الرئيسية - اقتصاد - الاقتصاد.. المبتدأ والخبر!!
الاقتصاد.. المبتدأ والخبر!!
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الثورة/عبدالله الخولاني –

يبدو أن الاقتصاد وقضاياه ستظل مهمشة كما كانت عليه في‮ ‬السابق فالساسة لازالوا‮ ‬يرددون أسطوانتهم المشروخة والتي‮ ‬اعتاد عليها شعبنا خلال العقود الماضية فهل نعيد الكرة ونخرج بخفي‮ ‬حنين ام نتفاءل بالمستقبل‮ ‬ولكن هل‮ ‬يدرك قادتنا أن الاقتصاد هو البوابة الحقيقية لأي‮ ‬تقدم وتطور وبدونه ستكون الحلول عرجاء‮ ‬غير مستوية والتجارب السابقة أثبتت ذلك فهل نعي‮ ‬الدرس جيدا¿‮.. ‬هذا ما ننتظر جوابه من مؤتمر الحوار الوطني‮. ‬

التخلف الاقتصادي‮ ‬التنموي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬في‮ ‬اليمن والاختلالات الاقتصادية والتنموية الهيكلية‮ ‬إلى جملة متنوعة من الأسباب والعوامل الداخلية والخارجية‮ ‬يأتي‮ ‬في‮ ‬مقدمتهاº تبني‮ ‬دولة الوحدة اليمنية اقتصاد السوق الرأسمالي‮ ‬وآلياته باعتباره النظام الاقتصادي‮ ‬الرسمي‮ ‬للدولة‭,‬وكذلك في‮ ‬تبني‮ ‬وتنفيذ سياسات التصحيح الاقتصادي‮ ‬والتثبيت الهيكلي‮ ‬من قبل الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ مطلع العام‮ ‬1995م فمنذ ذلك الحين شهد الاقتصاد اليمني‮ ‬تحولات جذرية كبيرة تم خلالها إعادة هيكلة البناء الاقتصادي‮ ‬والتنموي‮ ‬للدولة وفقاٍ‮ ‬لنموذج السوق الليبرالي‮ ‬الرأسمالي‮ ‬الحر القائم على أنشطة القطاع الخاص ودمج الاقتصاد اليمني‮ ‬في‮ ‬الاقتصاد العالمي‮.‬ وقد بدأت هذه التحولات بإجراء تعديلات جذرية في‮ ‬عام‮ ‬1994على طبيعة الأسس الدستورية في‮ ‬دستور الجمهورية اليمنية المستفتى عليها خلال شهر مايو‮ ‬1991م بموجبها اصبح الاقتصاد الوطني‮ ‬يقوم على أساس حرية النشاط الاقتصادي‮ ‬بما‮ ‬يحـقق مصلحـة الفرد والمجتمع‮ ‬وبما‮ ‬يعزز الاستقلال الوطني وباعتماد العديد من المبادئ وبالتالي‮ ‬أطلقت هذه المادة العنان للحرية الاقتصادية والملكية الخاصة في‮ ‬الاقتصاد اليمني‮ ‬دون تحديد الدور الاقتصادي‮ ‬والرقابي‮ ‬الإشرافي‮ ‬للدولة‭, ‬كما أعطت للقطاع الخاص دورا أساسياٍ‮ ‬في‮ ‬تخصيص الموارد وتحديد الأسعار ملغية بذلك أي‮ ‬دور للقطاع العام أو للحكومة في‮ ‬هذا الجانب‮. ‬كما ساهمت هذه التعديلات في‮ ‬التوصل إلى اتفاق مع المؤسسات الدولية لتنفيذ برنامج للتثبيت الاقتصادي‮ ‬والتكيف الهيكلي‮ ‬مطلع العام‮ ‬1995م‮.‬

تسرع وبعد مرور اكثر من‮ ‬18‮ ‬عاما اظهر الواقع الاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬اليمني‮ ‬بأن تبني‮ ‬نظام السوق الليبرالي‮ ‬في‮ ‬اليمن كان قرارا متسرعا ولم‮ ‬يراع الأوضاع القائمة والمتطلبات الأساسية‮ (‬الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمؤسسية‮ ) ‬والتي‮ ‬تشكل شروطا ضرورية ولازمة لنجاح هذا النظام‮ ‬ويتضمن ذلك عدم التحديد الدقيق والواضح لدور كل من الدولة والقطاع الخاص في‮ ‬النشاط الاقتصادي‮ ‬كما أثبتت التجربة أن هذه الحرية واتباع سياسات التصحيح الاقتصادي‮ ‬والتثبيت الهيكلي‮ ‬كان لها نتائج وخيمة على الأداء الاقتصادي‮ ‬الكلي‮ ‬اليمني‮ ‬وعلى الأوضاع المعيشية والاجتماعية للمواطنين‮ ‬بحيث قادت هذه السياسات‮ ‬غير السليمة وغير الكفؤة والفاعلة المجتمع اليمني‮ ‬إلى الفقر والبطالة‮ ‬ولم تتمكن من معالجة الاختلالات الاقتصادية والتنموية‮ ‬ومن بناء اقتصاد‮ ‬يمني‮ ‬حقيقي‮ ‬سليم‮.‬

اختلالات ويؤكد الاقتصاديون أن الاختلالات والتحديات الاقتصادية التنموية‮ ‬التي‮ ‬تعاني‮ ‬منها اليمن‮ ‬تشكل أحد أسباب نشوء الصراعات والنزاعات الداخلية والحروب الأهلية‮ ‬وعاملاٍ‮ ‬أساسياٍ‮ ‬لاستمرارها واتساع نطاقها‮. ‬فعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة والعادلة‮ ‬وانخفاض معدلات البطالة والفقر تساهم بصورة أساسية في‮ ‬توفير الظروف المناسبة لتحقيق عوامل الاستقرار السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والأمني‮.‬

بناء اقتصادي إن اليمن عبر تاريخه القديم‮ ‬والحديث والمعاصر‮ ‬لم‮ ‬يخل من مشاكل ونزاعات سياسية ومع ذلك فإنه مهما كبر حجم المشاكل السياسية فإنها لن تشكل مصدر قلق فعلياٍ‮ ‬إذا ما كان اليمن‮ ‬يمتلك بناء اقتصادياٍ‮ ‬قوياٍ‮ ‬وسليماٍ‮ ‬فالإشكالية الرئيسية القائمة حالياٍ‮ ‬تتمثل في‮ ‬الغياب المزدوج للقطاعات والأنشطة المنتجة في‮ ‬الدولة‮ (‬باستثناء قطاع النفط والغاز‮) ‬وفي‮ ‬القطاع الخاص الأمر الذي‮ ‬ساهم بصورة كبيرة في‮ ‬اتساع وارتفاع معدلات الفقر والبطالة‮ ‬‮ ‬وفي‮ ‬ظل هذه الأوضاع أصبحت الحالة الاجتماعية والبيئة العامة جاهزة للاستثمارات السياسية بمشاريعها المختلفة ومن ثم فإن إقامة هذا البناء سوف‮ ‬يساهم من ناحية في‮ ‬معالجة الاختلالات الاقتصادية والتنموية‮ ‬وفي‮ ‬تحقيق استقرار الدولة اليمنية وضمان نموها‮. ‬

التغيير الاقتصادي تمر اليمن حالياٍ‮ ‬بلحظة تاريخية فاصلة وغير مسبوقة في‮ ‬تاريخها المعاصر‮ ‬ممثلا بالتغيير السياسي‮ ‬الكبير والذي‮ ‬لا بد أن‮ ‬يتعزز ويكتمل بإحداث التغيير الاقتصادي‮ ‬والتنموي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬بصورة حقيقية وجذرية‮ ‬وبما‮ ‬يعزز متطلبات واحتياجات التغيير السياسي‮ ‬الذي‮ ‬حدث‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه‮ ‬يلبي‮ ‬ويحقق أمال وطموحات الشعب اليمني‮ ‬وتضحياته وصبره الطويل في‮ ‬العيش بكرامة والرخاء الاقتصادي‮ ‬وهذا لن‮ ‬يتحقق إلا من خلال معالجة أوجه القصور في‮ ‬الدستور الحالي‮ ‬الذي‮ ‬سعت تعديلاته المتصلة بالاقتصاد لمواءمة الأسس الاقتصادية مع التوجه العام للدولة المتمثل في‮ ‬تبني‮ ‬نظام السوق الرأسمالي‮ ‬ومعالجة أوجه القصور والغموض والتعارض العائدة في‮ ‬الأصل لتباين أسس نظامي‮ ‬الحكم في‮ ‬شطري‮ ‬اليمن طبقاٍ‮ ‬لدستوري‮ ‬1970‮ ‬و‮ ‬1978‭.‬‮ ‬وينطبق ذلك على المادة‮ ‬6‮ ‬من دستور‮ ‬1991م حيث كانت تتضمن مجموعة من المبادئ الاقتصادية المتناقضة وكان تعديلها بغرض إيضاح التوجه الاقتصادي‮ ‬للدولة‮. ‬

ظواهر سلبية وبصورة عامة‮ ‬يمكن القول بأن اتباع اليمن لسياسة تحرير التجارة‮ ‬بصورة فجائية وغير منظمة وغير رشيدة‮ ‬أدى إلى بروز العديد من الظواهر السلبية التي‮ ‬تتعارض مع آليات السوق وقواعد وأصول المنافسة الشريفة‮ ‬مثل الاستيراد من‮ ‬غير بلد المنشأ‮ ‬وما ترتب على ذك من إغراق الأسواق المحلية بالعديد من السلع والمنتجات الرديئة وغير الصالحة للاستخدام في‮ ‬بعض الأحيان‮. ‬كما ساهم تحرير التجارة في‮ ‬تفشي‮ ‬ظاهرة التهريب والتهرب الجمركي‮. ‬إضافة إلى ذلك تسبب فتح الأسواق المحلية لكافة السلع والمنتجات الصناعية المستوردة بصورة كاملة‮ ‬غير متدرجة‮ ‬في‮ ‬تعرض معظم المنتجات المصنعة محلياٍ‮ ‬إلى منافسة شديدة من قبل مثيلاتها المستوردة التي‮ ‬أغرقت الأسواق اليمنية‮ ‬وبالتالي‮ ‬عدم قدرة الصناعات المحلية‮ ‬بوجه عام‮ ‬على الصمود والمنافسة في‮ ‬الأسواق المحلية فضلاٍ‮ ‬عن الأسواق الخارجية‮ ‬بحيث اضطرت بعض المنشآت الصناعية اليمنية إلى التوقف وتسريح عمالها‮. ‬

شخصنة الثروة المادة‮ (‬8‮) ‬من الدستور الحالي‮ ‬تنص‮ “‬الثروات الطبيعية بجـميع أنواعها ومصادر الطاقة الموجودة في‮ ‬باطن الأرض أو فوقها أو في‮ ‬المياه الإقليمية أو الامتداد القاري‮ ‬والمنطقة الاقتصادية الخـالصة ملك للدولة‮ ‬وهي‮ ‬التـي‮ ‬تكفل استغلالها للمصلحـة العامـة‮”‬‮ ‬حيث سمحت هذه المادة للدولة التي‮ ‬شخصنتها في‮ ‬المجموعة الحاكمة‮ ‬وفتح الباب للفساد وهدر الثروات الطبيعية بصورة كبيرة‮ ‬حتى بلغ‮ ‬الحال بأن بعض وزراء وزارة المالية كانوا‮ ‬يشيرون بأنهم‮ ‬غير قادرين على الاطلاع على الموارد النفطية والغازية‮.‬

العدالة الاجتماعية على الرغم من أن العدالة الاجتماعية الإسلامية تمثل المبدأ الأول للأساس الذي‮ ‬يقوم عليه النظام الاقتصادي‮ ‬اليمني‮ ‬إلا أن هذه العدالة قد اقتصرت على جانب واحد وهو العلاقات الاقتصادية فقط دون الاجتماعية‮. ‬علماٍ‮ ‬بأن النص في‮ ‬دستور‮ ‬1991‮ ‬كان‮ ” ‬العدالة الاجتماعية الإسلامية في‮ ‬العلاقات الإنتاجية والاجتماعية كما أن الدستور الساري‮ ‬لا‮ ‬يتضمن أي‮ ‬فصل خاص بالحقوق الاقتصادية وتم إدراج بعضها في‮ ‬الفصل الثالث‮ “‬الأسس الاجتماعية والثقافية‮ ‬وفي‮ ‬الباب الثاني‮ “‬حقوق وواجبات المواطنين الأساسية‮.‬

قصور تمثل الخطوة الأولى والأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية التي‮ ‬يتمناها اليمنيون‮ ‬بما في‮ ‬ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية‮ ‬وكذلك تحقيق عدالة توزيع الناتج القومي‮ ‬بين مختلف الفئات الاجتماعية وبين مختلف المحافظات والمديريات‮ ‬خصوصا المناطق الأكثر فقرا‮ ‬والعمل بصورة حازمة على ضبط الأثمان ومكافحة الاستغلال والاحتكار والغش‮ ‬في‮ ‬إعداد دستور‮ ‬يمني‮ ‬جديد‮ ‬يساهم في‮ ‬تحقيق ذلك ويحفظ كل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية‮. ‬فعادة ما‮ ‬يصور الأمر‮ ‬بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية‮ ‬في‮ ‬أن العيب كله كان‮ ‬يكمن خلال الفترة السابقة في‮ ‬تطبيق نصوص الدستور فقط‮ ‬لكن في‮ ‬واقع الأمر فإن نصوص دستور الجمهورية اليمنية الساري‮ ‬حالياٍ‮ ‬متقادمة جداِ‮ ‬ويعتريها العديد من جوانب القصور بالنظر للتطورات والمستجدات المحلية والإقليمية الراهنة‮ ‬وهذا‮ ‬يستوجب بالضرورة تطويرها والتوسع فيها خاصة وأن نصوص الدساتير الحديثة‮ (‬مثل دساتير جنوب إفريقيا والبرازيل وبوليفيا‮) ‬قد توسعت في‮ ‬النص على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية بالتفصيل لتحصينها في‮ ‬مواجهة أي‮ ‬انحراف لاحق عنها في‮ ‬القوانين‮.‬

تخبط اقتصادي ويرى الخبير الاقتصادي‮ ‬الدكتور علي‮ ‬سيف كليب أن اليمن ليس لها نهج اقتصادي‮ ‬واضح المعالم فهناك تخبط بين النظام الرأسمالي‮ ‬أي‮ ‬نظام السوق وبين التخطيط المركزي‮ (‬الاشتراكي‮)‬ومحاولة تطبيق الصيرفة الإسلامية‮ ‬وهذا التخبط ألقى بظلاله على الحالة الاقتصادية لليمن وعلى الوضع المعيشي‮ ‬للمواطن وهوما‮ ‬يتطلب الاهتمام وعلى نطاق واسع بالجانب الاقتصادي‮ ‬والكلام للدكتور كليب الذي‮ ‬يشير إلى أهمية وضع الخطط والبرامج التي‮ ‬تتناسب مع الحالة اليمنية‮ ‬فلا ضير من إعطاء حرية للسوق شرط أن تكون حرية مسئولة وأن لا‮ ‬يترك للقطاع الخاص الحبل على الغارب فهناك حقوق وواجبات فلا تصادر حقوقهم ولا‮ ‬يعفون من واجباتهم‮.‬ ويضيف الخبير الاقتصادي‮ ‬أن هناك نهجاٍ‮ ‬اقتصادياٍ‮ ‬يختلف الباحثون في‮ ‬إسناده فمنهم من‮ ‬يسميه باقتصاد السوق الاجتماعي‮ ‬وآخر‮ ‬يسميه الطريق الثالث وهناك من‮ ‬يرى أنه منهج الاقتصاد الإسلامي‮ ‬وهو‮ ‬يعمل على تشجيع القطاع الخاص ومنحه الحرية للعمل وفق ضوابط ويشجعه على القيام بواجبه‮.‬ ويشدد كليب على ضرورة قيام الدولة بوضع خطة استراتيجية لتنمية المحافظات على مستوى المدن والأرياف وبما‮ ‬يحقق العدالة الاجتماعية‮.‬