الرئيسية - عربي ودولي - مأزق الدولة القطرية والتحديات الراهنة
مأزق الدولة القطرية والتحديات الراهنة
الساعة 03:00 صباحاً الثورة نت../

تمر الدولة القطرية على امتداد الوطن العربي المجزأ منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي بإحدى وعشرين دولة باعدت خلال نصف مضى من الزمن بين تحقيق أبسط صيغة التكامل والتعاون المشترك بين العرب ولم تكتف القوى الاستعمارية بإبقاء الشعوب العربية إلى تلك الدويلات المتعددة والمتناثرة في سياساتها الداخلية والخارجية وإن كانت منضوية في إطار الجامعة العربية. وباتت الدولة القطرية ساحة مستباحة ومهددة مخترقة من قبل المخابرات الأجنبية وخاصة الإسرائيلية أكان ذلك على الصعيد العسكري أو المدني ولم تعد قادرة على حفظ استقلالها وصون سيادتها والدفاع عن حقوق مواطنيها ومصالحها العليا وصارت تواجه بالظرف الراهن تحديات لها بداية وليست لها نهاية ومكبلة بسلاسل وقيود التدخل الخارجي السافر في شؤونها الداخلية وفشلت كل دولة منفردة في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية لمواطنيها القاطنين فيها. فيما ظل التدخل الخارجي يوسع من أنشطته الداخلية ويصعد من حفرياته داخل الوطن العربي ويستقطب المنتخب الثقافية ويبني أشكالا متعددة من المنظمات الدولية والأحزاب السياسية سعيا منه إلى إيجاد استخطاطيات تجزئة المجزأ ضمن تصعيد جديد لعمل تفكيك لكل دولة بمفردها وما ذلك إلا استجابة الموجة الثالثة للعولمة والمتمثلة بدخول الامبريالية الأميركية أعلى مراحل الهيمنة لاستكمال السيطرة المطلقة على مقدرات العرب وثرواتهم النفطية وتقسيمهم إلى نصفين أثرياء تحت سيطرة البورصات المالية والمصارف الغربية وفقراء ينتظرون دعم المانحين. تلك إحدى أهم إشكالية الدولة القطرية في مأزقها الراهن خاصة ومن المعضلات والمعيقات تحديد الواضحات فقد آل وضع العرب في الظروف الراهن تحت هيمنة السياسة الدولية على اعتبار أن تلك السياسة هي أرقى صنع المافيا العالمية لأنها منذ بدء الموجات الاستعمارية تحددت على غزو البلدان والشعوب المستضعفة وقطع طريق تطورها الطبيعي وجعلتها عرضة للتفكيك بدلا من التماسك والتدهور بدلا من التطور ونهب ثرواتها وما يحدث للوطن العربي حاليا أبلغ دليل على النهب المنظم للثروات العربية من قبل القوى الدولية. فقد كان الاستعمار في السابق يحتل تلك الشعوب ويستعمر الدول تحت دواعي ومبررات أنه يطورها ويأخذ بيدها إلى النهضة والتقدم بحسب ادعاءات الاستعمار القديمة على أنه حركة تطور ونهضة وعمران وفي الوقت الحالي تغيرت المعادلة وأصبحت النخب السياسية هي التي تطلب التدخل الخارجي وتقدم له المشاريع لكي ينفذها وهو ما يعكس أن مرحلة السيطرة على العرب والمسلمين تتم بأياد عربية وإسلامية. وهو ما يعني أن العرب كما أشار الكاتب المصري محمد حسنين هيكل يواجهون سايكس بيكو جديدا في إشارة واضحة إلى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم, ولعل ما يحدث في جنوب السودان بعد نجاح السياسة الدولية في إعلان الانفصال وتشكيل كيان جوبا دليل واضح على أن تعاملات تلك السياسة لن تكتفي أن تستقر خريطة الوطن العربي جغرافية المنطقة عند حدود الإحدى والعشرين دولة وإنما تتطلع إلى عمل كنتونات داخل الدولة القطرية وذلك تفكيك قديم جديد في آن واحد تسعى السياسة الدولية إلى تنفيذه, والذي أصبح ضرورة ملحة وفقا لحسابات واستراتجيات ودراسات تنفذ مساعي جديدة كما أوضحنا لتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم. وإن كان الإشكال القائم جملة من التحديات برزت في مصر حالت دون تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وفي سوريا كذلك حالت هي الأخرى دون تنفيذ ذلك المشروع إلا أن هناك تحديات تواجه السياسة الدولية رغم الأشواط الكبيرة التي قطعتها في بعض الأقطار العربية لكنها لم تكمل التسوية بعد حتى يتبلور مشروع الشرق الأوسط الجديد. برغم أن الدولة العربية كانت إلى فترة قريبة نسبيا متجانسة في سياساتها وموحدة في مواقفها مقارنة بالحالة الراهنة صارت كل دولة عربية تعاني من حالات التفكك الداخلي ومهددة ببروز كيانات متعددة داخل كل دولة على حدة. لذلك فإن ما يحدث في بعض البلدان العربية التي تشهد اضطرابات سياسية يرجع بالتأكيد إلى الفساد الداخلي والتدخل الخارجي الوجه المكمل لما تعانيه تلك البلدان وأدى ذلك إلى انعكاسات سلبية على النحو الذي نراه في تعميق المشكلات حيث و القوى الغربية بعدما كانت تتحدث عن الديمقراطية والتعددية السياسية أصبحت تطرح بالظرف الراهن مشاريع جديدة كالاختلافات الدينية والمذهبية والأقليات العرقية والاثنيات المتعددة استدعاء للسياسات الاستعمارية القديمة ببث روح الفرقة وتكريس الضعف داخل الأقطار العربية لتحقيق الأطماع الغربية.