الجمعة 29 مارس 2024 م
الرئيسية - الدين والحياة - حقوق غير المسلمين في الإسلام
حقوق غير المسلمين في الإسلام
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه والتابعين لهداه إلى يوم أن نلقى الله تعالى .. أما بعد: فغير المسلمين هم كل أصحاب عقيدة مخالفة لعقيدة الإسلام سواء أكانوا من مواطني الدولة الإسلامية أم لا. ويشمل هذا التعريف أهل الكتاب وهم (اليهود والنصارى) كما يشمل المستأمنين وهم الأجانب غير المواطنين وهؤلاء وهؤلاء لهم في الإسلام حقوقº لأن رسالة الإسلام –كما قرر القرآن- رحمة للعالمين.

ويمكن تفصيل القول في ذلك على النحو الآتي: أولاٍ: المبادئ الإسلامية الحاكمة لعلاقة المسلم بالآخر وتتمثل فيما يلي: 1- الإخوة الإنسانية حيث قرر القرآن أن البشرية كلها أسرة واحدة أبوها آدم وأمها حواء فالإنسان أخو الإنسان كما أن المسلم أخو المسلم وفي ذلك قوله تعالى: (….ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاٍ كثيراٍ ونساء واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباٍ) .. وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع: (ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب). فهناك رحم كبرى بين البشرية يجب أن توصل كما أن هناك رحماٍ صغرى بين المسلم وأقاربه يجب أن توصل أيضاٍ .. قال تعالى: (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباٍ وقبائل لتعارفوا) “سورة الحجرات: آية 13”. 2- السلúم هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم والقتال في الإسلام له آدابه ومسوغاته التي تحكمه والمسلم يجب أن يكون أسرع الناس إلى قبول السلúم قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) “سورة البقرة: آية رقم 190”. وقال تعالى: (وإن جنحوا للسلúم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) “سورة الأنفال: آية رقم 61”. 3- المساواة في أصل الكرامة الإنسانية .. قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) “سورة الإسراء: آية رقم 70”. كما روى البخاري عن جابر بن عبدالله (أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام لها فقيل له يارسول الله: إنها جنازة يهودي. فقال: أليست نفساٍ). 4- قبول التعددية والتعايش مع الآخرين والتعارف والتواصل بين الناس جميعاٍ من أجل تحقيق الوحدة على المستويين الإسلامي والإنساني ومن أجل قضاء الحاجات وتبادل المنافع والمصالح بين أمم الأرض المختلفة. وفي هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصبية ليس منا من قاتل على عصبية ليس منا من مات على عصبية).. 5- الإيمان بجميع الرسل وبجميع الكتب والصحف السماوية في أصلها المنزل من السماء واعتبار أن دعوة جميع الأنبياء والمرسلين -في جوهرها- دعوة واحدة هي: (اعبدوا الله مالكم من إله غيره). 6- حْسúن الحوار وأدب الاختلاف قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن …) “سورة العنكبوت: آية رقم 46”. 7- النهي عن سب غير المسلمين قال تعالى: (ولا تسبْوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواٍ بغير علم) “سورة الأنعام: آية رقم 148”. ثانياٍ: الحقوق التي منحها الإسلام لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) المقيمين مع المسلمين يمكن أن نوجزها في النقاط التالية: 1- حق حرية الاعتقاد قال تعالى: (لاإكراه في الدين) .. ولم يحدث أبداٍ على مر العصور أن المسلمين أكرهوا أحداٍ على الدخول في الإسلاكº لأن الإكراه على الإسلام لا يوجد مسلماٍ كما أن الإكراه على الفضيلة لا يخلق إنساناٍ فاضلاٍ فالعقيدة موطنها القلب والأخلاق من داخل النفس: (أن الله لا يغيروا ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) “سورة الرعد: آية 11”. 2-حق الحماية أ- حماية الحياة حيث أجمع فقهاء الإسلام على أن دماء هؤلاء معصومة وأن قتلهم حرام مستدلين بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ” من قتل نفساٍ معاهداٍ لم يرح – أي لم يشم – رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماٍ” رواه البخاري. ب – حماية العرض حيث لم تفرق شريعة الإسلام بين عرض المسلم وغير المسلم في حرمة النيل منه جـ – ومثل ذلك يقال في حماية الممتلكات والأموال د ـ حماية من الفقر والعوز وفي ذك قوله – تعالى ” لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم” سورة الممتحنة أية رقم (8). 2- حرية العمل والتنقل والكسب في سائر المهن والأنشطة مادام ذلك في الإطار القانوني العام للدولة. 3- حق المواطنة فالإسلام ينظر إلى أحل الكتاب المقيمين مع المسلمين على أنهم أبناء وطن واحد يتقاسمون همومه ويعيشون قضاياه ويرسمون معاٍ تطلعاتهم لمستقبل أفضل لهذا الوطن وهذا الحق قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم – لغير المسلمين من يهود المدينة بعد الهجرة. 4- حق التقاضي والحماية من الظلم فالإسلام ينصف للمظلوم ولو كان من غير المسلمين ويقتص من الظالم ولو كان مسلماٍ لأن المظلون لايصنف. وفي تاريخنا الإسلامي العديد من الصفحات المشرقة في الانتصاف لغير المسلمين. وإذا كان القرآن قد برأ أم المومنين عائشة – رضي الله عنها – من فوق سبع سماوات حين اتهمها المنافقون بالزنا فإن القرآن أيضا برأ يهودياٍ من السرقة حين اتهمه بها بعض المسلمين زوراٍ ونزل في ذلك قوله – تعالى – “إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أرك الله ….. إلى قوله تعالى ….. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراٍ عظيما ” الآيات من 105 – 114 من سورة النساء. 6- حقوق أخرى تفرضها طبيعة التعايش وقبول الآخر منها: أ- أكل طعامهم قال تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم) “سورة المائدة: آية 5”. ب- إباحة الزواج منهم قال تعالى: (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) “سورة المائدة: آية5”. ج- عيادة مرضاهم ومواساتهم في أحزانهم وحسن مجاورتهم لأن كل ذلك من البر ولأن هذا أيضاٍ يعبر عن سماحة أخلاق المسلمين. وكذلك قبول هديتهم ومهاداتهم قال تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) “سورة النساء: آية رقم 86”. سورة النساء. ثالثاٍ: حقوق المستأمن وهو: الأجنبي غير المواطن الذي دخل البلاد بهدف التجارة أو السياحة أو الدراسة أو العلاج أو نحو ذلك أياٍ كانت عقيدته.. وقد قرر فقهاء الإسلام أن المستأمن له نفس حقوق الكتابي المقيم مع المسلمين مادام داخل الدولة من حرية العقيدة وحماية الحياة والعرض والمال وغير ذلك غير أن زواج المسلم من غير المسلمين إنما يجوز من أهل الكتاب فحسب. وأختم مقالي بقول العلامة الشيخ الغزالي –رحمه الله: كان السبب الأكبر في انتشار الإسلام في ربوع الدنيا في أيامه الأولى هو إعجاب غير المسلمين بالمسلمين في كل مجالات الحياة المختلفة. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

نائب رئيس بعثة الأزهر في اليمن