الرئيسية - الدين والحياة - حرمة الدماء المعصومة في شريعة الاسلام
حرمة الدماء المعصومة في شريعة الاسلام
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمستأمنين

* إن من الأسس العظيمة التي قام عليها التشريع الإسلامي تحقيق مصالح العباد جميعاٍ والحفاظ عليهم من أجل ذلك كانت الضروريات الخمس التي أوصت الشريعة بالحفاظ عليها ورعايتها وهي حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ النسل ومن حفظ النفس حفظ الدماء من أن تهدر وتسفك بغير حق في هذه الأيام التي نرى فيها سفك الدماء بالليل والنهار من أجل تعصب حزبي ومن أجل تصارع على المناصب والسلطات يقتل بسبب ذلك خلق كثير من أجل ذلك كان لابد من إرشاد الجميع إلى خطورة هذا الأمر وذلك من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطرة ولنبدأ أولا بحرمة الدماء في القرآن الكريم, قال تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداٍ فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباٍ عظيما) سورة النساء. وقال تعالى في صفات عباد الرحمن (والذين لا يدعون مع الله إلهاٍ آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملاٍ صالحاٍ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراٍ رحيما) سورة الفرقان. وقال تعالى ( من أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراٍ منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون) سورة المائدة. قال الإمام ابن حجر الهيثمي رحمه الله: وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد مشاركتهما في أصل الاستعظام لا في قدره إذ تشبيه أحد النظيرين بالأمر لا يقتضي مساواتهما من كل الوجوه وأيضا فالناس لو علموا من أنه يريد قتلهم جدوا في دفعه وقتله فكذا يلزمهم إذا علموا من إنسان أنه يريد قتل آخر ظلما أن يجدوا دفعه أيضاٍ. من فعل قتلا ظلما رجح داعية الشر على داعية الطامة ومن هو كذلك يكون بحيث لو نازعه كل إنسان في مطلوبه وقدر على قتله قتله ونية المؤمن في الخيرات خير من عمله كما ورد فكذلك نيته في الشر شر من عمله فمن قتل إنسانا ظلما فكأنما قتل جميع الناس بهذا الاعتبار. وقال ابن عباس رضي الله عنهما ( من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعاٍ ومن شد عضد أحد فكأنما أحيا الناس جميعا). وقال مجاهد رحمه الله ( من قتل نفساٍ محرماٍ يصلى النار بقتلها كما يصلاها لو قتل الناس جميعا وأحياها أي سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعا). وقال قتادة رحمه الله ( أعظم الله أجرها وأعظم وزرها أي من قتل مسلما ظلما فكأنما قتل الناس جميعا في الإثم لانهم لا يسلمون منه ومن أحياها وتورع عن قتلها فكأنما أحيا الناس جميعا في الثواب لسلامتهم منه). وقال الحسن رحمه الله (فكأنما قتل الناس جميعا أي أنه يجب عليه من القصاص ما يجب عليه لو قتل الكل ومن أحياها أي عفا عمن له عليه قود فكأنما أحيا الناس جميعا) وقال تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناٍ ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وأياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون) سورة الأنعام. ثانيا: السنة النبوية وموقفها من حرمة الدماء: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما). وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله (رواه البخاري) المعنى أنه في أي ذنب وقع كان له في الدين والشرع فخرج إلا القتل فإن أمره صعب ويوضح هذا ما في تمام الحديث عن ابن عمر أنه قال : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدماء الحرام بغير حله والورطات جمع ورطة وهي بلاء لا يكاد صاحبه يتخلص منه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر القتل ويكثر الهرج – وهو التقل القتل- حتى يكثر فيكم المال فيفيض وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم: قال ” اجتنبوا السبع الموبقات” قالوا: يا رسول الله وما هن¿ قال ” الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات” رواه البخاري. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي (ص) قال ” من حمل علينا السلام فليس منا” رواه البخاري قال ابن دقيق العيد رحمه الله: قوله: ( حمل السلاح يجوز أن يراد به ما يضاد وضعه ويكون ذلك كناية عن القتال به وأن يكون حمله ليراد به القتال ودل على ذلك قرينة قوله عليه السلام: “علينا” ويحتمل أن يراد به ما هو أقوى من هذا وهو الحمل للضرب فيه أي في حالة القتال والقصد بالسيف للضرب به وعلى كل حال فهو دليل على تحريم قتال المسلمين وتغليظ الأمر فيه. وقوله “فليس منا” قد يقتضي ظاهره الخروج عن المسلمين لأنه اذا حمل “علينا” على أن المراد به هم المسلمون كان قوله “فليس منا” كذلك وقد ورد مثل هذا فاحتاجوا إلى تأويله كقوله عليه السلام ” من غشنا فليس منا” وقيل فيه ليس مثلنا أو ليس على طريقنا أو ما يشبه ذلك قال الإمام النووي رحمه الله.. قوله: ” فليس منا” معناه عن أهل العلم انه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقنا كما يقول الرجل لولده اذا لم يرض فعله لست مني وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال.. رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول “ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم مقامك والذي نفسي بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة من ماله ودمه وأن تظن ب إلا خيراٍ. وانظروا إلى النبي صل الله عليه وسلم وهو يؤسس لنا قواعد حقوق الإنسان في الإسلام في هذا الحديث العظيم والخطبة النبوية الجامعة في حجة الوداع في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صل الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال ” يا أيها الناس أي يوم هذا¿ ” قالوا: يوم حرام قال: ” أي بلد هذا¿” قالوا: بلد حرام قال ” فأي شهر هذا¿ قالوا: شهر حرام قال” فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مراراٍ ثم رفع رأسه فقال ” اللهم هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما: فو الذي نفسي بيده انه يوصيه إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفاراٍ يضرب بعضكم رقاب بعض. ثالثاٍ: حرمة دماء غير المسلم في الشريعة الإسلامية من عظمة الشريعة الإسلامية أن حرمة الدماء ليست قاصرة على المسلمين فحسب بل تشمل كذلك غير المسلمين من المعاهدين والذميين والمستأمنين حرم الإسلام الاعتداء عليهم في أحاديث كثيرة من سنة النبي عليه الصلاة والسلام منها ما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من قتل معاهداٍ لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد عن مسيرة أربعين عاماٍ وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص) من قتل قتيلاٍ من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماٍ” والمراد به من له عهد مع المسلمين سواء كان بعقد جزية أو هدنة من سلطان أو إمام من مسلم. وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عضو بعثة الأزهر الشريف