الرئيسية - محليات - الفقر .. البطالة .. الغلاء .. ثالوث يغتال أحلام البسطاء
الفقر .. البطالة .. الغلاء .. ثالوث يغتال أحلام البسطاء
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

الفقر .. البطالة .. الغلاءº ثالوث بغيضº يزداد يوماٍ بعد يوم في بلادنا ويفتك بالآلاف من المواطنين وخاصة عمال البناء بمحافظة الحديدة الذين يتجمعون منذ الساعات الأولى للصباح على أرصفة وجولات الشوارع الرئيسية حاملين معهم معدات العمل الخاصة بالبناء والطلاء والسباكة على أمل الحصول على عمل لعدة ساعات في اليوم يوفرون من خلاله لقمة العيش اليومية لأطفالهم الذين في بعض الأحيان لا يتناولون إلا وجبة واحدة فقط في اليوم ولكنهم يقضون الأيام والأسابيع والشهور بدون عمل ويعودون إلى أطفالهم فارغي الأيدي. ونتيجة هذا الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه العمال في الحديدة وغيرها من المحافظات أصبحت أحلام وآمال هذه الشريحة الواسعة والهامة في المجتمع لا تتعدى توفير لقمة العيش الكريمة لأسرهم فقط. ومن خلال هذا التحقيق لامست صحيفة “الثورة” معاناة هذه الشريحة الهامة في المجتمع والذين تحدثوا بأنفسهم عن معاناتهم مع البطالة والفقر والغلاء والاستغلال والظلم الذي يتعرضون له من قبل المقاولين وأصحاب الأعمال وسط غياب الجهات ذات العلاقة وغيرها .. فإلى المحصلة:

* العزي محمد يوسف 35- سنة- عامل حجر وطين يقول: هل تعلم ياأخي بأنني دون عمل منذ أسبوعين حيث أقف في حراج غليل منذ الساعات الأولى من الصباح وحتى غروب الشمس دون جدوى في الحصول على أي عمل وأطفالي الـ6 يتضورون جوعاٍ ولولا عناية الله سبحانه وتعالى بهم الذي سخر لهم بعض الجيران يتصدقون عليهم ببقايا الأكل الذي يسدون به جوعهم وأجهش العزي بالبكاء أثناء حديثه وتوقف عن الحديث, وبعد لحظات استأنف حديثه بقوله: مهنتي هي حجر وطين وهي الوحيدة التي أجيدها والتي أسعى جاهداٍ من خلالها للحصول على عمل لأوفر من خلاله لقمة العيش الكريمة لأطفالي فأنا أخرج من بيتي عقب صلاة الفجر حاملاٍ معي أدوات العمل الخاصة بالبناء داخل شوالة لطلب الرزق الحلال إلا أني  منذ فترة أعود إلى أطفالي الذين ينتظرون عودتي يومياٍ بفارغ الصبر خالي اليدين كوني  لم أجد عملاٍ أو شغلاٍ على الرغم من المكابدة وبذل كل الجهود.  ويشير العزي بقوله: هذا هو حالي مع الفقر والبطالة والغلاء الذين جعلوني عاجزاٍ عن تحمل مسئولياتي تجاه أطفالي وتوفير لقمة العيش الكريمة والرعاية الصحية والتعليمية الكاملة لهم وأصبحت أعاني من حالة نفسية نتيجة هذا الوضع المعيشي الصعب الذي أمر به ويمر به جميع العمال. (أدرس وأعمل) * عبدالله محمد مزهري  -22 سنة طالب جامعي- تحدث معي بابتسامة يملأها الحزن واليأس والإحباط في نفس الوقت بقوله: أعمل وأدرس في نفس الوقت منذ 5 سنوات بعد أن أصبحت أعيل أسرتي بعد وفاة والدي تاركاٍ لي ثمانية من الإخوان الأطفال معظمهم فتيات ويدرس ستة منهم. وكان لزاماٍ علي البحث عن عمل بعد وفاة والدي وبعد سنتين من البحث المتواصل حصلت على عمل في محل لبيع الأدوات الصحية المنزلية أعمل فيه بعد خروجي من المحاضرات الجامعية التي لا أحضر منها إلا 50% في الأسبوع فقط نظراٍ لانشغالي في العمل  لتوفير لقمة العيش الكريمة لإخواني الأيتام مع تزايد طلباتهم اليومية والغلاء الفاحش المتصاعد من يوم إلى آخر وأجري اليومي الذي أحصل عليه في اليوم من المحل هو 700 ريال فقط والذي أعمل من أجل الحصول  عليه من الصباح إلى الليل . (لا يكفي لوجبة واحدة) ويضيف مزهري بقوله: رغم أن هذا المبلغ لا يكفي لوجبة واحدة لكن الحاجة الماسة أجبرتنا على قبول هذا المبلغ الزهيد رغم أني في العطلة الدراسية أعمل طوال اليوم إلى الساعة الحادية عشرة ليلاٍ في هذا المحل التجاري يتخللها ساعة واحدة راحة لتناول وجبة الغداء وعندما أصل إلى المنزل بعد انتهاء الدوام انطرح مباشرة على الفراش فأغط في نوم عميق جراء شدة التعب والإرهاق هذا هو برنامجي اليومي بما فيه أيام العطل الرسمية والجمعة وكله سعي في الحصول على ما أسد به حاجة أسرتي وقد حاولت البحث عن عمل آخر منصف إلا أني لم أجد نهائياٍ. (ظلم في الأجور) * هبة يحيى محمد -35 سنة- بدأ حديثه والحزن يملأ تقاسيم وجهه بقوله: لي (20) سنة أمتهن الحجر والطين كعامل وكل ما أحصل عليه من هذا العمل إذا عملت لا يكفي مصاريف لأسرتي المكونة من ستة أشخاص وخاصة وأنى أسكن بالإيجار بالإضافة إلى أني قد أعمل يوماٍ أو يومين وأتوقف عن العمل من أسبوعين إلى شهر وأحياناٍ شهرين أو ثلاثة هذا هو حال عامل البناء في محافظة الحديدة. ويشير هبة بقوله: هذا العمل بشكل عام غير منتظم الأمر الذي يجعلني أمر في معظم الأوقات بأزمة مالية كبيرة تجبرني على الاقتراض أو أخذ مواد غذائية لأولادي دِيúناٍ إذا وافق صاحب الدكان أو المحل التجاري الذي أتعامل معه كما أن ارتفاع الأسعار إلى جانب ارتفاع مواد البناء مثل الإسمنت والخشب والحديد وغيرها ساهم بشكل كبير جداٍ في انتشار البطالة بين عمال البناء إلى حد لا يتصوره أحد حيث تتوقف عملية البناء والتشييد تماماٍ وهذا ينعكس على الأيادي العاملة في مواد البناء, كما أن العمال يتعرضون كذلك للظلم والاستغلال من قبل المقاولين وخاصة عمال محافظة الحديدة حيث يعطونهم أجوراٍ أقل مما يستحقون نظراٍ لأنه لا توجد جهة أو قانون في بلادنا يحمي الأيادي العاملة من قهر وظلم المقاولين وأصحاب الأعمال وبعض الجهات لا نسمع عنها  إلا في وسائل الإعلام فقط وهي غائبة تماماٍ وتتجاهل مهامها تجاه العمال المتمثلة في حمايتهم والوقوف إلى جوارهم والأخذ بحقوقهم من المقاولين وأصحاب الأعمال الذين يستغلونهم نتيجة قلة الأعمال ويعطونهم أقل مما يستحقون من أجور. (استغلال وظلم) * أما إبراهيم حمادي القليصي -47 سنة- الذي أطلق عدة تنهيدات قبل البدء في الحديث والذي بدأه بقوله: لي 18 سنة أعمل حجر وطين يا أخي فالعمال في الحديدة يعيشون معيشة ضنكة وسط غياب اهتمام الدولة بهم من حيث تنظيم واجباتهم وحقوقهم وهناك الآلاف من هؤلاء العمال بالحديدة يتعرضون للظلم والاستغلال من قبل المقاولين وبعض أصحاب الأعمال الذين يستغلون عدم وجود جهات معنية بالدولة أو نقابة تدافع وتطالب بحقوقهم وتقف إلى جوارهم في هذه المظالم التي يتعرضون لها هذا إلى جانب قلة الأعمال وندرتها بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء بشكل جنوني في ظل غياب الجهات الرقابية المختصة في بلادنا التي تتسبب في توقف عملية البناء والتشييد الذي ينعكس بدوره على الأيادي العاملة الذين يعملون بالأجر اليومي. ويستطرد القليصي حديثه بقوله: أنا أذهب عقب صلاة الفجر يومياٍ إلى سوق الحراج بغليل مع المئات من العمال الآخرين مثلي ونجلس على الرصيف إلى أن يحول الله ونشتغل مع أحد المقاولين أو مع  صاحب العمل نفسه بعد أن يقع الاختيار علي أذهب معه للعمل وهكذا يوم نجد عملاٍ وأسبوع أو أسبوعان لا نجد والذي أحصل عليه من هذا العمل لا يكفي مصاريف المنزل فأنا عندي أسرة مكونة من 12 شخصاٍ أحتاج على الأقل 300 ريال قيمة روتي لوجبة الفطور ومثلها للغداء والعشاء أي 900 ريال للروتي فقط في اليوم الواحد في حين يتراوح الأجر الذي أتقاضاه إذا حصلت على عمل ما بين 1500 إلى 2000 ريال فقط في اليوم  لهذا العمال وأطفالهم يتضورون جوعاٍ وسط خطابات سياسية فارغة ينقصها التطبيق على أرض الواقع . وتساءل القيلصي بالقول: أين دور الجهات المختصة بالدولة وأعضاء مجلس النواب الذين انتخبهم هؤلاء العمال المغلوبون على أمرهم والذين بعض حراجات العمال بالحديدة تقع جوار منازلهم ويشاهدون بأنفسهم العمال على أرصفة هذه الحراجات بالمئات دون عمل. (ندرة الأعمال) * علي يوسف محمد -36 سنة- عامل حجر وطين لم يستطع منع دموعه من النزول على خديه في بداية حديثه حيث قال: ياأخي هل تعلم بأننا دون عمل منذ شهرين أحضر للجلوس بحراج العمال حاملاٍ أدوات البناء معي منذ الصباح الباكر إلى الظهيرة فلا أجد أي عمل ولدي أسرة مكونة من ستة أشخاص يتضورون جوعاٍ ولولا لطف الله -الذي سخر لنا بعض الأشخاص الخيرين- الذين يعلمون وضعي المعيشي ويعطون أسرتي بعض المواد الغذائية التي تسد رمق جوعهم وهنا توقف “علي” عن الحديث للحظات لم يستطع خلالها حبس دموعه ثم واصل حديثه بحزن عميق: نقف في حراجات العمال في المطراق وجولة شمسان وغليل وغيرها من الحراجات أيام وأسابيع وشهور بدون عمل وعندما نجد عملاٍ فمردوده لا يكفي لمصروف نصف يوم فالكيلو الدقيق ارتفع إلى 120 ريالاٍ والروتي بـ10 ريالات وبنفس وزن سعره السابق(!!) وأجور العمال كما هي لم تتغير ولم نجد حتى العمل المنتظم بنفس هذه الأجور. (مدرس وعامل طلاء) * وأثناء تجولي بحراج عمال المطراق المكتظ بالعمال الذين تختلف هيئاتهم وسنحاتهم وملابسهم لفت نظري أحد الشباب الواقفين في الحراج الذي كان يختلف كثيراٍ عن بقية العمال في هيأته وملابسه المبقعة بالطلاء فاقتربت منه وسلمت عليه وكان يحمل بيده عصاٍ طويلة مخصصة للطلاء فسألته عن اسمه وعمله فقال: اسمي “علي.ا.ع – 30 سنة- متزوج ولدي أربعة أطفال حاصل على دبلوم عالي معلمين ومدرس تخصص رياضيات- أعمل بعد دوامي المدرسي عامل طلاء للمنازل كون راتبي الذي أتقاضاه من التربية عن التدريس لا يكفيني مصاريف إلى منتصف الشهر في ظل هذا الغلاء الفاحش الذي يفتك بالناس وسط صمت مطبق للحكومة اليمنية السابقة والحالية فأنا كل يوم أحضر إلى حراج العمال بعد انتهاء دوامي الرسمي يوم أجد عملاٍ ويومان أو أسبوع لا أجد!! ويضيف المدرس “علي” بقوله: عندما أجد عملاٍ مردوده يساعدنا كثيراٍ في مصاريف المنزل اليومية بالرغم من أن العمل تراجع بشكل كبير خلال الأشهر الماضية نتيجة الغلاء الفاحش الذي تمر به البلاد وخاصة ارتفاع أسعار مواد البناء والطلاء الذي انعكس على معيشة العمال ولكن الله سبحانه وتعالى لا يترك كل مجتهد في البحث عن الرزق الحلال والكريم فهو يرزقه من حيث لا يحتسب والحمد الله على كل شيء يوم نجد عملاٍ ويوم لا هكذا هو وضع عمال الحجر والطين والطلاء في بلادنا وخاصة محافظة الحديدة. (الفقر يسرق أجسادهم) * ولم تختلف معاناة محمد عبده -32 سنة- كثيراٍ عن “علي” و”عبدالله” فهو خريج ثانوية عامة ولديه خمسة أطفال والذي قال والحزن يعتصره: بحثت عن وظيفة أو عمل ثابت أستطيع من خلاله توفير لقمة العيش الكريمة لأطفالي فلم أجد فلجأت إلى العمل الحر كعامل حجر وطين أقف يومياٍ في حراج المطراق من السادسة صباحاٍ إلى العاشرة أو الحادية عشر ظهراٍ انتظر وصول أي مقاول أو شخص يبحث عن عامل وإذا حصلت على عمل لمدة يوم أو يومين أتوقف أسبوعاٍ أو أسبوعين, والمردود الذي أحصل عليه آخذ منه حاجتي الشخصية وأسلم الباقي لأسرتي. ويضيف عبده: إن عملية البناء والتشييد هذه الأيام قلت كثيراٍ بسبب غلاء مواد البناء مثل الإسمنت الذي ارتفع إلى أكثر من 45% والخشب 50% والطلاء وغيرها من مواد البناء التي شهدت ارتفاعاٍ كبيراٍ للأسعار وأصبح معظم الناس نتيجة ذلك فقراء لا يفكرون في البناء بل يفكرون كيف يوفرون لقمة العيش الكريمة لأسرهم وأطفالهم هذا جانب أما الجانب الآخر فالعمال الذين يعملون “حجر وطين” فقراء ومساكين جداٍ وانظر إلى ملابسهم الممزقة والمرقعة وانظر إلى حالاتهم كيف يتسابقون إذا حضر مقاول يريد عمالاٍ انظر إلى الفقر والعوز يسرق أجسادهم يوماٍ بعد يوم حتى أصبحوا هياكل عظمية وعلى الرغم من ذلك فهم يتعرضون للاستغلال من أصحاب الأعمال أو المقاولين دون أن يجدوا من يقف إلى جوارهم وحمايتهم من هؤلاء الجشعين. (كساد كبير) * حسن عبد الرحمن مهدي -36 سنة- من مديرية المراوعة وجدته واقفاٍ بحراج العمال بالمطراق وهو يرتدي فوطة وشميز متسخين حيث لم يختلف حديثه عن الذين سبقوه من العمال فهو يعول 4 أطفال حيث يقول: إن هناك كساداٍ كبيراٍ للأيادي العاملة بمحافظة الحديدة في الوقت الذي بات شبح الجوع يتهدد الآلاف من العمال مع أطفالهم وأسرهم وخاصة العاطلين عن العمل بعد أن أغلقت كافة أبواب العمل سواء داخل الوطن أو خارجه وأصبح بعض العمال يذهبون إلى مقالب القمامة للبحث عن زوائد وفضلات الأكل التي ترمى ويقتاتون منها. ويرى مهدي أن الذي أوصل بلادنا إلى هذا الوضع المزري والمتأخر إلى العصر الحجري هو الفساد الذي دمر كل شيء جميل في بلادنا والذي للأسف وجد من يرعاه وينميه حتى أصبح جزءاٍ من الثقافة اليمنية ومن الصعب اجتثاثه بسهولة إلا في حالة اجتثاث القات هنا فقط يمكن المحاولة والنجاح في القضاء على الفساد الذي أعاد بلادنا مئات السنين إلى الخلف. (من موظف إلى عامل بناء) * محسن علوي -42 سنة- ولديه 6 أطفال- من العمال الذين يقفون بحراج جولة شمسان بدأ حديثه مستهزئاٍ من الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي تسير عليه بلادنا قائلاٍ: كنت موظفاٍ وحصل لي مرض فغبت عن العمل لمدة سنتين وعندما ذهبت إلى عملي قالوا لي أنت مفصول! فحاولت المراجعة وقدمت لهم كل ما يثبت صحة كلامي بأنني كنت مريضاٍ دون جدوى فسافرت إلى عدة محافظات للبحث عن عمل فلم أجد فتحولت إلى مهنة عامل بناء وهنا أنا كما ترى أقف في حراج العمال انتظر أي شخص يحضر يريد عامل بناء فأذهب معه إذا تم اختياري وبالمردود الذي أتقاضاه أسد حاجة أسرتي بقدر المستطاع . وأضاف: رغم ما نعانيه نحن عمال البناء من بطالة وفقر وغلاء معيشة إلا أننا نشعر بحلاوة الأجر الذي نتقاضاه إذا عثرنا على عمل كونه حلالاٍ تعمل من أجل الحصول عليه تحت أشعة الشمس الملتهبة وخاصة هذه الأيام -فصل الصيف- الذي تكون الحرارة والرطوبة فيه بالحديدة شديدة إلا أننا نعمل ونكافح من أجل أطفالنا بعكس بعض الفاسدين الذين يأكلون أموال الشعب ويأكلون أطفالهم وأسرهم حرام في حرام.