الرئيسية - الدين والحياة - العفو والتسامح
العفو والتسامح
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن وعصفت فيه أمواج العنف والتطرف والتعصب لا يختلف اثنان في أن نشر ثقافة الحوار والتسامح قد أصبحت أكثر الحاحاٍ من أي وقت مضى بل أصبحت ضرورة من ضرورات العصر ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات وإنما على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب المختلف.. ولا سبيل إلى التعايش السلمي وحل المشكلات وتجنب النزاعات والخلافات إلا من خلال الحوار والتسامح. فالتسامح من القيم الأخلاقية الإسلامية الرفيعة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف في كثير من النصوص بل ودعت له الفطرة الإنسانية والعقول السليمة فهو قاعدة أساسية للتعايش والسلام وأساس التعامل هو التسامح الراقي الذي يحكم علاقة الناس بعضهم ببعض. لقد جاء الإسلام بالحب والتسامح والصفح وحسن التعايش مع كافة البشر ووطد في نفوس أبنائه عدداٍ من المفاهيم والأسس من أجل ترسيخ هذا الخلق العظيم ليكون معه وحدة متينة من الأخلاق الراقية التي تسهم في وحدة الأمة ورفعتها والعيش بأمن وأمان وسلام ومحبة وتآلف ومن تلك المفاهيم العفو والتسامح والصفح عن المسيئ وعدم الظلم والصبر على الأذى واحتساب الأجر من الله تعالى حيث جاءت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية لتأكيد هذه المفاهيم وإقامة أركان المجتمع على التسامح وحسن الخلق ومنها: – قوله تعالى “خْذ الúعِفúوِ وِأúمْرú بالúعْرúف وِأِعúرضú عِن الúجِاهلينِ” الأعراف”199″ – وقال تعالى”فِاصúفِح الصِفúحِ الúجِميل” الحجر “85” – وقال تعالى” وِلúيِعúفْوا وِلúيِصúفِحْوا أِلِا تْحبْونِ أِن يِغúفرِ اللِهْ لِكْمú وِاللِهْ غِفْورَ رِحيمَ” النور “22” – وقال تعالى” وِالúكِاظمينِ الúغِيúظِ وِالúعِافينِ عِن النِاس وِاللهْ يْحبْ الúمْحúسنينِ” آل عمران “134” – وقال تعالى: “وِلِمِن صِبِرِ وِغِفِرِ إنِ ذِلكِ لِمنú عِزúم الúأْمْور” الشورى “43”. أما من السنة النبوية فمنها: – عن عائشة رضي الله عنها قالت “ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاٍ قط بيده ولا امرأة ولا خادماٍ إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى” رواه مسلم. – وعن أنس –رضي الله عنه- أنه قال: “كنت أمس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذه شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء” متفق عليه. – عن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال ” كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياٍ من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول ” الله أغفر لقومي فإنهم لا يعلمون” متفق عليه. – عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عن الغضب” متفق عليه. وغيرها من الآيات والأحاديث الدالة على فضل العفو والصفح عن الناس والصبر على آذاهم لاسيما إذا أوذي في الله فإنه همنا يجب الصبر والاحتساب وانتظار الفرج. والتسامح له صور وأشكال متعددة منها: – التسامح الديني: قال تعالى”إنِ الِذينِ آمِنْواú وِالِذينِ هِادْواú وِالنِصِارِى وِالصِابئينِ مِنú آمِنِ باللِه وِالúيِوúم الآخر وِعِملِ صِالحاٍ فِلِهْمú أِجúرْهْمú عندِ رِبهمú وِلاِ خِوúفَ عِلِيúهمú وِلاِ هْمú يِحúزِنْونِ” المائدة “69” – التسامح في المعاملات: قال تعالى”ادúفِعú بالِتي هيِ أِحúسِنْ السِيئِةِ نِحúنْ أِعúلِمْ بمِا يِصفْونِ” المؤمنون “96” – التسامح العرقي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع” إن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى”. – التسامح الثقافي: لكل مجتمع ثقافته التي من حقه أن يعتز بها ويحاول نشرها بالتي هي أحسن. ومن دلائل التسامح والانطلاق والتحرر من التعصب والانغلاق ما يأتي: – النظر إلى القول لا إلى قائله. – الاعتراف بالخطأ والرجوع عنه جهرة وشجاعة وصراحة. – الترحيب وتقبل النقد البناء. – تقبل النصح والتقويم من الآخرين. – الاستفادة مما عند الآخرين. لقد أظهرت الدراسات النفسية أن الأشخاص الأكثر قدرة على السيطرة على أنفسهم والتحكم في حياتهم هم الأكثر إنتاجية والأكثر سعادة ورضا بحياتهم. فالتسامح يزيل سرطان الكراهية من نفوس الناس ويقدم لهم الدليل أيضاٍ على أن العظماء من الأنبياء والمصلحين والمؤمنين ذاقوا المر من أجل التسامح ودعوا إلى نبذ العنف الذي يعمي العقول قبل العيون ويولد المشاعر السلبية تجاه أبناء البشرية عموماٍ ثم ينتهي إلى نبذ الآخر ولو كان من نفس الدين وإن أختلف معه في المذهب وعلينا نحن البشر أن نتحلى بروح التسامح الذي هو التصالح مع الأحقاد الدفينة فالتسامح هو فعل من مجني عليه تجاه الجاني وأساسه التحول من موقف سلبي إلى موقف إيجابي. وكشفت دراسة طبية حديثة عن إعجاز علمي جديد في القرآن الكريم بأن الأشخاص الأكثر تسامحاٍ يتمتعون بصحة أفضل وعمر أطول من غيرهم الذين يفضلون رد الأذى بمثله ولا يميلون للعفة عن من أساء إليهم . وأكدت الدراسة أن النصائح الإيمانية التي وردت في قوله تعالى ” وِالúكِاظمينِ الúغِيúظِ وِالúعِافينِ عِن النِاس وِاللهْ يْحبْ الúمْحúسنينِ”. وقوله عليه الصلاة والسلام ” ما من عبد كظم غيظاٍ إلا زاده الله عز وجل عزاٍ في الدنيا والآخرة ” والعفو والصفح والتسامح يقوي المناعة ويقلل إفراز هرمون التوتر الذي يسبب ضغط الدم والسكر والأزمات القلبية واضطرابات الجهاز الهضمي والقولون العصبي. أما عدم التسامح والصفح فإنه يؤدي إلى الغضب وحب الانتقام وهو حالة نفسية تؤدي لثورة الإنسان بالقول والفعل وهو مفتاح السرور لما ينجم عنه من إثم كالسخرية واللمز والقتل ولا يحدث عفوياٍ إنما ينشأ عن أسباب وبواعث تجعل الإنسان سريع التأثر.