طبيعة دور المانيا في اليمن
الساعة 07:01 مساءً

 
في خضم الاحداث التي تمر بها بلادنا منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014 على الدولة و على التوافق اليمني ، كان الدور الاممي ممثلا بالأمم المتحدة والدولي بشكل عام هاما ومؤثرا، وبالتأكيد ان دولة لها ثقل المانيا وعلاقاتها التاريخية مع اليمن كانت على رأس الدول التي تفاعلت مع الوضع في اليمن بكل تعقيداته.
ومن المهم لفهم طبيعة الدور الألماني المرور سريعا على اهم ملامح العلاقات الألمانية اليمنية لنستطيع فهم حجم تفاعل المانيا مع اليمن ومدى الاهتمام بها، حيث حظيت العلاقات بين ألمانيا واليمن بتميز وخصوصية, فالعلاقات قديمة تمتد لأكثر من 400 عام عندما زار الالماني هانس فيلد اليمن في 1606م، لينشر كتابا عن الزيارة، و زيارة الألماني الشهير كريستيان نيبور ضمن البعثة العلمية الدنماركية لليمن وكتابة الشهير حول الرحلة وعن اليمن والذي يعتبر من أهم الكتب عن اليمن وشبه الجزيرة العربية.
 تم تدشين العلاقات الدبلوماسية رسميا في العام 1927، ومن ثم استعادة العلاقات الرسمية في 1969. ودعمت المانيا المشاريع الحيوية في اليمن بصورة واسعة مثل مطار صنعاء الدولي و مركز الاثار بالإضافة الى عدد كبير من الاتفاقيات في شتى المجالات والتركيز على ملفات المياه والتعليم والمرأة بصورة كبيرة
وعندما انفجرت قنبلة الفكر الامامي القادمة من القرون الغابرة في وجوه اليمنيين في 2014، كانت المانيا حاضرة بقوة مرتكزة على الانطباعات الجيدة عنها في اليمن والمنطقة ككل وهو ما اكسبها ويكسبها بصورة مستمرة مصداقية واحترام وقبول لدى الجميع، ومنذ ذلك الحين يمكن التطرق لطبيعة الدور الألماني في اليمن عبر عدد من المحاور الرئيسية:
الدعم السياسي:
•     تقف المانيا بوضوح وبصورة رسمية معلنة مع المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الامن المتصلة بالوضع باليمن، وتعلن بصورة مستمرة وقوفها مع الحكومة الشرعية في اليمن وضرورة استعادة الدولة، وفي هذا الاطار وضمن هذه الحدود تتحرك المانيا في الملف اليمني باهتمام حقيقي وقناعة سليمة بضرورة  وقف الحرب و الوصول الى السلام وبأن السلام وحده هو الحل في اليمن، وبصفتي سفيرا لليمن في المانيا فإني وفي كل اللقاءات مع الشخصيات الرسمية الألمانية اجد موقف المانيا واضحا وداعما للحلول السياسية والسلمية ضمن الاطار المذكور انفا، و لا يجب ابدا ان يكون هناك خلط او عدم وضوح لدى المتابع اليمني، فموقف و رغبة وحرص المانيا على الوصول الى السلام في اليمن في اقرب وقت كحل للوضع في اليمن لا يعني الا القناعة الألمانية بضرورة استعادة الدولة ضمن الأطر والمرجعيات المذكورة كمدخل سليم للوصول الى هذه النتيجة وهو ما تتفق معه الحكومة اليمنية وكافة التيارات السياسية الوطنية اليمنية.
•    ومن الأكيد، انه وفي الفترة الأخيرة خاصة مع التعنت الكبير لميلشيات الحوثي الانقلابية في كثير من الملفات المهمة مثل عدم التجاوب مع اعلان وقف اطلاق النار واغلاق مطار صنعاء امام المساعدات الإنسانية وعدم اصلاح خزان صافر، أصبحت الصورة اكثر وضوحا لدى المانيا عن حقيقة الميلشيات الحوثية حتى على مستوى الاعلام الألماني وفي مراكز الدراسات والمنظمات المهتمة بالشأن السياسي. وأصبحت الجرائم الحوثية وانتهاكاتها مجالا للكثير من الكتابات والمقالات في كبرى الصحف الألمانية.
•    خلال السنوات الأربع الماضية، قام عدد كبير من المسؤولين اليمنيين بزيارة المانيا وعلى رأسهم فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية و الأخ سلطان البركاني رئيس مجلس النواب ورئيس الوزراء الأسبق د. احمد عبيد بن دغر وعدد كبير من الوزراء، وفي كل هذه اللقاءات لم اجد من مختلف الشخصيات الألمانية التي قابلناها من كبار الوزراء والشخصيات الرسمية الى البرلمانيين من مختلف الأحزاب والإعلاميين والناشطين الحقوقين الالمان الا الفهم السليم والادراك لحقيقة الوضع في اليمن ومنبع المشكلة  وسبب المأساة الإنسانية وهو الانقلاب على العملية السياسية واللجوء للعنف.
•    ان مواقف المانيا ضد الانتهاكات الحوثية معلنة ولها تأثيرها، وكمثال واضح على ذلك بيان المانيا الذي ادان حكم الحوثيين بإعدام الأخ حامد حيدرة من البهائيين و بلا شك ان البيان ضمن ضغوطات دولية كثيرة ساهم في اطلاق سراح البهائيين في اليمن، كما أعلنت اكثر من مرة بوضوح ضرورة ان يتوقف الحوثيين عن تعنتهم في قضية صافر و معالجة الملف عبر الأمم المتحدة.
إدارة النقاشات وتخليق الأفكار: 
•    احد اهم اشكال الدور الألماني في الازمة اليمنية هو دور منظمة بيرجهوف والتي تقوم منذ العام 2012 بنشاط مهم ومفيد للغاية وهو تنظيم حلقات النقاش بين النخب السياسية اليمنية من مختلف التيارات السياسية مهيئة الأجواء لتبادل الأفكار وتقارب وجهات النظر، في مختلف القضايا اليمنية الملحة والمهمة سياسيا واداريا، وتكتسب هذه الحلقات أهمية اكبر في الفترة الحالية، كما ان هذه النقاشات تمثل بيئة جيدة لتوليد الأفكار ومحاولة التفكير خارج الصندوق وتبقى هذه الأفكار والنتائج مهمة سواء حاليا او للمستقبل الذي نرجو من الله ان يكون افضل.
 المساعدات الإنسانية:
•     المانيا من اكبر الدول التي قدمت المساعدات الإنمائية لليمن ومنذ إصابة اليمن بنكبة الانقلاب ركزت المانيا على المساعدات الإنسانية، وبعيدا عن الأرقام والإحصائيات فإن المهم ذكره ان المانيا من الدول القليلة التي تلتزم بشكل كامل بتعهداتها وانها من اكبر الدول التي تقدم المساعدات الإنسانية لليمن، المانيا تدرك جيدا عمق المأساة اليمنية والحاح الاحتياج في اليمن فتبذل جهدا صادقا نابعا من تعاطف حقيقي يعبر عنه حجم المساعدات والايفاء بها.
•    كما ان المانيا هي الدولة الوحيدة التي لا زالت مؤسساتها نشطة في اليمن مثل فردرش ايبرت والتي تقوم بأعمال توعوية وورشات عمل ودورات تدريبية وأيضا مؤسسة GIZ  التي تقوم بالعديد من مشاريع المياه والصحة والتربية في اليمن حتى الان.
المانيا في المنطقة العربية:
•     و لفهم طبيعة التفاعل اليمني في المانيا لا بد ان نمر على الدور الألماني في المنطقة، والأكيد ان الاهتمام الألماني الكبير بالوضع في سوريا واستقبال اعداد هائلة من اللاجئين السوريين ضمن مكانة متميزة لألمانيا في المنطقة رسميا وشعبيا.
•    بالإضافة الى مساعيها المحمودة للوصول الى سلام في ليبيا عبر مؤتمر برلين ودعمها الكبير في التحولات الإيجابية لدى الاشقاء في السودان، بالإضافة الى دعمها للبنان. وعلى رأس هذه المواقف التي اكسبتها شعبية واحتراما وثقلا في المنطقة موقفها ضد التوسع في المستوطنات على الأراضي الفلسطينية و الوقوف ضد ضم الأراضي الفلسطينية والتمسك بحل الدولتين المبني على التفاوض .

ان الدور الألماني الإيجابي في المنطقة واليمن، والمهتم بالمنطقة واليمن، حري بنا ان نفهمه بوضوح دون أي التباس، وان نفهم عناصره ودوافعه وخلفياته، كواحده من اهم الدول في العالم و كقوة سياسية دولية نشطة وفعالة، وكل هذا الاهتمام السياسي والإنساني والوقوف مع اليمن يقابل بكل التقدير والتفاعل على المستوى اليمني الرسمي والشعبي، ولا شك لدي في وقوف المانيا بشكل كبير مع اليمن في مرحلة إعادة الاعمار فور استتباب السلام وانهاء الانقلاب واستعادة الدولة قريبا بإذن الله.

* سفير الجمهورية اليمنية لدى المانيا