الخميس 18 ابريل 2024 م
الرئيسية - كــتب - غرائبية الطرح السردي في رواية “لعنة الواقف”
غرائبية الطرح السردي في رواية “لعنة الواقف”
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

ثابت المرامي – الوعي المعرفي للعادات والتقاليد يسهم بدوره في توجيه النص وتحويله إلى مقام لغوي – أو مقام تراثي أسطوري يعي جيدا الحركة الدائمة للذاكرة الإنسانية للتراث والمعتقدات , ولا يمكن الفصل بين نص الرواية وبين تشكيلاتها الميتافيزيقة في ذاكرة الراوي (شخص الرواية) وعلاقة ذلك بالمؤلف والواقع الذي يقدمه في نصوصه .. تتجلى هذه الرؤية في حالة بسام شمس الدين الذي مثل بدوره حالة وعي ثقافي تقليدي وموروث شعبي في الوقت نفسه , بما يسهم في صياغة الموقف الحكائي في النص على مستوى الفصول الثمانيه في رواية لعنة الواقف يتجلى الموقف الرمزي عند بسام شمس الدين بدرجة أن وجوده كان مهيمناٍ على آليات سرد الرواية لأن الرمز في حد ذاته حالة انفعالية تتسق انسجاما واختلافاٍ مع الواقع ولأنه مجموعة من الافتراضات التي تشكل الدلالة كما تشكل البناء الظاهري لنص الرواية بقوة التي أعطاها صفة الاختلاف العجائبي عن غيرها من الأعمال السردية الأخرى ..يلج القارئ في عالم الرواية التي يشكل الحلم فيها مقاماٍ مميزاٍ وأساسي.. فالحلم حاضر في الرواية حضورا مكثفا طاغياٍ لا يأذن للواقع أن يكون ذا حضور مستقل عنه (الواقع الروائي ). وعند الغوص في أحداثها تأتى على لسان الراوي وهو شخص الرواية الأول الذي يعيش ونشأ في قرية وفي بيت جل اهتماماته شيء مقدس لا يقبل النقاش في قدسيته وهي المقبرة , وكل شيء في هذه القرية من طبيعة وناس يقف لهذا المقدس وينجذب نحوه ونحو أحكام القائمين عليها ..والذين يعيشون في رغد العيش ونعيمه وما دونهم من أهالي القرية يكاد أن يكونوا فقراء أو أقل من ذلك .. وحادثة ذبح البقرة الحلوب عندما دخلت المقبرة شاهد على ما للمقدس من تبجيل, وما للأهالي من فجيعة ذبح البقرة التي تمتلئ ضرتها بالحليب الذي يطعم مجموعة من أهالي القرية . ولكن صدور حكم الذبح من مبخوت جد ناصر (شخص الرواية ) ورغم النصائح التى أدلتها فنون زوجته من ان البقرة الحلوب لها نصيب في دم مبخوت ولذكرها أن البقره أم ينهل الجميع من لبنها إلا أن القرار صدر حتى لا ينتهك المقدس أمام الناس .. تتالت الأحداث وتغيرت الأجيال وقامت الثورة بتغير حال التفكير في القرية حتى أهمل هذا المقدس وصارت المقبرة مكباٍ للنفايات وللأيدي المعتدية على أراضيها من قبل الأهالي المتسلطين فيها . وبدأت سلطة أمين القرية هي الشغل الشاغل للأهالي , ولم يعد لشخص الرواية ناصر القائم على المقبرة والتي توارث منصبها اب عن جد إلا أن ينصح ويصدر الخطب التي تتوعد الأهالي جراء أعمالهم المشينة تجاه هذا المقدس العظيم وأن تتدهور حال القرية وأوضاعها هو بسبب إهانة الأموات في المقبرة ولم يوقنوا بذلك إلا حين أتاهم الحلم الجماعي الذي طال القرية أجمع وهو خروج الأموات وانتقامهم من الأحياء في القرية نفس الحلم بنفس الطريقة لكل منهم ..وظلت هذه الأحلام في حياتهم تعذبهم , وصحيح أن الفصل بين الحلم والواقع داخل الرواية ماثل بنحو واضح في وعي شخوص الرواية ولكن الأحلام كانت الثيمه الأساسية والبارزة في أحداث الرواية تؤدي وظيفتها المتمثلة بالرمزية في تبجيل المقدس ذات الطابع ألغرائبي في سرد الرواية ,والطابع الغرائبي لهذه الأحلام ليس يمنع من رؤية ما ورائه من الترميز المقدس في الواقع الذي يعتبر عند الاجتماع البشري إما الدين –العادات والتقاليد – الموروث الشعبي المتداول عبر الأجيال , ودمج العلاقة بين الحلم والواقع جعل الجانب الفني وثيق الارتباط بالجانب المضموني في الرواية بل ويندمج فيه الاثنان في وحدة إبداعية موحية ومؤثرة .وتقنيات استخدمها الأديب في إنتاجه الإبداعي وأثره الذي يود تحقيقه في وجدان المتلقي وهي: • العنوان (لعنة الواقف ) اللعنة هنا تعني تلك الأضرار تصيب من خالف ما في توصيات الأجداد .. وهذه موجودة بقوة في الأساطير وفي الحكايات الشعبية القديمة ذات معتقد أن الشر يصيب من خالف هذه الوصايا .. • تقنيات التداخل بين الحلم والواقع • الترميز والدلالة على دين أو معتقد أو عادات وتقاليد أو موروث شعبي .من خلال الأحلام الجماعية . ويؤكد ذلك أن الأحلام عادة تكون فردية (أو تمثل تظاهرة للحياة النفسية للفرد أثناء النوم) حسب تعبير (فرويد) ولكن دلالة الأحلام الجماعية هو تفكير الجمعي للمجتمع وهذا لا يكون في الاجتماع البشري إلا تحت سلطة قوية أو معتقد دين أو عادات وتقاليد أو أساطير موروثة عن الأجداد وغالبا ما تكون في المجتمعات التقليدية .ويؤكد أيضاٍ هذه الرمزية أن الأحلام باتت عند أهالي القرية شيئاٍ عادياٍ بل وأن القائمين على المقدس عندما تغير حال السلطة إليهم من سلطة المقدس إلى سلطة النفوذ لم يعد هذا المقدس ذا أهمية بل قاموا مثل سابقيهم في الاعتداء علي حرمتها . • وقد تتوسع معنى الدلالة والرمز إلى أبعد من ذلك بكثير فقد تختزل الأحداث الواقعة في القرية أحداث مجتمعات كثيرة وقد تكون دول بأكملها , تسحق وتضيع .. وتبنى من جديد بين سلطة المقدس وسلطة النفوذ كما جرى لأهالي القرية . • استخدم الروائي ضمير المتكلم وهو ضمير السارد الذي هو صوت يختبئ خلفه الكاتب في السرد الحكائي وهذا بدوره يفيد بالإيهام بالواقعية وفي إيصال المشاعر بشكل أقوى للقارئ أو كما أرادها إن تصل إلى قارئه , والبراعة تتبدى هنا في قدرة السرد بضمير المتكلم على تحديد مجال الرؤية لدى القارئ فلا يتشتت ذهنه ويركز على ما يريده الكاتب ويوجه رؤيته حيث يوجهه هذا الضمير لأن ضمير المتكلم له سحره الخاص في مخاطبة أفق التوقع لدى القارئ وسرعان ما يشعر بأنه يشاركه في هذا الذي يحدث له .. ثمانية فصول عشنا فيها غرائبية الطرح السردي وتقنيات جعلت الرواية سهلة التناول للقارئ . وخيال خصب لدى الراوي في جعل الأموات والأحياء في صراع دائم حول ما تتوارثه الأمم على مر العصور ..