الرئيسية - الدين والحياة - الاجتهاد الفقهي‮ ‬والتشريع الوقفي
الاجتهاد الفقهي‮ ‬والتشريع الوقفي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

علي‮ ‬بن محمد الفران –

مما لاشك فيه أن هنالك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في‮ ‬آراء الفقهاء المتعلقة ببعض قضايا الأوقاف بما‮ ‬يتواءم مع المصلحة والتطورات الحديثة‮ ‬هذا بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في‮ ‬التشريعات الوقفية الراهنة بما‮ ‬يكفل معالجة القصور فيها واستيفاء النقص‮.‬ ونستعرض في‮ ‬هذا المطلب بعض التصورات وكما‮ ‬يلي‮ :‬ أولا‮ : ‬الاجتهاد الفقهي‮: ‬ يلاحظ ابتداء أن أحكام الوقف اجتهادية قياسية فلم‮ ‬يرد نص في‮ ‬الكتاب‮ ‬وإنما ثبت بالسنة‮ ‬وقد لاحظ ذلك بعض الفقهاء وبعض المعاصرين‮ (‬1‮). ‬ من الأحكام ما استنبط من نصوص قرآنية تأمر بالإنفاق في‮ ‬سبيل الخير‮ (‬لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‭] (‬2‭) ‬و‭ [‬ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله‮ ‬‭ (‬3‭ )‬‮ ‬‭ ‬وفي‮ ‬الحديث إشارات إلى الصدقة الجارية‮ »‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث‮ : ‬صدقة جارية‮ ‬أو علم‮ ‬ينتفع به‮ ‬أو ولد صالح‮ ‬يدعو له‮«.‬ ويرد وقف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لحوائط سبعة في‮ ‬المدينة‮ ‬وترد أخبار أن بعض الصحابة‮ (‬عمر بن الخطاب‮ ‬وعثمان‮ ‬وعلي‮) ‬أوقفوا أراضي‮ ‬زراعية وغيرها بتوجيه الرسول وتشجيعه‮.‬ وهناك اتفاق أن الوقف فيه قربة إلى الله تعالى‮ ‬يبتغي‮ ‬بها رضوانه‮ ‬فهو من أعمال البر والإحسان ومفهوم الصدقة الجارية‮ ‬ومن هنا المرونة والتنوع في‮ ‬آراء الفقهاء فيما‮ ‬يخص الوقف‮ ‬كان التنوع في‮ ‬الآراء الفقهية عن الوقف‮ ‬يتصل بالتطور الاجتماعي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬من جهة‮ ‬وباختلاف البيئات المحلية‮ ‬وربما أثر الأوضاع السياسية‮ ‬ويلاحظ أن نطاق الاجتهاد في‮ ‬الوقف‮ ‬يكاد‮ ‬يتكامل خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة‮ ‬وما حصل من تطور بعدها كان محدوداٍ‮ ‬نسبياٍ‮ ‬حتى نبلغ‮ ‬الفترة الحديثة‮. ‬ وهذا‮ ‬يدعو في‮ ‬الوقت الحاضر إلى الإحاطة الشاملة بآراء الفقهاء وإلى قدر من التقنين لها للتيسير والسعة‮.‬ ويفترض في‮ ‬هذا المجال ترك الباب مفتوحاٍ‮ ‬للاجتهاد وللأخذ بما‮ ‬يناسب الحال والمصلحة والتطورات الحديثة‮ (‬4‮).‬ فالوقف مؤسسة قابلة للتطور‮ ‬بالإمكان جعلها موائمة للعصر الحالي‮ ‬ومتطلباته‮ ‬فكما وقع الاجتهاد قديماٍ‮ ‬في‮ ‬نظام الوقف فبالإمكان تطويره شكلاٍ‮ ‬ومضموناٍ‮ ‬أي‮ ‬في‮ ‬توسع أهدافه والاجتهاد في‮ ‬أحكامه‮ ‬والاستفادة من وجوده‮. ‬ كما أن الفقه الوقفي‮ ‬ثري‮ ‬في‮ ‬قواعده وأصوله وفروعه‮ ‬وأن تحديث التجارب الوقفية‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يراعي‮ ‬تلك الثروة الفقهية للاستفادة في‮ ‬إطلاق فقه الوقف وتعزيز أساسه‮ ‬وفي‮ ‬استبعاد الجزئيات التي‮ ‬حالت سابقاٍ‮ ‬دون العمل على تطويره‮ ‬مع ضرورة تبسيط إجراءات قيامه وعدم التشدد في‮ ‬أحكامه عند الإنشاء ووضع الضوابط الكفيلة بالمحافظة عليه لضمان أداء رسالته على الوجه المطلوب‮ ‬ويمكن توجيه الواقفين إلى المجالات المفيدة للمجتمع إضافة إلى الاتجاهات التي‮ ‬يرى الواقف أنها تحقق رغبته في‮ ‬الثواب‮ ‬وفتح مجالات أخرى للوقف مثل الأوراق التجارية كالأسهم والسندات وما إليها ووقف الحقوق الفكرية‮ ‬ووقف النقود‮….‬الخ‮. ‬ هذا بالإضافة إلى ضرورة وضع المعالجات الفقهية لقضايا الأوقاف التي‮ ‬حولها اختلاف في‮ ‬وجهات نظر الفقهاء‮ ‬مثل‮: ‬ ‮- ‬جواز الوقف المؤقت‮. ‬ ‮- ‬جواز الوقف الجماعي‮ ‬أو المشترك‮. ‬ ‮- ‬جواز وقف الوقت كأن‮ ‬يوقف طبيب من وقته ساعة في‮ ‬اليوم للعمل في‮ ‬المراكز الصحية لمعالجة الفقراء مجاناٍ‮ ‬وأن‮ ‬يوقف المهندس المعماري‮ ‬جزءاٍ‮ ‬من وقته لخدمة الأوقاف‮… ‬الخ‮. ‬ ‮- ‬جواز الرجوع في‮ ‬الوقف والتعليق والشرط‮. ‬ ‮- ‬جواز انتفاع الواقف بوقفه دنيوياٍ‮ ‬بأي‮ ‬صورة‮. ‬ وغير ذلك من القضايا التي‮ ‬يلزم حصرها ومعالجتها في‮ ‬ظل ضوابط تحافظ على الوقف ومقصوده‮. ‬ إننا اليوم بحاجه إلى تجديد وظيفة الوقف ليشمل صيغاٍ‮ ‬معاصرة تعالج قضايا المجتمع وتهتم بشؤونه وتحل مجموعة من مشاكله لتواكب هذه المؤسسة تطلعات الأمة في‮ ‬بنائها الحضاري‮ ‬المنشود‮ ‬ومن خلال النظر في‮ ‬حكمة مشروعية الوقف وأهدافه نجد فيه مجالاٍ‮ ‬واسعاٍ‮ ‬رحبا‮ ‬يمكن توظيفه للقيام بخدمات جليلة‮ ‬يحتاجها المجتمع اليوم‮ ‬ولا تتعارض مع الحكمة التي‮ ‬من أجلها شرع هذا النظام التكافلي‮ ‬والتعاوني‮ ‬الذي‮ ‬يدخل تحت قاعدة‮ »‬حبس الأصل وتسبيل الثمرة‮« ‬وفق صياغات جديدة وتصور معاصر لصيغ‮ ‬الوقف وأشكاله‮ (٥).‬ هامش‮:‬ ‮(‬1‮) ‬البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار‮ ‬لأحمد بن‮ ‬يحيى المرتضى‮ ‬4‮/‬166 ‮(‬2‮) ‬سورة آل عمران الآية‮ ‬92‮ .‬ ‮(٣) ‬سورة البقرة الآية‮ ‬110 ‮(‬4‮) ‬مستقبل الوقف في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬للأستاذ عبد العزيز الدوري‮. ‬بحث منشور في‮ ‬مجلة المستقبل العربي‮ ‬العدد‮ (‬274‮) ‬ص‮ ‬121‭.‬‮ ‬ ‮(‬5‮) ‬الجامعة الوقفية الإسلامية‮ ‬بحث للدكتور عبدالستار الهيتي‮ ‬منشور في‮ ‬مجلة أوقاف الكويتية العدد‮(‬2‮) ‬ص89‮ .‬