الرئيسية - عربي ودولي - الإخفاقات والأخطاء السياسية التي أدت إلى عزل مرسي
الإخفاقات والأخطاء السياسية التي أدت إلى عزل مرسي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تحليل/إسكندر المريسي – هي مصر حاملة الدنيا على كتفها وشاغلة الناس مصر حقيقة التاريخ والجغرافيا وعبقرية الزمان والمكان ما كانت حديثاٍ يفترى.. لكنها كانت وما زالت وستظل تلك الحقيقة قلب الأمة النابض بالحيوية والتجدد. وعبر التاريخ لم تكن مصر وتحديداٍ قاهرة المعز بمنأى عن عواصف التآمرات التي اجتاحت الوطن العربي فمنذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م مروراٍ بنكسة 5 حزيران 1967م وأعداء الأمة العربية يستهدفون مصر ماضياٍ وحاضراٍ ومستقبلاٍ. وعلى أهمية ما شهدته من تحولات خلال اليومين الماضيين شملت تغيير نظام الحكم السياسي الذي لم يدم أكثر من عام أخفق خلاله في تحقيق الحد الأدنى من متطلبات الشعب المصري.. الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الإخفاقات.. فبادر بالخروج إلى الشارع في عموم المدن المصرية مطالباٍ بالتغيير. فكان المجلس العسكري المصري خيار الضرورة القصوى لتجنيب مصر عواقب الانزلاق السياسي ومن الصعوبة بمكان تفكيك وحدة مصر الوطنية لأن مصر لن ولم تدخل مرحلة العمى السياسي لأن فيها كوادر سياسية مجربة وفقهاء القانون الدستوري وخبراء ذرة وفيزياء واقتصاد. لذلك وبالنظر إلى ما شهدته مصر من تحول في النظام السياسي ودخول مصر مرحلة انتقالية جديدة بعد عام من حكم مرسي يقودها رئيس المحكمة الدستورية العليا.. وهنا تبرز العديد من التساؤلات حول طبيعة التغيير الذي حدث والإخفاقات التي رافقت نظام حكم مرسي وأدت إلى عزله من منصبه. يرى المراقبون والمحللون أنه عندما تتآكل منظومة السياسة المحلية وتسقط بالتأكيد يكون من الطبيعي كنتيجة مترتبة سقوط تلك السياسة والنظام والرئيس معاٍ ولكن عندما تسقط الثقافة يسقط الوطن وما حصل في جمهورية مصر خلال السنة الماضية كانت معركة واضحة بين الثقافة السياسية والمراهقة السياسية وكادت النتائج المترتبة إزاء ذلك أن تعصف بالوطن وبوحدته الداخلية.. إلا أن ما حدث لم يكن انقساما سياسيا مركزا كان بالإمكان تفاديه لو كان كذلك بقدر ما حدث من مؤشرات خطيرة لانفصال مصر عن مصر وما كان ذلك ليكون إلا بسبب فقدان اللاعقلانية السياسية وهيمنة العبثية في أرقى صور الفوضى السياسية. بدليل أن إدارة العملية السياسية تحولت من الحل السلمي إلى صناعة أزمة سياسية بدءاٍ من تشكيل الجمعية الدستورية بطريقة لا دستورية وتم استبعاد المحكمة الدستورية العليا وما نتج عن ذلك من أزمة حقيقية بين رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية لم تسفر عن حل بقدر ما أسفرت عن ترحيل الأخطاء من المنطقة الساكنة إلى المنطقة الساخنة فحصل تراكم سلبي لتلك الأخطاء في ما يسمى بالسياسة قانون المنعكس الشرطي الذي يعني إنهيار ضمير السياسة في لحظة الانفجار. فالدستور المصري مرر تمريرا خاطئا وتم التلاعب بأعضاء الجمعية التأسيسية ولم يتم مراعاة قانون السلطة القضائية ولا مراعاة المحكمة الدستورية وجيء بقاضُ مستجد بالحركة الدستورية المصرية وهو عصام العريان رغم وجود كفاءات مثل أستاذ الفقه الدستوري طارق البشري الذي سبق وأن رأس اللجنة الدستورية أثناء الأزمة المصرية في نهاية عهد الرئيس مبارك برغم أن الدستور المصري وضع في ظروف سياسية غير طبيعية وفي واقع خلاف سياسي كانت تشهده مصر وخناق واضح في الشارع السياسي المصري بين المؤيدين للمسودة الدستورية والمعارضين لها ولم يجر كما أشرنا حسم الخلاف بطريقة عقلانية بقدر ما حدث في الدستور من عملية استقواء انتفت الصفة الدستورية عن ذلك تماماٍ. باعتبار أن الدساتير لا تضع وفقاٍ لمعايير الأغلبية والأقلية ولكن توضع بالتوافق بين الأغلبية والأقلية مع مراعاة الأقلية في ذلك التوافق والخطأ الذي نتج عن الأزمة الدستورية والقانونية الاستناد على الأغلبية بفارق 2% مما جعل المعادلة المضادة أغلبية الأغلبية بفارق 2% أدى ذلك إلى توسيع الانقسام السياسي وإلى خروج الشعب المصري ليس بطريقة استعراض القوة بين السلطة والمعارضة والقدرة على حشد الجماهير ولكن بدافع أن ما حدث خطأ استراتيجي لا يمكن تمريره أو القبول به. وكانت السنة المنصرمة فترة كافية لتشهد مصر أوسع وأشمل حريق سياسي لرئيس منتخب نجح شعبياٍ وفشل سياسياٍ عندما انتقل من النظرية إلى التطبيق وبالتالي ظلت الاحتقانات السياسية تشهد طيلة تلك السنة تراكمات سلبية تراوحت بين الخطأ والخطيئة وامتدت الأزمة تارة بين رئاسة الجمهورية والسلطة القضائية وتارة أخرى بين النائب العام وأعضاء النيابة العامة ومجلس القضاء الأعلى من جهة ورئاسة الجمهورية وجماعة الأخوان من جهة أخرى واتسعت دائرة الاحتقانات السياسية وبلغت الذروة في تسيير المظاهرات والمسيرات وكأن مهمة رئاسة الجمهورية عمل إحصائية مع أو ضد ولم يحصل حتى هبة حامية وهبة باردة ولكن كما أشرنا خناق سياسي في الشارع المصري. وكان ذلك دليلاٍ واضحاٍ على فشل الرئاسة في ضبط إيقاعات السياسة المحلية المصرية خاصة والتسوية باعتبارها الحل الناقص للمشكلة نتجت عنها سلسلة قرارات عشوائية وارتجالية بين إقالة النائب العام المستشار محمود عبدالمجيد وأدى ذلك إلى اعتصام القضاة ثم صدور قرار بإعادة النائب العام ثم استمرار الأزمة وصدر قرار بإقالة النائب العام فطال الاشتباك بين مؤسسات الدولة المصرية العليا ليتم إقالة أعضاء المحكمة الدستورية في سابقة خطيرة تعد الأولى من نوعها ولم يكن القضاة طرفاٍ في الأزمة السياسية المصرية خاصة أعضاء المحكمة الدستورية العليا وبالتالي تكرر الاشتباك بين رئاسة الجمهورية والقضاة فكانت نتائج قانون المنعكس الشرطي المطبق في السياسة المحلية المصرية نقل التسوية السياسية إلى المؤسسة العسكرية المصرية. حيث جرى إقالة وزير الدفاع الفريق محمد حسين طنطاوي الذي أفشل امتثل للقرار وكان الاعتقاد السائد من قبل المرشد العام للجماعة أن إقالة طنطاوي فاتحة الطريق للهيمنة على المؤسسة العسكرية وأيد المجلس العسكري قرار رئيس الجمهورية وعين عبدالفتاح السيسي وزيرا للدفاع وكان الهدف في حسابات وتقديرات الجماعة إلى أي مدى ممكن ترويض المؤسسة العسكرية المصرية وإلى أي مدى ممكن تسييس الجيش من خلال السيسي. بيد أن تلك الحسابات ذهبت أدراج الرياح فكان السيسي الذي أيدت جماعة الأخوان تعيينه وزيراٍ للدفاع أكثر من عشرة طنطاوي غير قابل للترويض أو الاحتواء وغير قابل للطرق أو السحب أو التشكيل ما جعل الأزمة تتمحور ليس بين رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية ولا بين الجيش والقوى السياسية ولكن بين جماعة الأخوان والسيسي الذي أيدته تلك الجماعة ثم بدأت تتلفت يميناٍ ويساراٍ لعلها تعثر على عسكري جديد لكي تؤسس خلافا داخل المؤسسة العسكرية المصرية. لكنها كما قلنا وطالت مفاصل المؤسسات المهمة في الدولة المصرية فكان من الطبيعي بحسب المراقبين سقوط مرحلة العام بكل حصاده السلبي لأن بقاء الحال وفقاٍ لما كان سائداٍ يعني استنزاف مصر من الداخل. ويتعين على مصر أن تدخل مرحلة الضرورة المؤلمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ودلالة وأن تنهي في جدول أولى مهامها العملية الأزمة القائمة في مؤسسات الدولة المصرية وألا تمارس اللعب أو المزح في هذا الشأن تحديداٍ حتى تستعيد للسلطة القضائية توازنها الطبيعي لتكون مصر طبيعية كما عودتنا تلي ذلك سرعة إنهاء الاحتقان السياسي المتزايد في الشارع المصري ثم إرجاء المفهوم التقليدي الاحتكام إلى الصندوق لأن الصندوق بلا عقل ولا منطق ولكن الاحتكام إلى العقل والمنطق يحتل أولوية في مرحلة الضرورة المؤلمة لتفادي خطر التآكل التدريجي في وحدة مصر الوطنية لكي لا يضيع وطن تحت دواعي ومبررات الشرعية والبحث عن الديمقراطية لأن الشرعية تعني العقل مناط التكليف في إدارة شؤون الناس وليس إدارة المشاكل بالعبث والخناق والاستقواء بتلك الشرعية. وتستدعي أولويات المرحلة الراهنة عودة الهدوء للعملية السياسية بسرعة وسرعة تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات وإعادة النظر في جذر الأزمة التي بدأت من نقطة الارتكاز الأولى ثم إعادة النظر في التشريعات السياسية الخاصة بالأحزاب والتنظيمات السياسية لضمان أن تكون تلك الأحزاب عوامل أمن واستقرار وأدوات بناء لمصر وليست معاول هدم وتخريب وأن تكون المنافسة والمسابقة على مسألتين أساسيتين تتركزان في حل مشاكل الناس واستكمال مهام بناء الدولة المصرية بعيداٍ عن إثارة النزاعات الداخلية وإقلاق الأمن والاستقرار لأن الشجار الداخلي أمر معيب في حق مصر الكبيرة بأبنائها وشعبها وحضارتها.