الرئيسية - علوم وتكنولوجيا - الدكتور عبد الله الفقية لـ"البديل": الانفصال هو الحقيقة الوحيدة في كل المحافظات الجنوبية لكنه ليس الحل
الدكتور عبد الله الفقية لـ"البديل": الانفصال هو الحقيقة الوحيدة في كل المحافظات الجنوبية لكنه ليس الحل
الساعة 12:00 صباحاً حاوره : أشرف الريفي

قال الدكتور عبد الله الفقية استاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء أن ما حدث بعد الوحدة اليمنية أسوء مما حدث بعد الثورة. حيث تم اختزال الوطن في شخص واستئثر ذلك الشخص وافراد اسرته بثروات البلاد وسلطتها وتحول اليمنيون في الشمال والجنوب الى بشر من الدرجة العاشرة.
وأضاف في  حوار صحافي اجراه معه البديل أن السلطة والثروة اعطيت  لجماعة صغيرة فيما اعطي الفقر والبطالة والفساد والفوضى والمرض لعامة الشعب.
وفي الحوار الساخن  الذي تطرق فيه الدكتور الفقية حول قضايا هامة متعلقة بوحدة اليمن قال الفقية أن غياب "المواطنة المتساوية" بما تعنيه من مساواة في الحقوق والواجبات وفي تكافوؤ الفرص وقيام نظام "لصوصي" يستحوذ فيه عدد قليل من الناس على السلطة والثروة في حين يتم تهميش الغالبية العظمى وفرض الفقر والجهل والمرض عليها كما لو كان قدرا لا مفر منه  يمثل اكبر المعوقات والمغذي الرئيس للنزعات القبلية والمناطقية والعرقية.
وأشار الى أن تلك الفئة الصغيرة حولت ممتلكات البلاد الى ملكية خاصة بما في ذلك القوات المسلحة والأمن والبنك المركزي...ومالم يستقيم هذا الإعوجاج فتأكد ان الكثير من اجزاء البلاد ستنتفض وتطالب بالإستقلال.
 وحول دعوات الانفصال قال :" دعنا لا ندفن رؤوسنا في الرمال. فالدعوة للانفصال هي الحقيقة الوحيدة في كل المحافظات الجنوبية...وجبهة الإنفصال الجنوبية تتواجد في كل مربع من مربعات السلطة  والمعارضة..لكن الإنفصال بالتأكيد ليس حلا.. ولو كان الإنفصال حلا لما قامت الوحدة منذ البداية.
وأعتبر هذه المشاعر السلبية السائدة بين الغالبية العظمى من الجنوبيين هي بسبب غياب المواطنة المتساوية والتراتبية المتخلفة القائمة على التفرقة العنصرية بين ابناء الواحد وبشكل يعيد الى الإذهان وبقوة احدى عشر قرنا من حكم "الأئمة الزيود.."
في هذا الحوار الجريئ تحدث عن التمييز في تولي المواقع العامة...في التجارة و الإستثمار... واقصاء الجنوبين وغيرها من القضايا الساخنة :

س- ما مفهوم الوحدة الفكري .. ؟

اعتقد ان المفهوم الذي يتبادر الى الذهن عند ذكر الوحدة في السياق العربي هو خلق كيان سياسي قوي يستطيع ان يتصدى لأعداء الأمة وان يحقق احلام ابنائها وان يعيد لهم مجدهم السياسي الزائل.  والحديث عن الوحدة في السياق العربي بهذا المعنى لا يمثل فقط حنينا الى الماضي ولكنه يمثل ادراكا لطبيعة العوامل الجغرافية والثقافية والتاريخية التي تجمع العرب جميعا. والوحدة في الفكر العربي هي قرار دولتين أو اكثر الإندماج معا في دولة واحدة وبغض النظر عن التنازلات التي تقدمها كل من الدولتين للسلطة التي تنشأ في اطار الدولة الجديدة وبغض النظر كذلك عن التكلفة التي يمكن ان يدفعها الأفراد لتلك الوحدة.  فالوحدة في التراث والفكر العربي  مثلت هدف بحد ذاته ولم تكن مجرد وسيلة لتحقيق  اشباع انساني معين. والمتفحص في التاريخ العربي والإسلامي سيجد ان الوحدة قد ارتبطت بقيام القوي بضم الضعيف قسرا وبحق القوي وبسبب قوته في السيطرة على الضعيف... وكان ذلك النموذج التاريخي هو الذي قاد صدام حسين لغزو الكويت وضمها الى اراضي العراق..ومن الملاحظ ان الجانب السياسي للوحدة قد طغى على الجوانب الأخرى لها وفي مقدمتها الجوانب الإقتصادية والإجتماعية.  وطغيان الجانب السياسي وان كان يعمل كقوة توحيدية للدول فانه وبنفس القدر يمكن ان يعمل كقوة تمزيق عندما تفشل تلك الوحدة في تحقيق اهدافها..ولعل ذلك قد كان احد الأسباب الهامة لفشل مشاريع الوحدة العربية..  
واعتقد ان وضع العرب سيكون افضل لو انه تم اعادة النظر في مفهومهم المترسخ للوحدة وبحيث يتم النظر اليها على انها عملية تكامل يمكن ان تحدث بدون رفع علم واحد وعزف نشيد واحد مثلما ما هو حادث في اوروبا الان.  والوحدة هنا هي بمعنى التكامل بابعاده المختلفة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والذي لا يقوم على الغاء الآخر بقدر ما يقوم على الإعتراف به ككائن مشروع بغض النظر عن خصائصه..  
س - كيف نعكس هذا المفهوم على الوحدة اليمنية وهل التجربة اليمنية جسدت هذا المفهوم..؟ أتمنى الإيضاح حول هذه النقطة .
جسدت الوحدة اليمنية شئنا أم ابينا النموذج التاريخي للوحدة عند العرب. فمن الواضح ان الوحدة اليمنية قد تحولت بفعل حرب عام 1994 الى شكل من اشكال الضم والإلحاق الذي عطل القدرات على امتداد الساحة اليمنية وفرغ الوحدة من عناصر قوتها وعمم اسوء ما في النموذجين السابقين لدولة الوحدة.  لقد وجد اليمنيون انفسهم في المرحلة التالية لحرب عام 1994 منزوعي  الحقوق السياسية والإقتصادية والإجتماعية لصالح فئة صغيرة لا تعترف بالحقوق المتساوية للمواطنين.  وما حدث بعد الوحدة هو بالتأكيد أسوء مما حدث بعد الثورة. فقد تم اختزال الوطن في شخص واستئثر ذلك الشخص وافراد اسرته بثروات البلاد وسلطتها وتحول اليمنيون في الشمال والجنوب الى بشر من الدرجة العاشرة. واعطيت السلطة والثروة لجماعة صغيرة واعطي الفقر والبطالة والفساد والفوضى والمرض لعامة الشعب.. ولا يمكن للامور ان تستقيم في ظل مثل هذا الأعوجاج القائم ليس فقط بالنسبة للجنوب ولكن للشمال ايضا...  والتحدي القائم امام اليمنيين، سلطة ومعارضة، هو الإنتقال بالوحدة من وضع  "الضم والإلحاق" الى مفهوم التكامل بابعاده المختلفة والذي لا يتحقق من وجهة نظري الا بالمواطنة المتساوية.. وهذه لا تتحقق الا بالدولة الوطنية الديمقراطية وبالجيش الوطني  وبدولة المؤسسات...فلا وحدة على الباطل ولا تفرقة في الحق..
س - هل تعني الوحدة مثلا .. الوحدة بين شطر وآ خر . أم شراكة بين طرفين معينين..  أم لها مفهوم أعمق من ذلك...؟
لا بد للوحدة كي تبقى وتستمر ان تقوم على الشراكة في الوطن بما يحويه من ارض وسماء وماء وهواء وثروة وتضحية..أما منطق السادة والعبيد واولاد الذوات واولاد الشغالات الذي كتب عنه الشيخ ياسر العواضي عضو مجلس النواب وعضو اللجنة العامة في الحزب الحاكم، فانه غير مقبول حتى في ادارة الواحد منا لأسرته فما بالك بادارة بلد متنوع مثل اليمن...أن الدولة المدنية الحديثة وحدها هي الوعاء القادر على احتضان وحدة اليمنيين وتقويتها ..والدولة المدنية الحديثة لا يمكن ان تقوم سوى على المواطنة المتساوية بين الناس وعلى التداول السلمي للسلطة دون اكراه او تمييز..
س- ما هي معوقات تجسيد الوحدة اليمنية..؟
غياب "المواطنة المتساوية" بما تعنيه من مساواة في الحقوق والواجبات وفي تكافوؤ الفرص وقيام نظام "لصوصي" يستحوذ فيه عدد قليل من الناس على السلطة والثروة في حين يتم تهميش الغالبية العظمى وفرض الفقر والجهل والمرض عليها كما لو كان قدرا لا مفر منه  يمثل اكبر المعوقات والمغذي الرئيس للنزعات القبلية والمناطقية والعرقية..لقد حولت تلك الفئة الصغيرة ممتلكات البلاد الى ملكية خاصة بما في ذلك القوات المسلحة والأمن والبنك المركزي...ومالم يستقيم هذا الإعوجاج فتأكد ان الكثير من اجزاء البلاد ستنتفض وتطالب بالإستقلال..لقد دارت العجلة ولم يعد بامكان احد ان يوقف دورانها..
س- في ظل الدعوات للانفصال "وان كانت محدودة " برأيك ما هي الأسباب التي قضت على روح الوحدة لدى البعض؟
دعنا لا ندفن رؤوسنا في الرمال. فالدعوة للانفصال هي الحقيقة الوحيدة في كل المحافظات الجنوبية...وجبهة الإنفصال الجنوبية تتواجد في كل مربع من مربعات السلطة  والمعارضة..لكن الإنفصال بالتأكيد ليس حلا.. ولو كان الإنفصال حلا لما قامت الوحدة منذ البداية.....وهذه المشاعر السلبية السائدة بين الغالبية العظمى من الجنوبيين هي بسبب غياب المواطنة المتساوية والتراتبية المتخلفة القائمة على التفرقة العنصرية بين ابناء الواحد وبشكل يعيد الى الإذهان وبقوة احدى عشر قرنا من حكم "الأئمة الزيود.."...هناك تمييز في تولي المواقع العامة...في التجارة..في الإستثمار....فيكفي ان تنظر حولك وتسأل عن موقع الجنوبيين في السلطة او في المعارضة لتدرك الغبن الذي لحق بهم ... فنائب الرئيس الجنوبي وليس (اليهودي) لم يصدر له قرار تعيين منذ عام 1994 وهو يمارس اختصاصاته الرمزية بالساعة كما يبدو وكما لو كان يعمل في مطعم..ومعظم القادة الجنوبيين بما فيهم اولئك الذين شاركوا في قيام الوحدة ليس لهم حق الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية الذي كان حقا لآل البيت ثم اصبح الان حقا لسنحان فقط...
س - كيف يمكن الحفاظ على الوحدة اليمنية وتحويلها إلى ثقافة قيمة لدى المواطن..؟
هناك طريق واحد للحفاظ على الوحدة اليمنية وهو ان يتم تحويلها من مغنم للبعض ومغرم للبعض الآخر الى مغنم لكل اليمنيين. ويبدأ ذلك باعطاء الجنوبيين حقهم في السلطة وفي الثروة والإعتراف بهم كمواطنين يمنيين لهم حقوق متساوية مع حقوق غيرهم.. فلا يعقل ان يسيطر عدد قليل من الأشخاص على مقدرات البلاد وخيراته وقوته وان يسخروها لقهر اليمنيين وافقارهم في الشمال او في الجنوب ... انا اتفق مع العديد من قادة الأحزاب واعضاء مجلس النواب بان الوقت قد حان لنقل الرئاسة الى شخصية جنوبية وبناء دولة المؤسسات والنظام والقانون التي تمنع رئيس الدولة من الإستيلاء على ثروات البلاد او احتكار السلطة وسواء كان ذلك الرئيس شماليا او جنوبيا او نصرانيا..
س- هناك من طرح مبادرات  مثلا الفيدرالية ..؟  من وجهة نظرك هل يتناسب النظام الفيدرالي مع الواقع اليمني..؟
فرغ النظام القائم الوحدة اليمنية من اي مضمون حضاري واعاد البلاد قرونا الى الخلف وحول الإنفصال الجغرافي الذي كان قائما قبل الوحدة الى انفصال في القلوب والمشاعر...وفي ظل المشاعر السائدة بين ابناء المحافظات الجنوبية  والتي تعتبر من وجهة نظري "انفصال الأمر الواقع" ربما تكون خيارات اليمنيين قد ضاقت كثيرا ولم يعد ممكنا المفاضلة بينها واختيار الأفضل لليمن...واذا كانت الفدرالية هي الخيار الذي سيستقر عليه فرقاء الحياة السياسية فانني سوف اطالب بفدرالية بضمانات اقليمية ودولية حتى لا تتحول تلك الفدرالية الى  مجرد تكتيك لإعادة انتاج "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية." ولا بد ان تنص تلك الضمانات، وبشكل واضح، حق اليمنيين جميعا في العمل والإستثمار وممارسة الحقوق السياسية في اي جزء من الدولة اليمنية ودون تمييز مذهبي او مناطقي  وان لا تزيد فترة الإقامة المطلوبة في اي منطقة عن الستة اشهر للتمتع بالحقوق السياسية..