الرئيسية - الدين والحياة - تحويل القبلة.. والعلاقة مع الآخر
تحويل القبلة.. والعلاقة مع الآخر
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من بين الأحداث الفارقة والمهمة في السيرة النبوية وفي تاريخ الدعوة الإسلامية بل وفي مسيرة بناء الدولة المسلمة حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس قبلة الأنبياء السابقين إلى بيت الله الحرام أول بيت وضع للناس في الأرض وكان ذلك في النصف الثاني من شهر شعبان من العام الثاني من الهجرة النبوية حيث كان المجتمع المسلم مازال حديث البناء نسبيا في المدينة المنورة ومازالت قريش تتربص برسول الله صلى الله عليه وسلم وتنتظر أي هفوة للتشنيع به كما أن اليهود في المدينة المرتبطون مع المسلمين بمعاهدات ومواثيق كانوا يحملون أشد العداوة للمسلمين كمقرين في أنفسهم بأنهم ما عقدوا هذه المعاهدات إلا لضعفهم عن مواجهة المسلمين وإثارة الشبهات حول الإسلام. وفي ذات الوقت كان هناك بعض حديثي الإسلام الذين لم يثبت الإيمان في قلوبهم بعد ويمكن أن تؤثر فيهم بعض الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام فكان تحويل القبلة في النصف من شعبان من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام بمكة من صنع الله تعالى ليختبر به أفراد المجتمع الإسلامي فيمحص الصفوف وينفي عنها الخبث كما يكشف بها سبحانه وتعالى أوراق أعداء الأمة من منافقين ومشركين وذلك لكي تنشأ هذه الأمة نقية خالصة لأمره تعالى دون ريب أو شك. ودروس تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام كثيرة جدا من هذه الدروس مايلي: 1 – تحويل القبلة إعجاز وتميز للأمة الإسلامية. أمر الله نبيه في مكة بالتوجه في الصلاة نحو بيت المقدس قبلة الأنبياء السابقين وذلك لوحدة الرسالات السابقة في مصدرها وهدفها وغايتها واستمر الحال هكذا ستة عشرشهرا إلى ما بعد الهجرة ثم تكلم اليهود في ذلك فقالوا: ما بال محمد يتبع قبلتنا ولا يتبع ديننا فنزلت الآيات القرآنية تبين حقيقة الموضوع ويتعلم الناس منها دروسا تربوية مهمة قال تعالى “سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها” البقرة 142 هذه الآية القرآنية من إعجاز القرآن الكريم حيث تحدثت عن المقولة قبل وقوعها ولم يستطع اليهود أن يكذبوا القرآن فقالوا أنها كانت اختباراٍ لليهود فرسبوا وكذلك كانت اختباراٍ للصحابة فنجحوا قال تعالى “وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب عقبيه” البقرة 142 ونتعلم عدم المبالاة بالخصوم ما دام الإنسان على صواب وعلى الحق المبين فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لما قاله اليهود لأن الذي أمر بالتوجه إلى كلتا القبلتين إنما هو الله سبحانه وتعالى وهذا يزيد المسلم ثقة في هذا الدين وتعاليمه فالهداية من الله وحده قال تعالى قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم” البقرة 142 ونتعلم أيضا الخصوصية والتميز: فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متشوقاٍ لتحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى بيت أبيه إبراهيم عليه السلام في مكة وكان يدعوا ربه أن يحقق له ذلك فعن أبن عباس رضي الله عنهما قال: كان أول ما نسخ من القرآن القبلة وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره لله عز وجل أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام فكان يدعو وينظر إلى السماء فأنزل (الله قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها” البقرة: 144 فالخصوصية والتميز ضرورتان للأمة الإسلامية في التصور وفي الاعتقاد وفي القبلة والعبادة وفي شخصية المسلم وفي كل شيء في حياة المسلمين. 2 – التجرد الكامل في السمع والطاعة. فالمعلم الصادق يتبع تعاليم دينه دون جدل أواعتراض وأما المنافق فيحاول اختلاق المشكلات ويكثر من السؤال لا بقصد الفهم وإنما بقصد التشكيك والجدل. لقد اعترض اليهود على تحويل القبلة وشككوا في صلاة المسلمين السابقة خاصة لمن مات قبل تحويل القبلة فأنزل الله “وما كان الله ليضيع إيمانكم” البقرة 143 إن التجرد يجعل المسلم مستسلما لله في كل شئون حياته يقبل أحكامه بالسمع والطاعة والحب والاستسلام. كذلك يتجرد المسلم عند طوافه بالبيت الحرام حول الكعبة فهو لا يقدس البناء لذاته ولا يقدس حجرا لا يسمع ولا يعقل وإنما يعبد ويعظم صاحب البناء ورب البيت قال تعالى (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف” قريش . 3- مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه كانت الرغبة في تحويل القبلة تشغل عقل النبي صلى الله عليه وسلم وتفكيره لكنه لم يصرح بها في دعائه ولم يحرك بها لسانه وقد استجاب الله تعالى له وحقق له أمنيته وهذا ما يدل على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه. أفضلية الأمة المحمدية: فرب العباد شهد للأمة الإسلامية بالوسطية قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطاٍ البقرة 143 والوسطية: تعنى الأفضلية والخيرية والرفق لأنها أي الأمة وسط في كل شيء في العقيدة والشريعة والأخلاق والمعاملات وهذا واضح لكل من درس ديننا الإسلامي بالتفصيل ومن وسطيتها أنها جمعت بين القبلتين فلم يتحقق ذلك لأمة من الأمم السابقة بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة كان يجعل الكعبة وبيت المقدس معاٍ في اتجاه وجهه فجمع بين القبلتين, وتتبلور الخيرية أيضا في شهادتها على الأمم السابقة عليها قال تعالى (لتكونوا شهداء على الناس) فخيرية الأمة أنها مقام الشهادة والتعلم والتربية للآخرين . قال تعالى” كنتم خير أمة أخرجت للناس” آل عمران 110 . أهمية الوحدة والاتحاد في الإسلام: فالمسلمون في المشرق المغرب يتوجهون في الصلوات الخمس اليومية وفي فريضة الحج إلى بيت الله الحرام رغم اختلاف الألسنة والجنسيات والألوان يجمعهم الدين الحنيف. وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم. رئيس بعثة الأزهر