إشهار مؤسسة جرهم للإعلام والتنمية بمحافظة مأرب مركز الملك سلمان يوقع اتفاقية تعاون مشترك لتأمين المأوى للأسر المتضررة من السيول بحضرموت البديوي: الأسابيع الخليجية تعكس عمق الهوية المشتركة والوحدة بين شعوب دول المجلس محافظ الحديدة يدشن توزيع المساعدات الاندونيسية للمتضررين من السيول محافظ حضرموت يبحث مع منظمة نداء جنيف تعزيز بناء القدرات حول القانون الدولي الانساني قائد محور البيضاء يكرم خريجي الدفعة الـ12 تأهيل ضباط من منتسبي المحور واللواء ١١٧ مشاة الأهلي يتفوق على الفيحاء في الدوري السعودي للمحترفين وقفة بمأرب للتضامن مع الشعب الفلسطيني والتنديد بالجرائم الصهيونية في غزة المنتخب الوطني لكرة القدم يبدأ معسكره الخارجي بماليزيا استعداداً لخليجي 26 الأمم المتحدة: حياة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة على المحك
الثورة ما هي؟ إنها قمة العطاء الإنساني، وقمة المنطق العقلي والروحي، وهي عندما تنفجر في وجه الغاصب الأجنبي أو في وجه الطاغية المحلي تكون قادرة على أن تستقطب معها كل الناس وكل التاريخ، وهذا ما حدث ويحدث لكل الثورات التي تفجرت- عبر العصور- في مواجهة الغزاة والمحتلين من قراصنة الاستعمار القديم والجديد، وفي مواجهة الطغاة الحاكمين بأمرهم، وهو ما حدث في الثورة اليمنية- سبتمبر وأكتوبر- وأكدته مسيرتها النضالية التي شارك فيها كل أبناء اليمن من أطراف الجنوب المحتل إلى أقاصي الشمال المعتل- على حد تعبير إحدى المصطلحات التي أشاعتها الحركة السياسية اليمنية في أدبياتها ومناشيرها القديمة.
وقد كانت ثورة الشعب ضد الاحتلال البريطاني التي جاءت متأخرة عاماً واحداً بعد ثورته الظافرة على الطغيان الإمامي وحكم الفرد المتأله تجسيداً للعطاء الوطني المشترك وتعبيراً عن المنطق الوحدوي الضارب في جذور التاريخ وعن إيمان هذا الشعب- كل الشعب- بضرورة تطهير البلاد من دنس خارجي وهيمنة أجنبية وفتح الأبواب وطنياً للزمن الجديد بكل مؤثراته وتفاعلاته.
وكان وعي الشعب وصحوته الوطنية التي شهدتها الستينات بمثابة التكفير عن فترات الجمود والاستسلام للتخلف وهي الفترات التي جعلت من اليمن وصمة عار حقيقي في الأمة العربية وفي جبين الإنسانية بأكملها.
وما الذي كان قد بقي من اليمن في الأربعينات والخمسينات سوى بلاد "واق الواق" وسوى المواطن المعذب المشرد رمز الانحطاط الثقافي والاجتماعي بين سائر البشر؟!
ويتضح جلياً من خلال الأدبيات والمكونات الأولى للثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) أن البدايات كانت واحدة وأن جذور التحدي للاحتلال البريطاني ولحكم آل حميد الدين المتخلف والمتورط في التفريط بالاستقلال والسيادة الوطنية تعود إلى ما بعد خروج الأتراك من البلاد وانكماش "المملكة المتوكلية" بمنطقها المذهبي الطائفي في أجزاء محدودة من البلاد رغم حرص كل اليمنيين واستعدادهم للتضحية في سبيل أن ينضووا جميعاً تحت لواء الوحدة الوطنية وفي ظل حكم وطني واحد مهما كان حظه العدل والديمقراطية.
ويلاحظ كذلك - ولا تحتاج هذه الملاحظة إلى دقة في التحليل والمراجعة ـ أن الكراهية للاحتلال الأجنبي كانت شاملة في كل أنحاء البلاد، مع وجود شعور إيجابي خاص تضاعف في مناخ التشطير القسري وجعل المواطن في أقصى البلاد يؤمن بأن وجود الاستعمار وصمة عار في جبينه هو قبل أن يكون وصمة عار في جبين الوطن.
والمواطن في أقصى جنوب البلاد يؤمن أن وجود حكم استبدادي مذهبي يتعاون مع الاستعمار ويهادنه هو وصمة عار في جبينه هو وفي جببن الوطن.
قاسم مشترك إذاً كان يجمع بين عشاق التراب الواحد والوطن الواحد، في نفس الوقت الذي كانت فيه الإمامة الظالمة تراهن على نوع من التغاير أو التمايز يمكن أن ينتج عن اختلاف النظامين الحاكمين للوطن الواحد.
وكان الاحتلال الأجنبي يراهن على إيجاد نفس التمايز عندما حاول أن يجعل من عدن- بعد أن تغيرت قشرتها الخارجية- لافتة تغري بالصمت، مقارنة بالظلام الذي كان يلف صنعاء بستائره السوداء المرعبة.
ولم يكن النظامان المتواطئان ينظران إلى أبعد من مصالحهما الآنية، وكان الشعب في اليمن الواحد يرتب ثورته الواحدة ويكرر محاولاته التمهيدية في ظل الأهداف المشتركة للخلاص من الإمامة والاحتلال وإقامة نظام حكم جمهوري عادل لليمن بأكمله.
تشير إلى ذلك البدايات الأولى للحركة الوطنية المتمثلة في:
أولاً: جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تأسست في القاهرة في بداية الأربعينات وضمت ممثلين عن أبناء اليمن من حضرموت وعدن وتعز وصنعاء.
ثانياً: الجمعية اليمنية الكبرى التي تأسست في منتصف الأربعينات وكانت خليطاً من الوطنيين في شمال الوطن وجنوبه.
ثالثاً: الجبهة الوطنية التي شكلت البداية الصحيحة لمقاومة الاستبداد والاستعمار، وقد ظهرت في عام ٥٦ وكانت ملتقى للمناضلين من أنحاء اليمن الواحد. وقد أصدر الاحتلال قراراً بإبعاد بعض قادة الجبهة بتهمة الشمالية!!
رابعاً: الدور البارز الذي لعبته الحركة العمالية وهي خليط المناضلين الذين جمعتهم الحاجة ووحد بينهم حب اليمن والحنين إلى تخلصه من العبودية والاحتلال.
خامساً: المشاركة الفعالة والمتميزة للحركة القومية بجناحيها البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب في الإعداد لثورة ٢٦ سبتمبر والدفاع عنها والانتقال بها من شمال البلاد إلى جنوبها ضمن الرؤية القومية التي شاركت فيها بقية الفصائل الوطنية، وجعلت من ثورة ١٤ أكتوبر امتداداً حقيقياً لثورة سبتمبر بخاصة وللكفاح الوطني بعامة على الساحة اليمنية وعبر نصف قرن من الزمن المليء بالانكسارات وبالملاحم البطولية وبأسماء الشهداء الأبرار من كل اليمن ومن أجل كل اليمن.
سادساً: الرافد الناصري الوحدوي الذي أبلى بلاء حسناً في سبيل اليمن، وكان لموقفه الداعم للثورة اليمنية (سبتمبر- أكتوبر) أخطر وأهم النتائج على المستوى الداخلي والخارجي، فقد ساعد في حماية الثورة من أعدائها الذين حاولوا افتراسها من الداخل وهي ما زالت في المهد كما ساعد على حشد الدعم عربياً وعالمياً.
* من كتاب "الندوة الوطنية التوثيقية للثورة اليمنية- 14 أكتوبر" (الطبعة الأولى 1993م)