الرئيسية - محليات - لعبة الاختطافات المسيسة.. ابتزاز مادي وإرباك المشهد السياسي
لعبة الاختطافات المسيسة.. ابتزاز مادي وإرباك المشهد السياسي
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

يبدي بعض المراقبين للشأن السياسي في اليمن مخاوفهم من انسحاب تداعيات الاختطافات السياسية بظلالها القاتمة على أوضاع المشهد السياسي وتعقيداته في اليمن. ويرون في تكرار حدوثها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات استهدافاٍ صريحاٍ لأمن الوطن واستقراره ولسكينة المجتمع وإنهاكه اقتصادياٍ. بيد أن تطور الظاهرة وتحولها من اختطاف الأجانب بغية الفدية المالية إلى اختطاف السياسيين ورجال الأعمال اليمنيين لأجل الاستغلال السياسي هي مبعث القلق لأن هذا التطور المخيف قد يضع الجميع على مسار تصادمي. فمثلما تسببت عمليات اختطاف الأجانب باليمن في وقت سابق إلى تعكير صفو العلاقات الدبلوماسية بين اليمن ودولهم على غرار فتور العلاقات اليمنية – البريطانية في أعقاب حادثة أبين عام 1999م فإن استمرار محاولات اختطاف السياسيين ورجال الأعمال يستهدف الدس والوقيعة بين أبناء الوطن. هذا ما تنبهت له جيدا مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاؤه بتأكيد رفضهم لأي محاولات لتوظيف عملية الاختطاف التي تعرض لها عضو المجموعة محمد منير وأن هناك من يحاول إلصاق كل الأعمال المخلة بالأمن والاستقرار بقبائل مأرب ومراد الأصيلة ووصمهم بها باستخدام أفراد وجماعات محسوبة عليها”. وأكد البيان الصادر عن المجموعة أن ” أبناء مارب الشرفاء مثلهم مثل أبناء تعز الأوفياء لا علاقة لهم بذلك لا من قريب أو بعيد”. ومنذ 19 نوفمبر الماضي لا يزال رجل الأعمال محمد منير أحمد هائل سعيد مختطفاٍ على يد مسلحين من مأرب عندما كان في طريقه إلى مقر عمله بمدينة تعز فهل يمكن أن يكون ذلك تكتيكا جديدا لكلافيت الظلام أجدى من ضرب أبراج الكهرباء وخطوط نقل الطاقة أم أنه مجرد توظيف سياسي رخيص. يعتقد أستاذ العلوم السياسية الدكتور سعيد العامري أن التحول الجديد في عمليات الاختطاف الأخيرة تكشف عن أن تلك العمليات موجهة وتنطلق من خلفيات سياسية. وقال في تصريح لـ “الثورة”: لا شك أن هناك من يستغل حالة الانفلات الأمني والترهل السياسي لتوظيف تلك العمليات لتحقيق الابتزاز المادي وإرباك المشهد السياسي في اليمن. وأشار العامري إلى أن أحد الأهداف من عملية اختطاف نجل أحمد هائل هو تأجيج نيران الصراع القبلي والمناطقي وتوسيع هوة الشقاق والخلاف بين المحافظات. وقال: هناك أيادُ خفية تريد أن تلعب بهذه الورقة وتأجيج الصراعات القبلية خصوصا وأننا قد شهدنا قبلها اغتيال شقيق الشيخ حمود المخلافي وهي تأتي في إطار توسيع هوة الشقاق والخلاف بين أبناء الوطن. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يصبح القلق مبررا بمطالعة بعض الأنباء التي تحدثت مطلع العام الجاري عن توسيع قبائل شبوة من نطاق قطاعاتها القبلية باختطاف المزيد من أبناء تعز على خلفية قيام قبائل شرعب باختطاف شخصين أحدهما قائد نقطة تقطْع في مديرية نصاب سبق له القيام باختطاف رجل أعمال وضابطين من شرعب السلام مما يعني انتقال الصراع السياسي إلى صراعات قبلية ومناطقية. أو تلك الأنباء التي تناقلتها وسائل الإعلام في أكتوبر الماضي عن إقدام مليشيات مسلحة تابعة لجماعة الحوثي بعملية اختطاف جماعي لأكثر من 54 مواطناٍ منهم 47 شخصاٍ من مديرية ساقين بصعدة. لذا لم يستبعد مدير عام التوجيه المعنوي والعلاقات العامة بوزارة الداخلية الدكتور محمد القاعدي وجود أطراف تغذي تلك الاختلالات الأمنية في البلاد وتعتقد أنها تستفيد من إقلاق الأمن والسكينة العامة في المجتمع. في الثلاثين من أكتوبر الماضي تعرض اثنان من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني للاختطاف والتهديد في سابقة خطيرة تعبر عن استهداف أعضاء مؤتمر الحوار الوطني وعملية التسوية السياسية في اليمن نفسها. عندما أقدمت مجموعة مسلحة على اختطاف عضو مؤتمر الحوار أحمد صالح القنع القيادي الجنوبي والناطق باسم مؤتمر شعب الجنوب واقتياده إلى جهة مجهولة. وذلك بعد ساعات قليلة فقط من العثور على عضو مؤتمر الحوار الوطني حمزة الكمالي وهو بحالة صحة سيئة بعد اختطاف دام لنصف يوم. ويرأس الكمالي مجموعة عمل مسئولة عن إعداد ملف ضحايا الثورة السلمية 2011م بفريق العدالة الانتقالية في مؤتمر الحوار. ويرى المراقبون أن عمليتي الاختطاف لعضوي مؤتمر الحوار القنع والكمالي تضمنت رسالة واضحة الدلالة مفادها قدرة تلك الجهات التي تقف وراءها على الوصول إلى أي من أطراف مؤتمر الحوار الوطني. ولم يستبعد الدكتور القاعدي استغلال بعض الأطراف لظروف الوطن والوضع القائم فيه من خلال تلك العمليات لتعكير أجواء الحوار وإقلاق حالة الأمن والاستقرار. وأكد أن تلك الأطراف ستجد طريقها إلى المحاكم والنيابات والى العدالة عاجلا أم آجلا ولن يكونوا بمنأى عن يد العدالة. وقال في تصريح إلى “الثورة”: هناك قوائم سوداء تكتب الآن وهناك ملفات تعدها وزارة الداخلية بحق تلك الأطراف لتقديمها إلى القضاء مشيرا إلى أن الشعب يعرف جيدا من يقف وراء تلك الأعمال. وكانت أبرز عمليات الاختطاف تلك التي استهدفت نائب القنصل السعودي في عدن أواخر مارس 2011م واتضح لاحقا أن وراءها تنظيم القاعدة بالإضافة لخطف الصحفية الهولندية يوديت اسبيخل وزوجها بودواين بريدسن من قبل مسلحين مجهولين. وقبل ذلك اختطف تنظيم القاعدة معلمة سويسرية لمدة عام كامل قبل أن يتم تحريرها بناء على وساطة قطرية وأيضا زوجين فنلنديين وشخص نمساوي استمر اختطافهم لمدة أربعة أشهر قبل أن تنجح وساطة عمانية في الإفراج عنهما. وتسجل بعض الدراسات أن اليمن لم يعرف الخطف المنظم إلا في التسعينيات وتطورت بشكل خطير مع تطور الأزمة السياسية في اليمن وتحولها إلى حرب شاملة في صيف 1994م وكانت المحصلة ممارسة عمليات الاختطاف السياسي من خارج الحدود عبر قوى مأجورة في الداخل لدرجة تأثرها بمناخ العلاقات السياسية بين اليمن ودول المنطقة. والواقع أن حالات الخطف التي حدثت مسبقاٍ أثناء الأزمة السياسية وبعد حرب صيف 1994م كانت بهدف الضغط على النظام الحاكم ولإحداث بعض التنازلات السياسية. فيما كانت دوافع حالات أخرى لفت انتباه الحكومة نحو احتياجات بعض المجتمعات والجماعات في المناطق النفطية بحجة أنها محرومة من خدمات التنمية وعوائد الثروة النفطية والضغط عليها لتلبية تلك الاحتياجات وفي أحيان تكون حالات الاختطاف ذات دوافع مزدوجة تبدأ مطلبية وتنتهي ذاتية بتحقيق منافع مادية شخصية. وقد تحركت الحكومة لمواجهة تحديات هذه الظاهرة والحد منها بإصدار قانون الاختطاف الذي يجرم هذه الأعمال ويحدد عقوبة الإعدام لمرتكبيها بقوة السلاح إلى جانب تنفيذ سياسة الانتشار الأمني. وحرصت على أن يبقى عنوان سياستها الرسمية في مواجهة هذه الظاهرة هو سلامة المخطوفين والإفراج عنهم سالمين ونجحت في تفعيل هذه السياسة إلى حد ما باعتماد سياسة المرونة والحكمة. وبالرغم من ذلك فإن انتقال عمليات الاختطاف إلى قلب العاصمة صنعاء والمدن الرئيسية وتحولها من اختطاف الأجانب إلى اختطافات سياسية تطال رجال الأعمال وأعضاء الحوار تبقى مسألة مخيفة ومقلقة تمس وحدة المجتمع والسلم الاجتماعي.