايا الوطن والوجود الإنساني.إلا نماذجا , وهناك من الخواطر السردية الكثير : فراغ , خاتم, انتظار شاهق, غرس آخر, سالب رجل, نوستالوجيا, راديكالية الموت, وكان حبيبي, فتنة وعد الجن.جلها صيغت بأسلوب أدبي رائع. ومن الفئة الثانية نص الومضة ,نختار نص بعنوان قسوة “قالت له يوما:عندما يرحل عنا الأشخاص الجيدون,يحل محلهم أشخاص سيئون…. رغم ذلك رحل!” هذا النص من النصوص القليلة التي أتخيل القارئ يقف أمام خمسة عشر كلمة يستبطن مدلولاتها.. يربط بين تك الأمثال التي سمعها منذ طفولته, مثل ظل راجل ولا ظل حيطة.. وتلك المرأة مسلوبة الحقوق مسلوبة الكرامة في مجتمع يحكمه الذكر وثقافة الذكر وهيمنة الذكر. الومضة التي تجيد سلمى صياغتا حاملة إلى القراء مواضيعا اجتماعية وعاطفية وسياسية. نص آخر من نصوص الومضة بعنوان كأس الانتظار”طوال أسبوع شربتْ نخبك, وعندما حان موعد لقاءنا كنت قد ثملت ولم أتمكن من لقائك!” نص آخر بعنوان سجينات “في كل مرة حاول خيانتها مع أخريات كان يخونهن جميعا معها!” ونص رابع بعنوان التباس ” أدمنت عطره فتحررت من عطرها… وعندما التحما اشتمت عطرها من مسام بشرته .همست في سرها:هل تحرر هو الأخر¿!”تلك النصوص الومضة وغيرها نجد أن الكاتبة قد اعتنت باختيار كل مفردة لتقدم لنا جملا منسقة , لتبرز الفكرة في بناء متقن تنضح كلماته بدلالاتها وتبوح تلك الجمل بأسرار تأويلها. وما زاد من روعة تلك الومضات السردية تلك المفارقات التي تختتم بها الكاتبة نصوصها , فإدمان الكائن لروح معشوقة وتنفسها عطر مسام بشرته مبلغ الذوبان والإتحاد..وقد وسمته الكاتبة بالتحرر من الذات لتسري في الأخر. وفي الومضة الأخرى الإتيان بمفهوم جديد للخيانة, بخيانة الخيانة حين أوردت في خاتمة النص السابق “كان يخونهن جميعا معها” أي مع زوجته ,مفارقة تدهش القارئ وقد بدلت الكاتبة مواقع المعاني للقيمة الأخلاقية , على عكس ما تعونا عليه, وكأن الرجل هو ذلك الكائن المقدس وما عداه هوامش وتوابع, الكل يخضع لمشيئته. وهكذا في نص كأس الانتظار سابق التدوين وقد تحول الذكر إلى قطب والمحبوبة مريدة صوفية تثمل من انتظاره. الفئة الثالثة من نصوص المجموعة تلك العناقيد الإبداعية التي قدمتها الخيواني ضمن نصوصها , وهي تجرب شكلا جديدا , مثل نص بعنوان مدارات ضيقة.. حيث أتت بثلاثة عناوين فرعية لأجزاء النص, الأول في القاعة والثاني في الشارع والثالث أكتفت بالرقم ثلاثة, وهذا النص أو العنقود الحكائي يمكن للقارئ أن يقرأ كل جزء كنص منفصل ويمكن أن يقرأه كنص متصل مع بقية أجزاء النص. فالكاتب قدم لنا المرأة التي حاولت أن تلغي عن نفسها صفة حرمة وهي تحاضر في أحد الندوات لتصادف من يلاحقها في الشارع فارضا عليها تأديبها كونها حرمة على ما تفوهت به داخل القاعة.. ليعتدي عليها بالضرب والشتم , ثم تأتي الكاتبة في الجزء الثالث بمشهد وقد تكومت المتمردة أرضا تبكي حسرتها حين سمعت أنثى أخرى تسير على الرصيف مرددة تستاهل! ثلاثة مشاهد في عدة أسطر تبرز لنا الكاتبة ذلك المجتمع ونظرته للمرأة .. من خلال تلك النقائض امرأة ترفض أن يطلق عليها حرمة ورجل يرى أنها تجاوزت حدودها ليطبق علها قانون الغائب.. وامرأة أخرى ترى بأن تلك المتمردة تستحق ما يجرى لها. وهكذا في بقية العناقيد الحكائية الأخرى التي حاولت الكاتب التجريب بتقديم نصوص بأشكال جديدة ومن تلك النصوص:حلم الاحتضان, هل عادت سميحة ¿ زيف الجميل, ومشاعر حداثية . فئة رابعة وتتجلى في تلك القصص القصيرة بقوالبها المعتادة , والتي تتباين في طولها بين صفحة وأكثر. وهي من النصوص القصصية المتميزة بالحبكة المحكمة, وبالوحدة الموضوعية, وكذا بتلك الجمل القصيرة , وبالصدق الفني الذي عودتنا به الكاتبة في قصها. هي مقاربة لمحاولة كاتبة تقديم الجديد في الشكل والمضمون, مفضلا عدم الإفاضة حتى أترك مجال لمتعة القارئ بتلك النصوص التي حاولت الكاتبة مشكورة تقديم ما تعتقد به من الناحية الموضوعية, وكذلك إجتراح أساليب جديدة قد تدفع بالكثير من الشباب إلى جمع ما يكتبون لإصداره في مجموعات, وأن يعرفوا بأن الإبداع لا حدود ومقاسات له.