الرئيسية - محليات - الحرب على “القاعدة” ليست سوقا◌ٍ للابتزاز السياسي الرخيص
الحرب على “القاعدة” ليست سوقا◌ٍ للابتزاز السياسي الرخيص
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

إعداد/ قسم التحليل السياسي – أكد الرئيس هادي في خطابه الأخير أمام طلبة كلية الشرطة بصنعاء الخميس الماضي أن شراكة اليمن مع المجتمع الدولي في الحرب على الإرهاب ليست سراٍ ولا ترفاٍ في رسالة واضحة وصريحة وجهها إلى من وصفهم بـ”المتباكين على السيادة بصورة مستغربة” آملاٍ في أن يكفوا عن الاستمرار في تلك التراجيديا المصطنعة التي ينسجون سوداويتها للنيل من جهود الدولة الساعية إلى اجتثاث آفة الإرهاب التي ابتلي بها التراب اليمني. فعلى مدار أشهر من تولي هادي مقاليد السلطة وسياط النقد الموجهة والمبطنة لشخصه لم تتوقف متخذة وجهات عدة ترتكز عليها في هجومها الشرسإلا أنها وجدت مرتعها الأخصب بجوار ملف”إرهاب القاعدة” والضربات الجوية التي تنفذها بالتنسيق مع الأجهزة اليمنية طائرات أميركية من دون طيار إلى جوار الغارات التي ينفذها سلاح الجو اليمني. وأخذ هذا الخطاب يسود هذه الفترة كلها منساباٍ من ألسنة شخصيات وأحزاب وجماعات سياسية تتذرع بالإنساني والحقوقي في الظاهر وترمي في الحقيقةٍ للنيل من شخص رئيس الدولة مع أنها تدرك جيداٍ حجم التهديدات والتحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد ومدى المخاطر التي بات تنظيم”القاعدة” يمثلها على أرواح كل اليمنيين بامتداد الوطن. كما بات هذا الخطاب المتباكي يشتد ضراوة وتشنجاٍ مع كل ضربة يتلقاها التنظيم الإرهابي في الفترة الأخيرة محاولاٍ أن يضع الرئيس هادي أمام الرأي العام المحلي والدولي في مقام المتهم والمفرط في السيادة الوطنية والمتخاذل عن حماية شعبه من صواريخ الطائرات بدون طيار. ورغم أن هذا الصراخ أفضى إلى امتدادات خارجية له إلا أنها جاءت كاشفة عن نماذج بائسة تتكئ على الفهم الناقص واللغة المسفة الخالية من الدبلوماسية والإنصاف ومع كل هذا الإسفاف في التقصد المغرض لشخص رئيس الدولة فإنه لم يتنصل من حقيقة التعاون الأمني مع واشنطن إذ ليست تهمة ولاجريمة وسبق أن أكد أن اليمن يصادق على كل ضربة جوية تنفذها الطائرات الأميركية من دون طيار على الأراضي اليمنية في سياق الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب العالمي. وفي العرف الدبلوماسي الدولي ليس في ذلك عيب ولا انتقاص من السيادة الوطنية بأي حال من الأحوال فهناك حرب تدور وتنظيم أهوج لا يرى ولا يسمع ولا ينطق إلا من خلال الدم المراق بفعل الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة والعبوات المتفجرة والاغتيالات الدنيئة والجبانة التي ينفذها ضد ضباط الجيش والشرطة والأمن والمواطنين الأبرياء والمصالح الحيوية للبلاد. ومن اللافت أن “المتباكين” على دم الإرهاب المسكوب بشتى أنواعهم في الداخل والخارج على حد سواء يغفلون جزئية مهمة ضمن حيثيات كثيرة تتعلق بمشروعية استعانة الدولة اليمنية بالتقنية الأميركية الفائقة الدقة في مواجهة تنظيم”القاعدة” والنيل من قياداته وعناصره متعددي الجنسيات وهي عدم مقارنتهم بين الحالتين اليمنية والباكستانية. فرغم أن الجيش الباكستاني المصنف ضمن أقوى عشرين جيشاٍ في العالم والأقوى عتاداٍ وعددا وعدة وصاحب القنبلة النووية وصناعات الأسلحة ولا يمكن مقارنته بالجيش اليمني المحدود القدرات وصاحب الإمكانات المتواضعة رغم كل ذلك فالطائرات الأميركية أيضاٍ – بإذن أو بدون إذن- تضرب باستمرار متشددي “القاعدة” في المناطق الباكستانية المحاذية لأفغانستان دون أن ينتقص ذلك من سيادة الشعب الباكستاني ولا جيشه الضارب. ولعل المتبصرين بخفايا الأمور اليمنية يدركون أنه لا يصح توجيه الاتهام للحكومة والقيادة بالعجز والارتهان لدولة أجنبية تتولى عنها مهام الدفاع والأمن إلا في ظل وجود ظروف طبيعية تعيشها الدولة عسكرياٍ وأمنياٍ واقتصادياٍ. ويشير الواقع الراهن إلى أن اليمن تعيش هدنة هشة في ظل عملية انتقالية مهددة ومع وجود مراكز صراع وقوى متربصة ببعضها واقتصاد مهلهل ووضع أمني مشتت تزدهر فيه جماعات مسلحة لغتها القتل وغايتها اقتناص الفرصة لإقامة إمارتها الموعودة على أي رقعة شاغرة وهو ما يجعل من الطبيعي أن تواصل الدولة شراكتها مع الخارج للقضاء على الإرهاب. ومن العجيب المتناقض في سوق البكائين إما لهوىٍ أو لكراهية أن تجد فيهم من ينتقد الغارات الجوية الأميركية في اليمن ليثبتوا فقط الإساءة لرئيس الدولة بعد أن يعقدوا في خيالهم مقارنات باطلة بين عهدين حاكمين متجاهلين أن اليمن منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 وجد نفسه مضطراٍ للدخول في شراكة دولية لمكافحة الإرهاب والعمل مع المجتمع الدولي لمحاصرة تحركات”القاعدة” خصوصاٍ في ظل تفلت الأمن في القرن الإفريقي وتحول الصومال إلى حاضن للجماعات المتشددة. وليس خافياٍ أن نظرة المجتمع الدولي إزاء وجود خطر محدق يهدد مصالحه في اليمن تنامت تدريجيا بعد أن أخذ التنظيم الإرهابي يضرب أهدافاٍ غربية ابتداء من محاولة استهداف الجنود الأمريكيين بقنبلتين في عدن أواخر ديسمبر عام 1992م ووصولاٍ إلى الهجوم على المدمرة الأميركية كول في خليج عدن في أكتوبر عام 2000م والذي أسفر عن مقتل 17 جندياٍ أميركياٍ وإصابة38 آخرين وانتهاء بالهجوم على السفارة الأمريكية في سبتمبر من العام 2008م حيث قتل 16 شخصاٍ. وفي نهاية المطاف أخذ المئات من عناصر التنظيم من جنسيات عربية وأجنبية يتوافدون على اليمن خاصة بعد تضييق السلطات السعودية الخناق على عناصره في أراضيها الأمر الذي قادهم إلى توحيد فرعي التنظيم في السعودية واليمن مطلع العام 2009م تحت مسمى”تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” واتخاذ اليمن مقراٍ لقيادته. وفي تطور خطير في استراتيجية الهجمات النوعية أخذ التنظيم يفكر في عمليات عابرة للحدود دون أن يكتفي بالعمليات المحلية وتترجمت أولاها في تبنيه محاولة فاشلة لتفجير طائرة أميركية متجهة من أمستردام في هولندا إلى ديترويت في الولايات المتحدة في ديسمبر عام 2009م بواسطة النيجيرى عمر الفاروق قبل أن يتم إحباطها. وتوالت محاولات التنظيم في نهاية أكتوبر عام 2010م بعدما عثرت السلطات الإماراتية في مطار دبي على طرد يحتوي آلة طباعة ملغومة جاء من اليمن على متن طائرة شحن متوجهة إلى الولايات المتحدة وسط اعتقاد بوقوف السعودي إبراهيم عسيري وراء ابتكار جيل جديد من المتفجرات غير التقليدية التي يصعب اكتشافها أمنياٍ. وإزاء كل هذا لم يكن أمام اليمن من خيار سوى الانضمام إلى خندق المواجهة العالمية ضد هذا التنظيم الذي توغل في أراضيه لدرجة أنه استطاع في العام 2011م مستغلاٍ تدهور الأوضاع الأمنية جراء الاضطراب السياسي أن يحكم قبضته على محافظة أبين وأجزاء من شبوة ويعلن فيها إمارات إسلامية قبل أن يستعيد الجيش توازنه في عملية “السيوف الذهبية” التي أسفرت منتصف العام 2012م عن دحر مسلحي التنظيم وفرارهم إلى مناطق صحراوية وجبلية والتجاء بعضهم إلى مناطق القرن الإفريقي. وأدت الضربات الجوية المتوالية سواء تلك التي تتم بالتنسيق مع طائرات أميركية من دون طيار أو التي ينفذها سلاح الجو اليمني أدت إلى خلخلة صفوف التنظيم والنيل من أبرز قياداته حتى الآن ابتداء من قتل أبو علي الحارثي في العام 2002م وحتى مصرع نائب زعيم التنظيم السعودي سعيد الشهري السعودي في واحدة من تلك الغارات في أواخر العام 2012م. ورغم الجهود التي بذلت لمجابهة انتشار أفكار تنظيم القاعدة الإرهابي عن طريق الحوارات التي نفذتها الحكومات اليمنية السابقة إلا أنه بات من المسلم لدى الجميع أن “القاعدة” تشكيل دولي مسلح عابر للحدود يستند إلى أسس فكرية وعقائدية تتنافى مع مفاهيم الدولة العصرية وأنه لا يمكن لمن يعتنق هذه الأفكار أن يتركها بسهولة إذ أنها ترى في المجتمع برمته دار كفر وضلال وفي الدولة حليفاٍ ممالئاٍ للغرب الكافر ولا سبيل معها سوى القتال كموسيلة وحيدة لتطهير البلاد والسيطرة عليها. ومن المؤكد أن مثيري هذا الجدل المتزايد بشأن مشاركة الطائرات الأميركية في تنفيذ بعض الغارات على أهداف”القاعدة” في اليمن لا يجهلون خطورة التنظيم على الأمن القومي اليمني ولا تفوتهم طبيعة الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد ولكنهم في الأغلب يسعون إلى كسب سياسي من خلال دغدغة عواطف الناس بشأن ادعاءات السيادة حيناٍ والدفاع عن حقوق الإنسان حيناٍ آخر. ويتجلى ذلك في حال بعض الجماعات والتيارات السياسية التي تقوم أفكارها على أساس الشعارات المناهضة للولايات المتحدة وكذلك مع حال تيارات أخرى تتعاطف ضمنياٍ مع عناصر”القاعدة” بسبب واحدية المرجعية المذهبية والفكرية التي تربطها بالتنظيم وإن لم تكن تؤمن بذات الوسائل والأدوات التي يؤمن بها عناصره. وفي كل الأحوال لا ينبغي للمتباكين الاصطياد في الماء العكر لإلقاء تهم التفريط في السيادة جزافاٍ بالاستناد إلى معطيات واهية كما لا ينبغي الشطح والمزايدة على الرئيس هادي لأنه لم يعلن العداء للولايات المتحدة ويقطع معها علاقات التعاون الأمني لأن الحكم وقيادة الدولة ليس اعتباطاٍ. وفي مقدور هؤلاء أن يحسبوا للرجل شجاعته وصراحته في الاعتراف المسؤول بهذا التعاون القائم مع واشنطن في مجال الحرب على الإرهاب وتأكيده أن كل الغارات الأميركية تتم بمحض الإرادة اليمنية وبموجب اتفاق سيادي كانت أبرمته الدولة وصادق عليه مجلس الدفاع الوطني الأعلى منذ سنوات في حين كان الخطاب السائد حول هذه الغارات قبل توليه السلطة يحاول أن يقنع الناس بأنها من فعل سلاح الجو اليمني ويفتقد للجرأة لإطلاع الشعب على حقيقة ما يدور. وبالنسبة للمنظمات الحقوقية وأدعياء حقوق الإنسان والباحثين عن محاكمات عادلة تحت طائلة القانون لمسلحي”القاعدة” فلهم الحق أن يقلقوا بشأن سقوط أبرياء ضحايا في هذه الحرب من حين لآخر كما لهم أن يطالبوا بتعويضات عادلة لأسر الضحايا وبالحصول على معلومات شفافة ودقيقة عن الانتهاكات التي تحدث لكن ليس من حقهم أبداٍ الاستمرار في العويل والتباكي على مصرع مسلحي جماعة إرهابية لا تجيد سوى القتل والتفجير. وفوق ذلك فالأحرى بمثل هذه المنظمات الحنونة جداٍ والإنسانية أن تستغل دولارات الغرب التي تنهال عليها دون رقيب أو حسيب وتلتفت لتبني مشاريع مادية ومعنوية تصب في صالح تخليد ذكرى الآلاف من الضحايا من المدنيين والعسكريين اليمنيين الذين أزهقت أرواحهم عمليات تنظيم القاعدة وهجماته الغادرة.