ميليشيات الحوثي تقتحم منزل عضو البرلمان إبراهيم المزلم بصنعاء وتطرد ساكنيه
الدكتور عبدالله العليمي يلتقي سفير اليابان لدى اليمن ويبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي
محافظ تعز يفتتح مركز جديد للعناية المركزة في هيئة مستشفى الثورة
جامعة اقليم سبأ تحتفي بالدفعة الجديدة من طلابها للعام 2025م/ 2026م
محافظ شبوة يدشن العمل في مشروع توسعة المدخل الغربي لمدينة عتق
بدء عملية تبادل الأسرى في إطار المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
الجالية اليمنية في فنلندا تحتفل بالذكرى 62 لثورة 14 أكتوبر المجيدة
اليمن يشارك في أعمال المؤتمر الثاني للإنتربول حول مستقبل الأمن والعمل الشرطي 2025م
بريطانيا تقدم مساعدات بقيمة تقارب 27 مليون دولار إلى غزة
نيمر يدشن المخيم الطبي الـ2 للأطفال بالمهرة ويؤكد دعم مسيرة التعليم
في الرواية السينمائية الخاصة بغرق سفينة تايتانك، كان الذين رأوا السفينة تصطدم بجبل الجليد وأدركوا سقوطها قلة قليلة من الركاب، أولئك القلة أدركوا لحظتها أن السفينة ستغرق، ولكن أقل منهم من كان يعلم أن قوارب النجاة غير كافية للجميع، وأن الهلاك سيحل بالأغلبية المسكينة من ركاب الدرجة الثانية الذين لا علم لهم ولا حظ!.
ركاب الدرجات الدنيا أولئك من العامة الذين حجبت عنهم المعلومات وصدت في وجوههم الأبواب.
وفي المشهد الدرامي للتدافع من أجل النجاة طُلب من الحراس الغلاظ أن يحبسوا العامة في قعر السفينة، ونفذ الحراس الأمر وصدوا الناس عن الوصول إلى سطح السفينة ليموتوا في قعرها ولا يدركون أنهم يموتون معهم، فالحارس يصير هنا كتلة متحجرة من القسوة لا عقلاً ينظم سير الحياة!، وبالتالي لا يدرك الخطر المشترك.
ولكن ما يلفت نظري ليس قبطان السفينة ومسؤوليته، بقدر التزام فرقة الموسيقى التي بقيت تعزف مقطوعات الأعراس وهم يدركون أنهم سيغرقون، ذهبوا للعزف وهم بكامل اناقتهم وهدوئهم، وكان التزامهم قمة في النُبل، حيث عليك أن تغرق وانت تؤدى آخر وأجمل ما لديك لأجل نفسك أولاً، ولأجل الآخرين ثانياً، حتى وهذا الآخر لا يدرك حجم تضحيتك، فأنت لا يعنيك رضاه وترى أنه بقدر ما هو منشغلٌ عنك بلحظة الرعب بقدر ما أنت منشغل عنه بالاستمتاع بتذوق آخر رشفةٍ من كأس الحياة!.
وفي واقع الحال الذى نعيشه، لا أعرف من هم القلة التي ترى الآن جبل الجليد يصطدم بواقعنا المعيش كاصطدام تايتانيك، ولا نعرف أيضا من هم (الأقل من القليل) الذين لديهم علم بأن عدد قوارب النجاة محدودة.
لكنَّا نعرف ونرى مجاميع ركاب الدرجة الثانية الذين يغمرهم الماء في تايتانك الواقع مع الحراس غلاظ القلب والنفوس، وإن كنا أقرب لأعضاء فرقة الموسيقى التي تذهب إلى الموت بكامل ألقها، نعزف آخر ألحان الشجن للمحيط الغاضب نهمس له بكل عذوبة عما تبقى من جذوة الأمل في النفوس المحروقة، حول أوطان تتبخر بين أيدينا، ونَشُمّ جميعا حرقة قلوبنا التي يشعلها قهرُ واقعٍ لا يمكن وصفه وليس له مثيل!. وكأنها بقايا دخان عذبٍ لبخور أصيل.
نعم لا شيء يتم عمله غير أننا تقمصنا جميعا شخصية عازفي الكمان الحزين بفرقة موسيقى تعزف لطوفان حاصل!.
يرحل المرء الممتلئ بالعشق والقهر معا، يرحل دون أن يجد التفاتة وداعٍ تليق به ،بل وعليه أن يتجنب أعين ترصد روحه المنهكة وهى تذوى حرقة على بلد يتبخر.
فالبعض «لا يقترب منك لمواساتك، بل ليطمئن أنك تتألم».
وعندما يدرك حجم ألمك يتقمص قناع سعادته ويذهب مبتسما تاركا لك فرصة الغرق وانت تعزف له آخر ألحان الأمل.
ولا أحد يقول للآخرين عن حلول الكارثة، بل يكتم الحقيقة ومعها أنفاس من يدرك هول ما نحن قادمون عليه، وتلك ليست أنانية بل سلوك مضطرب يجعل البشر في مرحلة ما دون الآدمية.
وإذا كان شعور وتحرك الحيوانات وتغير سلوكها قبل حدوث الكوارث، يظهر علنا ويبقى مؤشر إنذار ذا إحساسٍ عالٍ يساعد في إقناع البشر والسلطات بإخلاء المدن وتجمعات السكان قبل ساعات من حدوث أي كارثة هائلة.
فذاك إحساسٌ عال لا تجده في البشر ولا تجد من لديه القدرة على إظهار الغضب عن قرب حدوث الكارثة، ذاك أمر افتقدناه في المجتمع، ربما لكون البشر لدينا صار دورهم تعميق حفرة الكارثة، لا التحذير منها والإبلاغ عن قرب وقوعها.
فلا يتحرك أحد ليقرع أجراس الإنذار، وليس في مآذن الوادي من يرفع صوت الأذان يا بلال.
*عن الأهرام عدد الأثنين 26 فبراير 2024