"حقوق الإنسان" ترحب بقرار واشنطن فرص عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان من الحوثيين الإعلان رسميًا عن استضافة المغرب والبرتغال وإسبانيا لكأس العالم 2030 البنك المركزي يعلن بدء العمل الفعلي بنظام الحساب البنكي الدولي IBAN عدن.. إنعقاد ورشة العمل التأسيسية لمشروع تحسين فرص الحصول على الأدوية الفريق الداعري يلتقي السفيرة البريطانية لدى اليمن الرئيس العليمي يهنئ القيادة السعودية بفوز المملكة باستضافة مونديال 2034 الحكومة: السلام في اليمن لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلى عن خيار الحرب وزير الدفاع يبحث مع القائم بأعمال السفارة الصينية مستجدات الوضع في اليمن فرنسا تدعو الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من الجولان واحترام سيادة سوريا المخلافي يشيد بالبرامج والتدخلات الإنسانية لمفوضية اللاجئين بتعز
في تاريخ اليمن الحديث، لم يكن الوصول ليوم الاستقلال في الـ30 نوفمبر1967 م محض صدفة او وليدة لحظة تاريخية واحدة أو نتاج حدث معين، ولكنها كانت امتدادًا لجملة من النضالات والأحداث والتمردات والوقائع التي سطّرها أبناء اليمن بمختلف مكوناتهم وتوجهاتهم لنيل الحرية والاستقلال ومواجهة الاستعمار البريطاني في مراحل عدة منذ احتلاله عدن في 1839م.
لقد كان للمؤسسة العسكرية اليمنية، بمختلف تشكيلاتها الدفاعية والأمنية، أحد الأعمدة الأساسية التي ساهمت بشكل حيوي في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي في الـ30 من نوفمبر، على الرغم من الظروف الصعبة التي كانت تكتنف الساحة السياسية والعسكرية في ذلك الوقت. فقد كانت القوات العسكرية اليمنية، سواء في الجنوب أو في الشمال، حاضرة في مسار كفاح طويل ضد الاحتلال البريطاني، وكان لها دور محوري في تمهيد الطريق لاستقلال الجنوب.
بداية المقاومة
في السنوات الأولى من الاحتلال البريطاني، لم تكن هناك مؤسسة عسكرية رسمية في الجنوب، لكن مع تطور المقاومة وظهور التنظيمات الوطنية، بدأ تشكيل أولى النواة العسكرية ضد الاستعمار، حيث بدأت الهجمات العسكرية على المواقع البريطانية في مناطق مختلفة، مثل مدينة عدن والمناطق المحيطة بها.
واستمرت المقاومة ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن تنمو وتتوسع متأثرة بالحركات القومية العربية. حيث بدأت المقاومة تتحول بشكل منظم في بداية الأربعينات من القرن العشرين، على يد عدد من الشخصيات العسكرية والأمنية، أبرزهم قادة قبليون، وشخصيات وطنية. تركزت الأنشطة في المناطق الجبلية، حيث كانت المناطق الريفية ملاذاً للمجاهدين اليمنيين الذين شَنّوا هجمات متواصلة ضد القوات البريطانية.
ويثمن مؤرخون يمنيون الدور الكبير الذي لعبه الجيش اليمني في تعزيز العمليات العسكرية ضد القوات البريطانية. على الرغم من القمع البريطاني العنيف، إلا أن العديد من القيادات العسكرية الذين درسوا في مدارس عسكرية عربية ودولية، مما منحهم الخبرة اللازمة لقيادة العمليات العسكرية ضد الاستعمار استطاعت تنظيم صفوف المقاومة والتنسيق بين مختلف الفصائل القتالية.
دعم الكفاح المسلح
لقد أجمعت العديد من الدراسات التاريخية والمؤلفات التي تناولت ثورة 14 أكتوبر 1963 في جنوب اليمن على أن المؤسسة العسكرية اليمنية كانت من اهم الركائز الأساسية في الدعم والتنسيق مع فصائل المقاومة في الجنوب، ويقول المؤرخون إن المؤسسة العسكرية في الشمال بعد قيام ثورة 26 سبتمبر لعبت دورًا بالغ الأهمية في إمداد المقاومة الجنوبية بالسلاح والتدريب.
الدكتور محمد عبد الله غراب في كتابه “المؤسسة العسكرية في اليمن ودورها في النضال الوطني”، يروي أن (المؤسسة العسكرية كانت بمثابة القلب النابض للثورة اليمنية، حيث كانت توفر الدعم اللوجستي والعسكري، سواء في الجنوب أو في الشمال. بينما كانت بريطانيا تسعى لتأسيس جيش محلي تابع لها في الجنوب، فإن المؤسسة العسكرية اليمنية كانت تبني جيشًا وطنيًا مستقلًا، ينحاز لقضية التحرير والتخلص من الاستعمار).
وفي تلك الفترة، كانت القيادة العسكرية في صنعاء، تحت قيادة الرئيس عبد الله السلال، تمد فصائل الكفاح في الجنوب بالأسلحة الحديثة، فضلاً عن إيفاد ضباط وجنود من الشمال للتدريب والإشراف على العمليات العسكرية.
وفي تحليلات قدمها الاديب اليمني الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح، في كتاباته عن يوم الاستقلال بقوله: (نجد أن الدعم العسكري من الشمال إلى الجنوب لم يقتصر فقط على الأسلحة والتدريب، بل كان يشمل أيضًا بناء شبكة من العلاقات السياسية والدبلوماسية التي ساهمت في تشكيل جبهة عربية واسعة ضد الاحتلال البريطاني. وقد أكد المقالح أن هذا التعاون العسكري كان أحد العوامل الحاسمة في تحقيق الاستقلال في 30 نوفمبر).
تأهيل وتسليح
لم يكن الدعم العسكري مقتصرًا على إرسال الأسلحة فقط، بل تضمن أيضًا تدريبًا عسكريًا مكثفًا للمجاهدين في الجنوب. وقد ذكر المؤرخون مثل أحمد عبد الله سعيد، في كتابه “الثورة اليمنية بين التاريخ والسياسة”، أن العديد من الضباط اليمنيين من الشمال قاموا بتقديم التدريب العسكري الأساسي والمتقدم للمجاهدين في الجنوب، مما ساهم في رفع كفاءتهم القتالية ونجاحهم في مواجهة القوات البريطانية. التدريب شمل كل جوانب القتال العسكري، من التدريب على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلى تكتيكات الحرب غير النظامية.
كما ذكر المؤرخ عبدالله العزي في كتابة “الثورة اليمنية ودور الجيش في تحقيق الاستقلال” (من الأدوار البارزة التي قامت بها المؤسسة العسكرية كانت عملية تأهيل المقاومين، سواء من خلال التدريب العسكري المتقدم أو عبر تقديم الدعم بالسلاح والذخيرة. كانت القيادة العسكرية للثوار قد نسقت مع عدد من الدول العربية الصديقة لتوفير الأسلحة الحديثة والتقنيات العسكرية التي كان لها أثر بالغ في تمكين الثوار من تكبيد القوات البريطانية خسائر كبيرة).
خلايا داخل المحتل
كان من أهم الإنجازات العسكرية التي حققتها المؤسسة العسكرية اليمنية هو تشكيل خلايا مقاومة داخل الجيش والأمن الاتحادي في الجنوب. هذه الخلايا لعبت دورًا حاسمًا في تقويض سلطة الاحتلال البريطاني. المؤرخ اليمني عارف الزين، في كتابه “تاريخ الثورة اليمنية” يذكر(لقد لعبت المؤسسة العسكرية اليمنية – بما فيها القوات الدفاعية والأمنية – دورًا محوريًا في هذا الإنجاز الكبير. لم يكن هذا الدور مقتصرًا على العمليات القتالية فحسب، بل شمل الدعم اللوجستي، والتدريب العسكري، وتشكيل خلايا مقاومة داخل الجيش والأمن في الجنوب).
وأشار إلى أن هذه الخلايا كانت تعمل بسرية تامة داخل المؤسسات العسكرية الجنوبية، حيث نجحت في اختراق صفوف الجيش الاتحادي وإضعاف قدرة الاحتلال البريطاني على السيطرة.
تلك الخلايا كانت تضم عددًا من الضباط والجنود الذين كانوا موالين للقضية الوطنية، وقاموا بتقديم الدعم للمقاومين في الجنوب من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، كما كان هؤلاء الضباط يعملون على إفشال خطط بريطانيا لفرض سيطرتها على القوات المحلية، وقد ساعدت هذه العمليات الخفية في تعزيز المقاومة الشعبية بالإضافة إلى تعزيز الروح المعنوية للمقاومين، من خلال منحهم الأمل في أن التحرير آتٍ لا محالة، وبفضل التنسيق بين الجيش اليمني في الشمال وفصائل المقاومة في الجنوب، استطاعوا شل قدرة القوات البريطانية على الرد الفعال.
تصدروا الثورة
المؤرخون الذين تناولوا الثورة اليمنية (ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشمال و14 أكتوبر 1963 في الجنوب) يشيرون إلى أن المؤسسة العسكرية اليمنية لم تكن مجرد داعم ميداني، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من عملية التنظيم الثوري. الوثائق التاريخية تؤكد أن القوى العسكرية الجنوبية، التي كانت تحت الهيمنة البريطانية، كانت تتشكل من ضباط وجنود وطنيين ناضلوا داخل الجيش البريطاني وفي صفوفه، وهذا ما لعب دورًا حاسمًا في إرباك السلطات الاستعمارية وإفشال خططها.
كما أن العديد من الوثائق التاريخية تؤكد أن الجيش اليمني لعب دورًا محوريًا في دعم الثورة في مختلف مراحلها، من خلال تشكيل وحدات خاصة كانت تنفذ عمليات نوعية ضد القوات البريطانية والمراكز العسكرية التابعة لها.
من أبرز ما ذكره المؤرخون مثل عبد الله العزي في كتابه “الثورة اليمنية ودور الجيش في تحقيق الاستقلال” حيث أكد أن الجيش اليمني في الجنوب تمكن من كسر الحواجز النفسية التي كانت مفروضة من قبل الاحتلال، وزرع ثقافة الكفاح المسلح في صفوف الجند اليمنيين، مما أسهم في اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963.
مراحل حاسمة
في كتابه “المؤسسة العسكرية في اليمن ودورها في النضال الوطني”، يتناول الدكتور محمد عبدالله غراب دور المؤسسة العسكرية اليمنية في النضال ضد الاستعمار البريطاني حتى الاستقلال في 30 نوفمبر 1967، ويشير غراب الى ان المراحل الحاسمة في هذا النضال شهدتها الخمسينيات والستينيات. حيث كانت المؤسسة العسكرية اليمنية، ممثلة في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال البريطاني، أحد العوامل الأساسية في اندلاع الثورة الشعبية في الجنوب اليمني.
ويشير الدكتور غراب في كتابه الى ان التشكيلات العسكرية من فصائل المقاومة اليمنية، مثل جبهة التحرير وجبهة القوميين الاشتراكيين، التي كانت تمتلك أجنحة عسكرية أسهمت بشكل فعال في شن الهجمات ضد القوات البريطانية والمراكز الاستراتيجية، اتباع أسلوب حرب العصابات والعمليات الفدائية، التي أثبتت فعاليتها في ضرب مواقع العدو بالإضافة إلى تأمين المناطق المحررة.
نضال مستمر
يتناول المؤرخ اليمني عارف الزين في كتابه “تاريخ الثورة اليمنية”، دور المؤسسة العسكرية اليمنية في النضال ضد الاستعمار البريطاني
فقد حدد في الخمسينيات بدأت المؤسسة العسكرية اليمنية في الجنوب تأخذ شكلًا أكثر تنظيمًا مع توجيه العمليات ضد القوات البريطانية. فقد تمكنت الحركات الثورية من تشكيل وحدات عسكرية مدربة بشكل أفضل، قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية محورية ضد أهداف بريطانية.
ويشير الى ان حرب العصابات أصبحت هي الأسلوب العسكري السائد في تلك الفترة، حيث كان يتم تنفيذ هجمات على القوافل البريطانية، ومراكز القيادة، والنقاط الاستراتيجية في المدن الرئيسية مثل عدن وغيرها من المحميات .
ويبرز الزين دور الجيش اليمني في الجنوب بعد ثورة 14 اكتوبر، الذي استطاع من خلال التنسيق بين الفصائل الثورية مثل جبهة التحرير والجبهة القومية، شن هجمات مستمرة على الجيش البريطاني، مما أثر بشكل كبير على معنويات القوات البريطانية وأدى إلى تقليص سيطرتها على المنطقة.
في نهاية المطاف، يؤكد الزين أن النضال العسكري المستمر والعمليات الناجحة التي نفذتها المؤسسة العسكرية في جنوب اليمن أسهمت بشكل أساسي في تحرير الأراضي اليمنية من الاحتلال البريطاني في 30 نوفمبر 1967، وبعد سلسلة من الهزائم العسكرية التي مني بها الجيش البريطاني، أعلن الاستقلال التام عن بريطانيا، ما مثل نهاية للوجود الاستعماري البريطاني في جنوب اليمن، وبدأت مرحلة جديدة من البناء الوطني.
تضحيات لاتتوقف
لقد كان لدور المؤسسة العسكرية اليمنية في الكفاح ضد الاحتلال البريطاني تأثير بالغ الأهمية في تحقيق الاستقلال. من خلال الإمداد بالسلاح، التأهيل العسكري، وتشكيل خلايا سرية في صفوف الجيش البريطاني، تمكنت المؤسسة العسكرية من تحويل القوات العسكرية في الجنوب إلى أداة فاعلة لتحقيق الاستقلال.
وتظل تلك الجهود شاهدة على تضحيات الجيش اليمني، الذي لم يكن فقط دفاعيًا وأمنيًا، بل كان في قلب الثورة ضد الاستعمار، مما مهد الطريق لبداية مرحلة جديدة من تاريخ اليمن المستقل.
وفي الختام يتوجب على كل يمني في الـ30 من نوفمبر من كل عام اعادة استرجاع الأحداث وقراءتها من ذاكرة الثوار والمناضلين أو من مدونات المؤرخين أو من التقارير العسكرية البريطانية ومذكرات الضباط السياسيين البريطانيين، فهي جديرة بالتأمل في مسارات النضال الوطني وتضحيات أبناء الشعب في سبيل الحرية والاستقلال والعيش الكريم؛ واتخاذها ملهمة لنا اليوم للوقوف امام كل التحديات التي تواجه اليمن الحبيب، واعادة الاعتبار لقيم الثورة الأصيلة وأهدافها النبيلة.
- سبتمبر نت