الرئيسية - اقتصاد - % من مساحة صنعاء كانت بساتين ومزارع
% من مساحة صنعاء كانت بساتين ومزارع
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

استطلاع :أحمد الطيار – في عام 1929 م قام الخبيران الألمانيان رانجن وفيسمان بوضع خارطة لمدينة صنعاء- العاصمة التاريخية لليمن- وفقا لأحدث التصاميم حينها ما توضحه تلك الخريطة اتسم بالدقة والتوضيح للتوزيع الزراعي والمكاني لكل ما يدب على الأرض وكانت استنتاجات الخبراء أن المباني والمنازل والطرقات حينها لم تشكل سوى 30% من المدينة التي كانت حينها عبارة عن 9 كيلو مترات مربعة داخل السور فيما 70% منها كان بساتين ومزارع مروية من الغيول والسوائل الجارية منتجة للحبوب والأعلاف والفواكه وكان العنب الصنعاني والجوز واللوز أشهر فاكهة يمنية من صنعاء لدى العالم.

قراءة تلفت الخارطة النظر لكثرة المزارع والبساتين والغيول وقنوات الري – وهذا يدل على غزارة الأمطار في ذلك الوقت وأن منطقتنا حاليا تتعرض بالفعل للجفاف وشحة الأمطار والزحف الصحراوي. كما توضح الخارطة محدودية مساحة المدينة – والتي ظلت تقريبا كذلك لعدة قرون كما أوضحته الخريطة يدل على بساطة العيش وحب استقرار السكان في الأرياف وممارسة مهنة الزراعة. على عكس ما يحصل حاليا من زحف سكاني وتوسع عمراني متسارع على المدن حيث تبلغ مساحة المنطقة المعمورة في صنعاء حتى الآن إلى أكثر من 180كم2 وكله على حساب منطقة حوض صنعاء الزراعي. قصة الزراعة في صنعاء لم تعد اليوم مثار جدل فقد قضى البناء على كامل الأراضي الزراعية ووصلت الرقعة المغطاة بالبناء أكثر من 70 كيلو متراٍ مربعاٍ وأصبحت صنعاء وريفها مباني سكنية ودعت الزراعة إلى غير رجعة وهكذا بدا الريف اليمني هو الآخر يتجه نحو هذا الصوب. اعتماد يشير الدكتور محمد الدبي الشهاري- أستاذ التاريخ المساعد بجامعة عمران- إلى أن المجتمع اليمني اعتمد بدرجة أساسية على الزراعة وتربية المواشي إلى ما قبل الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م وما بعدها بفترة تصل إلى 20 عاما لكن تلك الزراعة لم تكن بالحجم الكبير ونظرا لضيق مساحة رقعة الأراضي الصالحة للزراعة حينها ولاعتماد الزراعة على الأمطار فمثل الماء مشكلة للمزارعين حينها بالإضافة إلى صعوبة التضاريس في الكثير من المناطق ورغم ذلك فقد تعددت نشاطات سكان الريف في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني بشكل كبير الزراعة في رؤوس الجبال في رسالته للدكتوراه عن شهارة – تلك المدينة التاريخية الواقعة في رؤوس الجبال يقول الدكتور- محمد الدبي الشهاري: لقد استفاد سكان شهارة من تضاريس المنطقة ومناخها فاستصلحوا أراضيها الزراعية منذ القدم إذ تحدوا طبيعتها الصعبة فعملوا المدرجات الزراعية على قمم جبالها وسفوحها ووديانها واستغلوا كل شبر فيها لزراعة الحبوب والفواكه والخضروات بل والنباتات العطرية والأعشاب الطبية حتى جدران المدرجات فقد استغلوها لزراعة العنب وهي مثال ينطبق في كل اليمن . قوة وصلابة يحكي المؤرخون قصص الإنتاج الزراعي في اليمن بالكثير من الإسهاب وهم في ذلك يشيرون إلى قوة وصلابة الأنسان اليمني وحنكته في استغلال الأراضي أينما كانت لإنتاج غذائه متوكلا على الله في الريف والمدن والسهول والجبال, وحسب الدكتور الشهاري فقد أشار الهمداني إلى مزروعات عدة في منطقة شهارة في القرن الرابع الهجري ومن أهمها الذرة بأنواعها ثم البر (القمح) والشعير والعلس والجعرة والبرزغة والقطن والموز وقصب السكر والعنب والخوخ والرمِان والتين وغير ذلك وفيه نبات شبيه بالصندل الأبيض يقاربه في الرائحة وقد يداخل الصندل الهندي وكذلك أثبتها الربعي وزاد عليها زراعة الكروم والآس والأترج والتفاح والمشمش والخرنوب والقضب والعصفر والورس واللوبيا والأقطن واليقطين والصبغة (النيل ). اهتمام نالت المنتجات الزراعية باهتمام الناس والدولة في القرون الماضية وهي عملية حسابية فإذا لم ينتج المجتمع سيتعرض للجوع والموت, حيث لم يكن هناك استيراد للمنتجات كما هو الآن ويذكر التاريخ أن المنتجات الزراعية وإن كانت تتغير بين الحين والآخر من حيث أحجامها وأصنافها إلا أن الدولة وعلى رأسها الحاكم كانت تقوم بواجبها لدعم الناس, ففي شهارة مثلاٍ عملت الدولة آنذاك على إحياء الزراعة في مناطق شهارة فاستصلحت أراضيها التي كانت أْهملت وخصِ منها الأراضي التي تقع على منابع العيون والغيول والتي تطل على بطون الأودية التي تجري عليها المياه طوال العام حيث أصلح أراضي وادي صومل (غرب شهارة) وكذلك وادي وعار وبِيúنِة وحاشف في جنوبها والبطنة وزرع فيها البن والقند والأرز الذي صار أكثر من الذرة في معظم الأوقات والقطن والتنباك والحناء والجلجلان (السمسم) والكمون والحبة السوداء أما الفواكه فكانت منتشرة على قمم وسفوح الجبال وخاصة الكروم والخوخ والمشمش والسفرجل والرمان والتين العربي والشوكي وكان يوجد في منابع الغيول الموز ومن الخضروات كان يزرع الثوم والفجل والقْشم (البيعة) والخيار والقثاء والبسباس والبصل والنعناع ويكاد لا تخلو أحواش المنازل من هذه الشتلات التي تستخدم يوميا في تحسين وجبة الغذاء إضافة إلى النباتات الطبية والعطرية كالريحان والراصف والشذاب أما الشمار والبقدونس والملوخية فكانت تنبت تلقائيا دون رعاية من المزارع. الإنتاج الحيواني أما تربية المواشي فكانت بكثرة في الوديان وأسفل الجبال أما في أعلى الجبال فكانت معظمها للاكتفاء الذاتي فلا يخلو المنزل من البقرة وبعض الضأن والماعز والدجاج وكانت توجد المناحل في المناطق الدافئة وذات الأشجار الكثيفة التي تساعد في تغذية النحل وقد نعتها الهمداني بـأنها «أكثر بلاد الله نحلاٍ وعسلاٍ في حين كانت الإبل قليلة وتوجد في الوديان مثل القابعي وصوير)º. المواسم الزراعية وامتاز فلاحو شهارة بمراعاتهم للمواسم الزراعية وحفظهم التقويم الزراعي فكانوا يترقبون المواسم الزراعية ويدققون في حسابها فيضعون لهم العلامات والأمارات في الجدران والمنازل وفي الجبال التي تدلهم على منازل الشمس وأوقات دخولها في الأبراج وعرفوا النجوم الزراعية التي اعتمدوا عليها في حرث الأرض وبذرها ثم حصادها فمثلاٍ يتم بذر رأس الجبال وسفوحها في بداية نيسان وبذر الوادي بعد عشرة أيام من بذر الجبل كما حافظوا على الأمثال والحكم الكثيرة التي تفصح عن أوقات حرث الأرض وموافاتها بالأسمدة وبذرها وصرمها ومعرفة أوقات تخصيب الحيوانات وأوقات قص صوف الغنم وغير ذلك من المعارف الزراعية الهامة التي تساعد في تكثير المحاصيل ووقايته من الأمراض والآفات الزراعية المختلفة.. إهمال ومن خلال التجوال في المنطقة يتضح جدية ومثابرة سكانها منذ القدم حيث استغلوا كل شبر فيها حتى الصخور المنحدرة الملساء فقد وْجدت عليها مدرجات زراعية صغيرة جداٍ لا تتسع لأكثر من مكان غرس شجرة واحدة رغم صعوبتها لكن من المؤسف أن تصير جهود الإنسان الأول سدى حيث أهملوا معظمها حاليا وبعضها طغت عليها زراعة شجرة القات ولم يبق لزراعة الحبوب إلا النزر القليل وانعدمت زراعة الخضروات والفاكهة والحمضيات.